Views: 30
…”أسرلة” “طيالسة”العرب في ظلمة الجيب الخلفي ل…!!!؟.
***********
قراءة ل ” الدواة وطيلسانها ” / للشاعرة وجدان خضور من فلسطين
بقلم / سي مختار حمري المملكة المغربية
سانشر النص تليه القراءة
*********
الدواةُ وطيلسانها
…………………..
عندما تنفلتُ الأعطارُ من خِدرِ الوجدِ زهرا.. يطرزُ الدربَ كصبحٕ يلبسُ طيلسانَ السديم..
او كورَعِ لحظٕ.. تنهمرُ مدامعُهُ من دخانِ قلبٕ اخضلَّ بالبوحِ والحنينِ ..
اتحسّسُ طريقي بأبِنوسةِ اللغةِ معتصمةً بفواحِ الضوءِ…
أجرُّ تلاليبَ الوقتِ بأماسي الصيفِ … وألملمُ رعشاتِ ليلِ الشتاءِ الطويلِ بمسكِ البيانِ ..
انتبذُ معمعةَ المشهدِ.. وأجلسُ تحتَ شجرِ الصمتِ المسجورِ… بحفيفِ الهوى ..
وحيدةََ إلا منكَ أنتَ، الكواكبُ ترتدي حَواسَّها.. وتراقبُ ما ينبجسُ من قواريرِ المشاعرِ المسكونةِ بأطيافِك…
أنغمسُ في ديمةِ الغيابِ… أمشطُ رفيفَ انكساري ..بدواةِِ تلونُ شفاهَ النطقِ كعروسِ الرنينِ ..
انكفئُ على كتفِ الليلِ بعد أن أفرغَ من احتساءِ عصائرِ الوجومِ !
يهزونَ اوتارَ كمانِ التوقِ لجمهورٍِ صفقَ طويلاً لبحةِ صوتي… متغاضياً نزفي عندَ رحيلِكَ المكتظِّ بوشوشاتِ الحزنِ..
أتهادى .. بين يدي الراعي ..في عزفٍه لحنِِ .. نكّأَ جراحَه نشيجُ بكائه.. المنساب من ثقوبِ المونامور ..
لا ملجأ اليومَ منكَ إلا اليك في موتي…
فأنتَ ترافقني كبحرِ حَرون؟…
على متنهِ أوديسيوس يعتمرُ الأملَ ..وحنينهُ لوطنهِ يعصفُ في جميعِ الاتجاهاتِ ..
منيرفا تحفزهُ ..
البدارَ البدار ..
اتعثرُ في مرافئِ النهايةِ محتشدةً بالنّداءِ المَهيبِ وبطيورِ غبارِِ ..
رفيفُها ناهزَ أنينَ راقصٍ تحتَ التّويجِ ..
أيها البالُ أحضرْ لي فنجاناً وأبجديةََ خضراءَ ..
أوّاهُ يا خافقي هاتِ ترياقا وموسيقا ودعني في حضنِ الرباب …
فقد انهكني شرابُ المنافي والسُّهادِ ،..
أيها النبضُ من أطفأ الوجودَ بغتةً بوعودِِ وشجرةِ خلدِِ ..
ايها العابرونٓ لا تقتربوا من ضلعِ سيرتهِ أكثرَ مني .. فأنا من ماءِِ وهو من تراب ..
والحزنُ يقيمُ في قلبي كرْنَفالا… بضاعتُهُ تجارةُُ ،..
توتةُ الدّارِ .. عالقةُُ في تلابيبِ حنيني …
تسألُ الأرضَ من سلمَ الشياطينَ صولجانا ؟
كيفَ يرسمونَ الهواء جيشاً عرما!! ..
ويجعلونا نؤمنُ
بأنَّ للوحةِ العطرِ عبقاََ شهيّاََ؟
كيف يصبح نواحُ اليمام زغردةََ..
فهل يا أبي أنهي لوحتي الاخيرةَ بجنازةِ غصنٍ وقصيدةِِ ؟
يا أبي:- يلتفُ حولي هذا التفرقُ كأفعى خطيرةِِ،..
سأرجعُ بعدَ الهزيعِ فلا تُسدلِ الستائرَ على شهيّاتِ الحلمِ الأسير ..
