Views: 5
الإنشاصية جميلة الجميلات .
نظرة – ربما – على مغايرة فى قصيدة ( من أجل السلام )
للشاعر الناقد الدرعمى الدكتور / عبد الحكم العلامى ، و التى
ترجمتها إلى البرتغالية البديعة المبدعة متعددة المواهب /
تغريد بو مرعى .
العلامى : إخبات الحرف وكونية المنطلق !!!!!
بقلم : ابن المحروسة
محمد أبو اليزيد صالح
( يجب أن يحيط الناقد أى نص أدبى بنظرة شاملة موسوعية
حتى لا يحرم هذا النص وكذا المتلقى من إضاءات جوهرية
هما أحق بها . )
ابن المحروسة
” وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم
وما هو عنها بالحديث المرجم . ”
( زهير بن أبى سلمى )
” لم أكن حيا ولا ميتا ، ولا عرفت شيئا ،
وأنا أنظر فى قلب الضياء ، والصمت
موحش ، وخال هو البحر ”
” ولسوف أريك الخوف فى حفنة من تراب ”
( مقتطفان من ” الأرض الخراب ” ت . إس . إليوت )
( 1. )
فى روحانية الأدب
الأدب السلام ؛ تلك هى قناعتنا التى إليها نذهب مصطحبين شواهدنا ، ومعطياتنا . فبالتوسع فى مفهوم السلام نجد لهذه الكلمة وجوها كثيرة فى واقع الأمر ؛ فهناك السلام النفسى ، والسلام الاجتماعى ، والسلام السياسى، والسلام الاقتصادى ، والسلام البيئى ….إلخ . و يغطى الأدب الهادف الجاد بما يتناوله منغصاتنا التى هى بمثابة حروب ؛ يغطيها فى مباشرة وغير مباشرة لتلافيها نشدانا للسلام بمفهومه الواسع من أجل سعادة الإنسان فى الأخير .
ومن نافلة القول تبيان أن الإسلام العظيم أكد بتعاليمه
السمحة على السلام بمفهومه الشامل: السياسى منه ، والإجتماعى ، والبيئى ، والاقتصادى …..إلخ ؛ فإن جنح العدو للسلم فلنجنح له أيضا إتقاء لسفك الدماء ( سلام سياسى ) ، و الصلح خير فى مسألة الشقاق الزوجى للحفاظ على الأسرة ( سلام أسرى ) ، و إخراج الزكاة والصدقات ( سلام إجتماعى اقتصادى ) وإماطة الأذى عن الطريق ( سلام بيئى صحى)… إلخ .
وعود لما كنا عليه من تناول لروحانية الأدب ، فإننا سنضرب مثالا بروايات نجيب محفوظ التى تناولت أغراضا إجتماعية فى خطها العريض( لن نتطرق إلى أعماله التاريخية أو النفسية أو الفلسفية أو فانتازياته المتأخرة وكلها تدعو للسلام فى مباشرة أو غير مباشرة كما دأب كل أدب هادف ) . إن هذه الروايات ذات الغرض الاجتماعى والتى تتناول آفاتنا الأجتماعية ، يكرسها الكاتب للتنديد بهذه الآفات ، ولكن من أجل ماذا ؟؟ بالتأكيد لمقاومة تلك الآفات وتلافيها ليحل بالنفوس و بالمجتمع السلام . وكذا الحال مع أديبين آخرين مثل جمال الغيطانى الذى كان يعمل مراسلا حربيا أثناء حرب أكتوبر العظيمة ، و الأبنودى الذى اختار طائعا معايشة الجنود فى الميدان ليتعرف على الحرب بصورة واقعية بعد حرب السابع والستين . إن كلا الأديبين تناولا موضوع الحرب و أبرزا أهوالها ، لتبصرتنا كى نتوقاها لينتشر السلام والأمن والأمان والرخاء فى الوطن و العالم .
إذن ، أى أدب رصين فى مچمله هو أدب سلام ووئام ؛ وعلى هذا فالأدب فى خطه العريض إيجابى ؛فذاك طبعه ، لأنه يرمى إلى إزاحة العلل من أجل السلام عموما ، هذا إن ننظر للسلام بمعناه الواسع العريض كما أسلفنا .
