Views: 8
الثقافة العربية في هذا الوقت
– حلب نموذجا –
بتأثير التكنولوجيا الحديثة و ظهور تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي أصبح كل من يقرأ و يكتب أديبا مفكرا عالما مؤرخا مفتيا دون قيد و لا رابط . دون تقويم و لا تقييم ..
الأمر ميسر : انسخ و الصق .. لا تذكر اسم الكاتب لتوهم الآخرين أنك من زملاﺀ الجاحظ .. بإمكانك أيضا أن تكتب من عندياتك .. ليست قواعد الكتابة على بالك و لا على بال معظم القراﺀ .. و معارفك في الحي و العمل و الأصدقاﺀ و من يلتصق بهم سيعلقون لك :
– الله .. الله !
– ع راسي معلم
– و الله أنت جبتا
– حقيقي و منطقي و ف الصميم
– تسلم يا كبير .. أحلى أبو عبدو ..
……
و إن شئت أن تكون شاعرا فما المانع ؟ أحمد شوقي ليس أفضل منك .. الوزن غير مهم .. و إن عرفته فالتجديد ليس شرطا .. و التكرار مهنة الشّطار .. و هكذا بين يوم و ليلة يصبح كل تيس ( امرأ الفيس ) شريكا لامرئ القيس في عرش الشعر ..
أتحب أن تكون مؤرخا ؟
و لم لا ؟ حتى إنك تستطيع أن تطبع كتبا لا أن تنشر في الفايسبوك فحسب .. و لا تعبأ بما فيها من أخطاﺀ منهجية أو علمية أو لغوية ..
يا سيدي ( حط بالخرج ) كل الأمور تمشي و الناس عموما لا تدقق و لا تحقق و لا توثق ..فاكتب و لفّق ..
فلست هربرت فيشر ( مؤرخ أوروبا العظيم ) و لا من ترجمه إلى العربية ( أحمد نجيب هاشم – وديع الضبع )
بأسلوب فخم جزل متدفق رصين يستحق الغبطة و الحسد من الأدباﺀ و البلغاﺀ أنفسهم ..
و قد قدم ذلك الكتاب التحفة بأسلوبه المبين الأستاذ العالم الكبير محمد شفيق غربال . أضربه مثالا للتأسي و التعلم .
و في الأدب كن ناقدا إن شئت فلن تظهر حقيقتك للجمهور الساهي اللاهي المستسهل .. حتى إني قرأت منشورا لأحدهم يزعم فيه وجود ( إعجاز علمي ) و لغوي و بلاغي في بيت امرئ القيس المعروف :
مِكرٍّ مِفرٍّ مقبلٍ مدبرٍ معاً
كجُلمودِ صخرٍ حطَّهُ السيلُ من عَلِ
و دعم منشوره بالتخدير ( اسم واحد أجنبي ) فانهالت التعليقات المشيدة دون وعي و لا تفكير .. و لا يعلم كاتب المنشور ( أو يعلم ) و لا يعلم قراؤه ( لا يعلمون ) أن الزعم بوجود إعجاز علمي في الشعر الجاهلي هدفه الاستهانة بهذه الظاهرة في القرآن الكريم .. ليستنتج العقل أن العرب كانوا أذكياﺀ يقولون كلاما نستطيع استنتاج حقائق علمية منه . قال لي أحد هؤلاﺀ ( الأذكياﺀ ) إن قول امرئ القيس :
…..
كجُلمودِ صخرٍ حطَّهُ السيلُ من عَلِ
هو تنبؤ بحقيقة الجاذبية الأرضية قبل أن يكتشفها إسحاق نيوتن بألف عام !!!
و هكذا بإمكانك ألا تصبح كاتبا في غفلة من الزمن .. بل تستطيع أن تكون ( رئيس ) تحرير موقع إلكتروني : توافق على هذا المنشور و ترفض ذاك .. و لا تعلم أن ماتكتبه أنت كان لن يجد فرصة للنشر في أي جريدة و لا مجلة قبل عصر النتّ .. فالذي كان يختاره سكرتير التحرير لنشره تشجيعا أرقى مما تكتب لخلوه من الأخطاﺀ النحوية و الصرفية و الإملائية على الأقل ..
فيا لعصر عشنا و شفنا فيه
– مؤرخين لا تاريخ لهم
– شعراﺀ دون شعر
– كتّابا لا يعرفون أصول الكتابة
– أدباﺀ بلا أدب …
– موهومين لم يبق إلا أن يقولوا : نحن في حلب أول من اخترق الفضاﺀ و نزل على القمر قبل العصر الديناصوري الغابر دون غبار
و في حلب .. حلب الفارابي و المعري و ابن العديم و ابن يعيش و البحتري و أبي فراس و أبي ريشة ..
حلب الأسدي و راغب الطبّاخ و مصطفى الزرقا و فاخر عاقل و عبد الله يوركي حلاق و محمد قجة و محمد كمال و عبد الفتاح قلعجي و صبري المدلل و صباح فخري .. حلب العريقة الرصينة الأمينة على الكلمة المحروسة بالعناية ..
في حلب هذه لن تموت الثقافة و إن طغى ركام التعالم و التعاظم و كل ما نراه من سخافة
ه••••ه
ولد المتنبي في الكوفة و عاش رحالة لا يستقر به مقام .. عاش في معظم المدن الشامية و في العراق و في بلاد فارس و في مصر و في البوادي
و لكنه رد على البساتين التي ترحب به :
كلّما رحّبت بنا الروضُ قلنا :
حلبٌ قصدُنا و أنتِ السبيلُ
فكل رياض الدنيا عنده طريق إلى حلب .
حلب : 2022/1/19م
Discussion about this post