وجدان خضور
2022/1/16
******************
القراءة :
مقدمة :
توظيف الاسطو رة ، الرمز ، التراث في قصيدة النثر الحداثية
–يقوم الشعراء العرب الحداثيون بتوظيف الاسطورة في بناء قصائدهم لانها تغني وتضيف قيما جمالية وتجود بفيض دلالي وزخم معرفي ،فتوظيفها من جهة يرنو اعادة استحضار للتاريخ من منظور الواقع ، لمعالجته استعانة باحدات تاريخية بأسلوب فني جمالي إيحاءي ومن جهة اخرى ايصال مضمون الرسالة في غفلة من سيوف الرقابة المسلطة على اعناق المبدعين
— قصيدة النثر الحداثية تتوخى الاقتصاد في اللغة تماشيات مع روح العصر لهذا تتم الاستعانة بالرموز ذات الشحنة الإيحائية الواسعة لتقليص حجم النص و تكثيف المعاني والدلالات والرمز مرتبط ارتباطا وثيقا بالتجربة الذاتية والشعورية للشاعر ورؤيته للعالم
— توظيف الشاعر للتراث الديني والثقافي عامة يضفي على المنجز الابداعي عراقة واصالة ويمثل نوعا من المزج بين الماضي والحاضر ويمنح الرؤية الشاعرية عمقا وشمولية..
الشاعرة في بناءها للنص الذي نحن بصدد قراءته توسلت كل الإمكانيات الفنية الجمالية واسوق بعض الامثلة على ذلك :
استعملت الأسطورة باعتماد الأوديسة لهوميروس والرموز كالدواة والطيلسان وغيرها والثرات الموسيقي الغنائي العالمي باستعانتها بالإشارة الى مونامور وأغنية ابو عرب من “التراث الغنائي الفلسطيني المناضل ” كما استعانت بالثرات الديني في شجرة الخلود التي كانت سببا في خروج ادم وحواء من الجنة …
عتبة النص : ” الدواة وطيلسانها ”
—-التركيب اللغوي : هناك مركبان الأول اسم معرف معلوم الدواة والثاني اضافي طيلسانها (مضاف ومضاف اليه ) وهو ينتسب ومسند الى الدواة ..
— الدواة : المحبرة ، وعاء أو قنينة صغيرة بها حبر و”ليقة” أو اسفنج (أو صوف الدواة ) ليمنع اغراق الأقلام بالمداد ، كانت تصنع قديما من قرون الحيوانات وهي مخصصة للكتابة بواسطة الريشة أو أقلام القصب (حاليا نستعمل غالبا أقلام الحبر الجاف) ….
— الطيلسان : جمع طيالس ، طيالسة /ضرب من الأوشحة يوضع على الرأس والكتفين خال من التفصيل أو الخياطة / شال ، وشاح ،كساء أخضر ، يضعه بعض العلماء والمشايخ المسلمين على الرأس والكتفين ..
يسمى طالّيت أو طيلسان (بالعبرية) وهو شال الصلاة أحد ثياب الطقوس الدينية اليهودية يرتديه اليهود الأورتدوكس أو الحريديم في حياتهم اليومية كلها ، لونه أبيض مخطط بالأسود ويوضع على الرأس والكتفين
— معجميا : تنتمي ألفاظ العنوان إلى المعجم الديني ،السياسي والإجتماعي لإرتباطها بالمشايخ والصلاة وإلى معجم أدوات الكتابة و الرسم وفن الخط
— دلاليا :
– الدواة : كان مكتوب على دواة السلطان المريني أبو عنان الفارسي (بالمغرب )
أنا دواة فارس أبي عنان المعتمد
حلّفْتُ من يكتب بي بالواحد الفرد الصمد أن لا يَمُدّ مَدّةََ في قطْع رزق أحد
الدواة قد ترمز إلى سلطة الحكام الذين يتخدون قرارات قد تقطع بسببها الأرزاق أوتطير لها “الرؤوس عن الأعناق ” ، لها بالغ التاثير على مصائر الشعوب ، الدواة كانت حاضرة في عُدّة كل الكتاب والرسامين والخطاطين و في دواوين الملوك والرؤساء ورجال السياسة والتوثيق والإعلام… عوضت حاليا بوسائل تكنولوجية متطورة وفي الحد الأدنى بأقلام الحبر الجاف ، من حبرها تصدر كل الأوامر و كل كلام مكتوب سواء للإخبار أو للتنفيد او لجبيي الضرائب واصدار الأحكام … ، مقرونة دوما بتدبير وإدارة الشؤون العامة تدير أقلامها العطايا والمنايا والحرب والسلم ..وكل شادة وفادة ، ترسم الخرائط والحدود ، أصل كل البلايا أو كل الخيرات….