( 2. )
فى أدب الحرب والسلام
لقد شغلت الحرب ومؤدياتها ، وكذا نتائجها حيزا واسعا فى فى ملاحم و أساطير وأيام الأمم وسير الرجال فى العصور القديمة والوسيطة مثل جلجامش وإيزيس والإلياذة والأوديسا والمهابهارتا والشاهنامة و البسوس وداحس والغبراء و سيف بن ذى يزن وأبى زيد الهلالى ، وبهذا شغلت هذه التيمة موقعا كبيرا فى فروع الآداب العالمية والشعر منها بطبيعة الحال، إلى أن كانت أزماننا الحديثة و المعاصرة ، فاستحوذت هذه التيمة على قدر كبير جدا من اهتمام الأدباء شرقا وغربا؛ فى الشعر والنثر على حد سواء لسبب رئيس هو الدمار الهائل التى خلفته الحروب بسبب التقدم التكنولوجى ، والذى رسخ شعورا مريعا بفناء الحياة كلها على كوكب الأرض فها هو الأديب الروسى العظيم / تولستوى يتناول ذلك فى رائعته ( الحرب والسلام ) التى تتناول حرب نابليون فى روسيا فى بواكير القرن التاسع عشر ، كما وتناول الأديب الأميركى الشهير / همينجواى الحرب العالمية الأولى فى عمله / ( وداعا أيها السلاح ) وغيره ، وأما عن شاعر مثل ت . إس . إليوت و قصيدته الشهيرة ( الأرض الخراب ) ؛ التى كرسها للحديث عن كوارث الحرب العالمية الأولى أيضا فحدث ولا حرج . ثم أن تيمة الحرب هذه شغلت وما تزال تشغل الكثير من أدباء إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية بسبب الحروب الأهلية التى يصطنعها سدنة الاستعمار القديم فى بلادهم .
على أننا يجب أن ننتبه جيدا إلى نمط فريد من أدب الحرب يحث فيه الأديب ( شاعرا أو ناثرا ) على الحرب ، ليس تعديا و عدوانا ، ولكن لرد غاصب و محتل كما فى الأدب الفلسطينى بخاصة ، والأدب العربى المعاضد الذى يدور فى هذا المدار . وقد يكون من الأجدر أن نطلق عليه أدب الحث على المقاومة بدلا عن الحث على الحرب .
إذن نستنبط من جميع ما سبق أن أدب الحرب فى مجمله ، هو الراصد ، المسجل ، المنذر ، المحذر ، الحامى ، الموقى ، المبلسم ، الجابر ، المستحث الدافع ، وهو خير فى جميع أحواله لأنه يدعو للسلام كهدف نهائى ، حتى وإن يكن أدب حض على مقاومة .
( 3. )
من أفياء القصيدة
( ا. )
فصل فى حرف العلامى
إن مفردة / العلامى ملفتة ببساطتها وتقشفها وصوفيتها وتكثيفها . بسيطة لأن المتلقى يجدها بعيدة كل البعد عن المعجمية المتكلسة الشاغلة المطيحة التى نجدها فى أشعار كثيرة هذه الأيام . تلك المعجمية التى يدور معها القارئ على قواميس العربية كلها منقبا متفحصا عن معانى المفردات و ضاربا أخماس الدنيا فى أسداسها للوقوف ولو على كسرة من مراد .
ومفردته متقشفة عند ذوى النظرات العجلى ، و لكنها ثرية ثراء المتقشفين عادة ممن يؤمنون بالمخبر والجوهر لا بالشكل والمظهر . ومن هنا وجب الاحتياط عند تناول مفرداته . وهى متصوفة بها الإشراق الخفى الكلى تحسه فيجعلك تتبع موارده من طبيعة له ونشأة وثقافة … وأخرى .
وهى مكثفة حمالة أوجه مقبولة بها منطقية ، وليست أوجهها
من تلك التى تجهدك وتجعلك تكدح فى قنص مراميها ، وإذا أنت ترجع بعد نصبك وكدك خالى الوفاض أو تكاد .
( ب. )
عنوان ماذا بعد .
لابد من التريث عند تناول عنوان القصيدة الذى منطوقه ” من أجل السلام ” . إن بالعنوان تقريرية ومباشرة ، لكنه يفجر تساؤلات عميقة عند القارئ ؛ برغم هذا . فعلى القارئ أن يتساءل : من أجل السلام … وماذا بعد ؟ أو و ماذا إذن ؟ ؛ أنحارب ؟ أنتنازل ؟ أنهادن ؟ أنصفح ؟ أنتصالح ؟ أنتوقى ؟ أنحاذر ؟ أنستكنه ؟ تساؤلات تحيلنا إلى تساؤلات أخرى : نحارب من ؟ نتنازل لمن ؟ نتصالح مع من ؟ مم التوقى ؟ علام الحذر ؟ استكناه ماذا ؟ وبهذا ، فإن هذا العنوان ليس بالعنوان الصاد للقارئ ، بل إنه يغويه و يجعله على ترقب واستنفار برغم بساطته المفرطة ويدفع به دفعا نحو القصيدة بعد أن هيأه نفسيا ليدلف إليا عن طيب خاطر ، هكذا بسلاسة ليتابع الشاعر ، وليظفر برسائل القصيدة ، أو ببعض رسأئلها على الأقل ، وذلك من فضائل / العلامى .
