الشاعر محمد عصام علوش / فجر

Views: 5

الطفل الرَّضيع (فجر) الَّذي لم يتجاوز عمره الأربعين يومًا عثر عليه في كرتونٍ صغيرٍ أمام
أحد الأبنية بضاحية أبي الفداء في مدينة حماة السُّوريَّة، وبجانبه ورقةٌ كُتِب عليها اسمُه، وأنَّه
ابنُ حلال، تأتي هذه الحادثة بعد عدَّة أيَّامٍ من العثور على طفلةٍ مرميَّةٍ على باب أحد
المستشفيات الخاصَّة في مدينة اللَّاذقية أطلق عليها الطبيبُ الَّذي عثر عليها اسم: “روح”، وبعد
تواتر الأنباء حول بيع بعض الأسر أبناءها بسبب الفقر والفاقة وقلَّة ذات اليد، كانت
هذه الأبيات حول حادثة “فجر”:

هـلْ كـنـتَ فجـرًا مِـثـلَـما الـفـجـرُ أمْ إنَّــه أزرى بــنـا الـعُــمْــر؟

قالـوا: “حَـلالٌ أنـتَ” قـد صدقـوا ما شابَ جينَكَ في الهوى أمْرُ

وتكـامَـلَـتْ فـيـكَ الـصِّـفـات شـذًا قد ضاع في أردانِها العِـطـرُ

وكـسـاك ربُّـــــكَ مِـن فــضائلِـهِ حُسنًا يَـتـوقُ لِـمِـثْـلِـه الـزهــرُ

لـكــنَّـهـــا الـمـــأســاةُ في زمَـنٍ مـا فـيـهِ إلَّا طَـعــمُــه الـمُــرُّ

قـد ســار فـيـنـا ســـيْـرَ حـالِـقـةٍ فـيـهـا الأذى يـنـثـالُ والـشَّـرُّ

جـثـمَـتْ رحـاه عـلى عـواتِـقـنـا وانـتـابَــنـا مـن كَـيْـدِهِ الـقـهْـرُ

وأذاقَــنـا الـتَّـنـكـيـلَ يَـلـفـحُــنـا كالـنَّارِ يُـذكـيـهـا بـنـا الجَـمْـرُ

غُـمِـسَـتْ عـواثـرُ عـيْـشِـهِ بــدمٍ فـتــنــاوبَ الإذلالُ والـفـــقــرُ

وكـأنَّــنـا سَــــفْــرٌ عــلـى ظـمَـأٍ ولـقـد بَـرانا الـمَـهْـمَـهُ الـقـفـرُ

أحـيـــاءُ كـالأمـواتِ تـحـسـبـنـا قـد ضـمَّــنـا في جَـوْفِـه قـبْـرُ

قـد صار هـذا العـيْـش محـرقـةً مـا زاره في كَــرِّهِ الـخـيْـــرُ

قـد جَـفَّ فـيه الـضَّرعُ من لَـبَـنٍ والـثَّـديُ عـافَ عروقَهُ الـدَّرُّ

مَـن لـلـرَّضيـعِ يُـقـيـلُ عَـثْـرَتَـه إمَّـا بـكى، ومعـاشُــنـا عُـسرُ؟

مَن لـلـرَّضيـعِ يُـتـيـح لُـقــمَـتَـه والجَـيْـبُ خالٍ والـنَّدى نَـزْرُ؟

والـبَـطـنُ خـاوٍ لـيْسَ يُـسـكِـتُـه تَـرنـيـمَـةٌ قـد حـاكَها الـشِّعـرُ

قـلْ لي بـربِّــكَ كـيْـف نُـسعـدُه أمْ كـيْـف ثغرُ الـبُؤسِ يَـفـتـرُّ؟

قـلْ لي بـربِّـكَ كـيْـف نُـسعـفُـه إنْ نـالـه في جـسمِـهِ الـضُّـرُّ؟

قـلْ لي بـربِّـكَ كيْـف ترضعُـه أمٌّ شـــكـا إمــلاقَـهـا الـصَّـدرُ؟

أخنى عليها الـدَّهرُ فـاجـتـرأت تـرمي الـرَّضيعَ يَهُـدُّها العـذرُ

فـلعـلَّ نـفــسًـا طـاب مَعــدِنُهـا تغــذوه فـيـهـا الجــود والـبِـرُّ

ولـعـــلَّ قـلْـــبًـا رَقَّ يَـحــمِـلُـه يحـنو عليْهِ وقـد نـأى الـقَـطرُ

ولـعـلَّ عَـيْـنًـا شـابَ مَـدمعُـهـا يـحــدو بـهـا لـعِـنـاقِـه الأجـرُ

يا فـجـرُ كـمْ فـجـرٍ لـدى أُسَرٍ عـافـتـه لـمْ يحصلْ بـهِ الـبِشْرُ

يـا فجـرُ قـد خـانـتْ محـابـرُنا ما عـاد فـيها الـنَّـقـدُ والزَّجـرُ

لـمْ يَـبـــقَ إلَّا دعـوةٌ رُفِـعَـــتْ للهِ فـي لــيْــــلٍ بــه الـسّــتْــرُ

مِـن أنـفُـسٍ صدقـتْ مَـحـبَّتهـا ويسودها في طَـيِّـهـا الـطُّهْـرُ

أنْ تُشرقَ الشَّمسُ الَّتي كسفتْ ويعودَ يَعبَقُ في الدُّنا الـزَّهْرُ

أنْ يكشِفَ الـرَّحـمـنُ كُربـتَـنـا ويُـغـيـثُـنـا مِـمَّـا جَـنى الـشَّـرُّ

محمد عصام علوش

17/1/2022م