-الطيلسان : يرمز إلى الشخصيات النافذة من علماء الدين ممن على كاهلهم تبرير سلطة ولي الأمر ومشايخ الفكر والمال والجاه والسلطة والقبيلة والعشيرة والطائفة … لهم “الكلمة” والحظوة عند شريحة من العامة منها يستمدون نفوذهم ، غالبا يكونون من اركان السلطة يضاف الى هذا أباطرة الإعلام و”الأولغارشية” ( من اصحاب المال والسلطة ) والذي يتميز به افراد الأسر الحاكمة ومن ولاهم في عالمنا العربي ، مواقفهم لا تراعي المصلحة العامة او العدل والمساواة بل همهم خدمة رجالات السلطة والسياسية لهم على حساب استغلال الشعوب هذا عند المسلمين ….اما عند اليهود فلا يختلف الأمر كثيرا فالذي يملي القرارات على السلطة المحتلة الحاكمة ، إقليميا و”عالميا على مايبدو” هم “الطيالسة” النافذين ماليا وسياسيا المتديينن المتشددين والمتطرفين وخاصة فيما هو موجه لتهويد و”أسرلة ” العرب وتركيعهم واستغلال غبائهم ، قد تختلف المشاهد والرؤى لكن هناك تشابه كبير في الوظيفة ..
نستخلص أن العنوان في إحدى دلالاته وحسب تأويلنا المتواضع يريد أن يقول أن ماتعيشه الشعوب العربية من ويلات وانقسام مرده أساسا الى “الطيالسة” مشايخها وعلماءها و تسلط المحتل الغاشم “ربيب” الإمبريالية العالمية على المنطقة لكشط خيراتها واذلال مواطينها وأن كل مايكتب وله قيمة وتأثيرا على السياسة مصدره الطيالسة ، من العرب و المحتلين والإمبريالية العالمية
نتساءل عن صدى العنوان داخل النص ؟؟ ماذا يثبت ما وصلنا إليه افتراضيا ؟؟ كيف يمكن مواجهة الموقف ؟؟ ما هي الرؤية الواردة في النص ؟؟ كيف الخروج من الصيغة العربية المغلقة ومن عقول النقل والحرف ؟؟؟
النص :
عندما تنفلث الأعطار من خدر الوجد زهرا ..
يطرز الدرب كصبح يلبس طيلسان السديم
أو كورع لحظ تنهمر مدامعه من قلب دخان اخضلّ بالبوح والحنين
اتحسس طريقي بأبنوسة اللغة معتصمة بقوام الضوء
أجر تلابيب الوقت بأماسي الصيف
وألملم رعشات ليل الشتاء الطويل بمسك البيان
انتبذ معمعة المشهد وأجلس تحت شجر الصمت المسجور
حفيف الهوى
وحيدة الا منك أنت ، الكواكب ترتدي حواسها
وتراقب ما ينبجس من قوارير المشاعر المسكونة بأطيافك
انغمس في ديمة الغياب
أمشط رفيف انكساري
عندما تنبجس وتنبعث الأسرار من مكامنها حيث مد له الستر في أعماق القلب والروح تصعد إلى السطح لتشغل الفضاء كالعطور معبرة بلغة الأزهار ، لغة قلبية صامتة مرفوقة بالحنين والشغف والحب والحزن والتفكير المستديم في الحبيب وعدم القدرة على نسيانه
عندها الكلام الصادر يجعل الرؤية والطريق إلى تحقيقها موشى ، مزخرف ومزين كصبح مشرق يلبس طيلسان السديم وشاح تكاثف وتجمع لنجوم في الأعالي وشاح سماوي خارج قوانين الأرضيين ، سيحمل العدل والإنصاف والفكر المنير (وهنا يتجلى بعض من صدى العنوان )
كالورع ( من التقوى ) البعيد كل البعد عن الشبهات او التآمر او الخداع او الخيانة تنهمر دموعه من ألم ووجع في قلبه المحترق بالحنين والبوح .. تتلمس الشاعرة الطريق الى اللغة المعبرة بواسطة الأبنوسة وهي شجرة يستخرج منها الخشب الأسود الذي تصنع منه التحف والآلات الموسيقية ،ستكون لغة أبنوسية راقية المقام ويحضرني هنا الكاتب الكبير حنا مينة في مجموعته القصصية “ابنوسة بيضاء” التي كانت أول كتاباته وهذا يوحي بأن الأبنوسة تعني البداية والطريق عند الشاعرة إلى لغة توصل الرسالة وتتواصل فكريا مع القراء ..