والعنوان أيضا على صوفية كبيرة تتجلى فى مفرداته وصياغته على هذه الشاكلة البديعة ، لأن السلام مطلب إنسانى تعشقه النفوس وتتغياه ؛ إذ أنه جوهر الوجود و الحياة .
( ج. )
فى فلسفة الإطلاق
كما يليق بمحارب
قديم
سأضع أوزار الحرب
جانبا
وأحدثكم عن خببئ
الذكريات !
—————–
للإطلاق فلسفته وبلاغته فى دنيا الشعر ، ويوم يسوقه الشاعر فإن القصد هو أن تكون رسالته فى عمومية خاصة وهو ينزع عنها غطاءالمكان ، كما وينزع عنها خصوصية الخطاب أو الإشارة إلى أناس بعينهم لتظل رسالته صالحة لكل عصر و لكل الناس ، وهذا يلبس شعر الإطلاق أو العمومية هذا – كما نحب أن نسميه – لباس الديمومة – برأينا – ، و مثله فى ذلك أشعار العمومية القديمة كأشعار الزهد والحكمة عند أبى العتاهية والمتنبى ، و المعاصرة كأشعار الشابى فى السياسة ، وكلها لم تتأثر بعوادى الزمن و بقيت على فاعليتها فى وجداناتنا للآن لأنها كانت على هذا الإطلاق ، أو تلك العمومية .
والشاعر فى هذا الجزء من القصيدة يعلمنا بأنه محارب قديم خبر الحرب و محنها ، ( ربما ليلفتنا إلى قدم الشر فى العالم ) ، وأنه سينحى هذا جانبا ليحدثنا عن خبيئ ذكرياته . إن فى هذا الجزء من القصيدةعمومية ، وفيها عنصر تشويق للقارئ الذى ينتظر ذكريات الشاعر الخبيئة .
الأمر لم يكن أبدا
بهذه السهولة
فقد كان علينا
أن ندير شؤننا
هكذا
بمفردنا !
اليوم كان ثقيلا جدا
أما عن الليل فحدث
ولا حرج
خاصة فيما يتعلق
بنوبات الحراسة
فقد كان عليك
أن تظل هكذا
يقظا
وسلاحك إلى عينيك
وعيناك مصوبتان
إلى الغادين
والرائحين
وقلبك معلق بخطوات
العسس
وهم يلقون إليك
بكلمة السر !
لا يزال الشاعر فى إطار الإطلاق أو العمومية ، إذ أنه لم يعين حربا بعينها ، ولم يخص جنودا بذواتهم وترك الأمر فى شيوع ، وهو يقص علينا نتفا من أخباره وصحبه . فالأمر لم يكن هينا مطلقا وهم يديرون أمورهم بأنفسهم عموما ، وها هو الآن يوافينا بأحداث أحد الأيام وكيف كان نهار ذلك اليوم كابيا ثقيلا جدا ، وأما ليله فقد كان فيه من الويلات الكثير بنوبات حراسته التى يظل معها الجندى يقظا ، وسلاحه إلى عينيه المصوبتين إلى الآخرين بشك وريبة فى غدوهم ورواحهم ، وأما القلب فمعلق بخطوات العسس وهم يلقون إليه بكلمة السر ربما لمعرفتها أو ربما للتيقن من يقظته .
إن / العلامى يستوفنا فى هذا الجزء من القصيدة بتكنيكه العجيب الذى ينقله بسلاسة من العام إلى الخاص ولكن فى داخل إطار الإطلاق أو العمومية الواسع الجامع الذى تناولناه آنفا . ولمزيد من التوضيح نقول أنه فى بداية هذا الجزء من القصيدة يتحدث الشاعر عن مصاعب الجمع و هم يديرون شؤؤنهم بأنفسهم فى كل الأيام ، ثم تحدث نقلة فيتحدث فى تخصيص عن متاعب جندى فى يوم ما ، و الواضح أن تخصيصه هذا من التخصيص الشكلى فى جوهره الذى يسوقه شاعر ما لأغراض بلاغية منها أنه يريد تكثيف تناول وضع ما آملا فى أن يتقمص المتلقى شخصه ( شخص الشاعر ) ليتمثل مشاعره الحقيقية للوقوف على معاناته ، ولعل الشاعر فى هذا لعلى اقتداء بآى الذكر الحكيم الذى يطلق فيها الخاص لينسحب على العام ، ونحن لا نستبعد ذلك لنشأته الدينية و دراسته لعلوم العربية .