تجر الوقت من نحره من طوقه عندما يسود بعض الهدوء والدفء بأمسيات الصيف وانصياعه يكون مناسبا لحصد الدعم ومراكمة الخير والإنتصار
لكن في ليالي الشتاء الطويلة حيت الصقيع والظروف الصعبة والمعيشة المريرة والظلم والوجع والألم فالشاعرة تلود بما تملك من فصاحة وحجة ودليل وتوضيح لتمرير الأيام ا في انتظار انبجاس ضوء الأمل ..تعتزل ما يجول في المشهد الذي يغلي وتجلس تحت شجر الصمت المسجور تتقوقع في صَدَفة الصمت المحبوس والمحاصر لكن الممتلىء والموقد في العمق بحثا عن الهدوء والسكينة لتجاوز المحنة ، يقول تعالى في محكم آياته :{ الطور وكتاب مسطور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور } ( الطور : 1-5) في هذه الآيات يقسم الله تعالى ب “البحر المسجور” بمعنى البحر الموقد -الممتلىء -المحبوس
والصمت المسجور هنا يكون على تخوم ما تهواه النفس من الأماني والغايات والرغبات المقموعة التي تهمس في البواطن دون أن تظهر على السطح يكون على نار موقدة او بحر من الصهارة البركانية …
وحيدة في صمتها في عزلتها الا من الحبيب ( الوطن )الذي يسكن كل كيانها ماظهر منه وماخفي وفي حضرته تلبس كل الكواكب (كل البيئة المحيطة) حواسها لتحس بوجوده وطلته لتراقب ماينبعث من مشاعر تولدها أطيافه لتفتعل بالبواطن وتنكشف في البوح ولكن لصعوبة الوضع ومرارته تنغمس الذات الشاعرة في فضاءات الغياب والغربة والتي سارت ممارسة لا فكاك منها في محاولة للتقليل من مفعول ما يصدر من مرايا الإنكسار والإحباط والتشظي وذلك باستعمال الدواة مصدر الحبر والحروف لتزين نطق الشفاه عند البوح كعروس الرنين عروس الخير والمستقبل الزاهر والخصوبة والتلاقح الفكري والإحيائي ( البيولوجي ) ونسجل هنا ثاني صدى للعنوان في الدواة التي جاءت هنا لتزين بحبرها ما ستنطق به الشفاه ….
انكفىء على كتف الليل بعد أن أفرغ من احتساء عصائر الوجوم
يهزون أوتار كمان التوق لجمهور صفق طويلا لبحة صوتي
متغاضيا نزفي عند رحيلك المكتظ بوشوشات الحزن
اتهادى .. بين يدي الراعي .. في غرفة لحن .. نكأ جراحه نشيج بكائه ..
المنساب من ثقوب المونامور
لا ملجأ اليوم منك الا إليك في موتي
فأنت ترافقني كبحر حرون ؟
على متنه اديسيوس يعتمر الأمل .. وحنينه لوطنه يعصف في جميع الإتجاهات
منيرفا تحفزه
البدار البدار
اتعثر في مرافىء النهاية محتشدة بالنداء المهيب وبطيور الغبار
رفيقها ناهز انين راقص تحت التويج
ايها البال احضر لي فنجانا وابجدية خضراء
في أوج الشعور بالغربة تتكىء الذات الشاعرة على الليل رمز الماضي بكل مايحمل من نوستالجيا (حنين ) الى ما كان عليه التاريخ التليد لوطنها من اشراقة هذا يحصل بعد أن تفرغ من شرب واحتساء ماتقدمه لها حياتها الحاضرة من قلق وحزن مقرون بالصمت والسكوت على الظلم والألم والوجع الذي يعزف على أوتار كمان الشجى والحنين والشوق في إنتظار الجمهور الذي كان يتفاعل مصفقا لما يصدر عنها من بوح وحروف ، جمهور غير آبه بما تقاسيه من نزيف بعلة رحيل الحبيب (الوطن )الذي يملأ كل جوارحها ومشاعرها بشكل مكتظ بهمسات الحزن ..