كما و يجعلنا / العلامى ببراعة نعيش حالة نفسية مقبضة من التوجس أو الترقب تناسب وتتواكب مع الحرب حقا :
فقد كان عليك
أن تظل هكذا
يقظا
وسلاحك إلى عينيك
وعيناك مصوبتان
إلى الغادين
والرائحين
وقلبك معلق بخطوات
العسس
وهم يلقون إليك
بكلمة السر !
ثم إن شطرا لا باس به من هذه الأحداث يتم ليلا مع مايصاحب الليل من خوف وفزع وظلام ، أى أن يوم الشاعر بنهاره وليله كان يوما أيوم كما يقال .
الأمور كانت تسير
بشكل جيد
لكنا حينما كنا
نتذكر الغارات
فى أخريات الليل
كنا نقاضى اليوم الذى
سميت فيه الحرب !
واللحظة التى انطلقت
فيها
أول رصاصة
إلى قلب جندى
كان يمر على تلك
السياج
آملا فى أن يعود !
وكيف كان فرحا
حينما أبلغ بحصوله
على يومين اثنين
إجازة
لرؤية ذويه !
وكيف ظل يتقافز
هنا وهنالك
على هذه البسط
من هول المفاجأة !
تبلغ محزونية الشاعر مدى كبيرا ومعها محزونية رفاقه ومحزونيتنا ؛ نحن القراء عندما يتذكر ، ويتذكرالجنود غارات أخريات الليل وبشاعاتها ، الأمر الذى كان يجعلهم يقاضون اليوم الذى سميت و عرفت فيه الحرب ، واللحظة التى انطلقت أول رصاصة إلى قلب جندى كان يمر على السياج لتصرعه وتودى بحلمه فى عودة قصيره . ذلك الجندى
الذى كان فرحا حينما حصل على مجرد يومين إجازة لرؤية ذويه !! وراح يتقافز هنا وهناك من هول المفاجأة ، ولكن القدر لم يمهله ….. مات !!
إنه / العلامى بنقلاته النفسية المكثفة الحادة المجسدة للحزن والفرح ، والأمل واليأس ، والعجلة والهمود ؛ أضداد لها مراميها البلاغية التى تستوقف المتلقى باعثة فيه تماهيا مع الحدث برمته . ولا يجب أن نغفل السخرية المرة فى هذا الجزء من القصيدة حين يذكر الشاعر أن الأمور كانت تسير بشكل جيد ؛ فكيف كانت تسير بشكل جيد وهو يذكر كل تلك الأهوال ؟!
لم يكن الأمر سهلا
على الإطلاق
وكما يليق بمحارب
قديم مثلى
سأظل مدافعا
عن بقية الجنود
الذين رووا بدمائهم
تراب هذه الأرض !
ولم يكن فى حسبانهم
أنهم مشاركون
فى أسوأ اختراع
عرفته البشرية
على هذه الأرض
يسمى الحرب
من أجل السلام .
ومع هذا الجزء الأخير من القصيدة ، وهو – برأينا – يشتمل على تفلسف كبير . فالشاعر يؤكد هنا على عدم سهولة الأمر على الإطلاق ( أمر الحرب وأمره ) ، وكما يليق بمحارب قديم
مثله ، فإنه سيظل مدافعا عن بقية الجنود الذين رووا بدمائهم تراب هذه الأرض ولم يدر فى خاطرهم أنهم مشاركون فى أسوأ إختراع عرفته البشرية على هذه الأرض يسمى الحرب من أجل السلام .
إن فى الأمر أممية للألم والمعاناة ، و عالمية للفواجع والأهوال ، ولا منعتق للشاعر ولا لرفاقه ولالنا كمتلقين ولا للبشرية كلها ، خاصة وقد بقى ( أى الشاعر ) فى هذا الجزء من القصيدة على عموميته التى بها بدأ بلا تعيين لمكان ولا لأناس بعينهم ، وبهذا تصير الأرض كلها التى يحيا عليها كل البشر ميدانا للحرب ، ويصير جنود العالم كلهم على شراكة فى تلك الحرب ، ويصبح الجميع ضحايا ؛ البشر والأرض . إنها مأساة ربما يستدعى المتلقى معها أسطورة ” سيزيف ” التى تمثل العذاب المقيم المهين .
إن القصيدة – بحسبنا – تمثل برغم كل شيئ ؛ صرخة كونية للخلاص النهائى من الحرب وويلاتها ، ودعوة للسلام الكونى ، …..فلعل وعسى !!!
Discussion about this post