تتمايل الشاعرة ترنحا بين أيدي المسؤولين الذين يعزفون لحنا قوامه نشيج البكاء والحزن العميق الذي ينكا الجراح وينساب مفعوله مذكرا بخلفية مقطوعة المونامور الموسيقة التي الفها الموسيقي العبقري الإسباني “دواكين رودريغو “1939 بباريس حول فيها آهاته وأوجاعه وألمه الى سيمفونية خالدة تعبر عن ما تعرض له في حياته من حزن وقلق ومتاعب .. ترى الشاعرة أنه لم يعد لها ملجأ الا الحبيب (الوطن ) وهي مستعدة للموت في سبيله فهو يرافقها كبحر جامح لا يقبل الإنصياع أو الإنقياد يقض الحنين مضجعها في اليقظة والمنام في الواقع والخيال ، فهو بحر وعلى متنه يبحر الأمل .. ولتعبر الشاعرة عن عمق الواقع ومايعتمل في مشاعرها وظفت الأسطورة والميتولوجيا اليونانية في رؤية شاعرية راقية تعبيرا عن تيمة العودة (عودة اللاجئين ) منتصرين ، في تناص مع الأوديسة التي الفها هوميروس الشاعر اليوناني الضرير ، اوديسيوس المذكور بطل الاوديسة هو ملك ايتاكا الأسطوري صاحب الفكرة الذكية المتمثلة في “حصان طروادة ” التي كانت سببا في انهزام الطرواديين بعد حصار دام 10 سنوات وكان بذلك بطل الإنتصار وفي طريق عودته الى موطنه ( مملكته) حيث ترك زوجته وابنه الصغير عرضة لأطماع الممالك الأخرى في الإستيلاء عليها وأخذ زوجته خليلة لأحدهم ظانيين منهم أن أوديسيوس لن يعود ابدا وفي طريق عودته تعرض لأهوال جمة من عواصف وأمواج عاتية وكان وراء ذلك غضب الإله بوسيدون ( اله البحر ) وتعاطفت مع حالته مينرفا ( مايقابل عشتار أو اثينا ) فهبت لإنقاذه وتمكينه من التغلب على المصاعب ليعود لوطنه “بأشق الأنفس” عودة المنتصر ولو بعد 10 سنوات أخرى (كما جاء في الاوديسة) وتوظيف الاسطورا بنائيا هنا يتمحور الغرض منه حول عودة اللاجئين (الفلسطينيين )الى ديارهم ووطنهم فأوديسيوس يرمز الى اللاجىء الفلسطيني الذي سيعود منتصرا ولو بعد ردح من الزمن وبوسيدون يمثل القوى المعارضة للعودة من محتل ومن يقف الى جانبه من القوى الامبريالية او عربان الخذلان ومنيرفا ترمز الى المقاومة الفلسطينية بكل مفرداتها والى المخلصين من العرب ومن شرفاء العالم الحكماء العقلاء .. ترى الشاعرة أن طريق العودة بحرا متلاطم الأمواج “متاهة مكانية وجودية” تحتاج الى بطولة المنتصر الذي يعرف كيف يواجه الحروب بالمكر والخديعة لينتصر يسنده ذكائه الخارق الأسطوري و بطولته بمساعدة الشرفاء المخلصين ، مؤمنا بالوعد الالهي…وتدعو الشاعر الى الاسراع والمبادرة في نصرة المظلوم “البدار البدار” ..
البدار البدار قبل الفوات انما انت عرضة الآفات (ابن الجوزي كتاب صيد الخاطر)
لكن هناك تعثر في مرافىء النهاية في تحديد الغايات في التفاصيل في توجيه البوصلة … ترفع صوتها بالنداء المهيب المنذر”بالويل والثبور وعظائم الامور ” داعية لاتباع سبل العودة والتحرر ونبذ التشظي والتشردم وافكار الغبار التي في مهب الريح ، افكار صادرة عن من ضرب بعرض الحائط بكل الاعراف والقيم المجتمعية وتحول الى راقص تحت امرة التويج في اشارة لمن يأتمر بأمرة توابع العدو من اصحاب التاج .. وتسال عقلها ان يسعفها ويحضر لها مابه تستطيع قراءة المستقبل في رؤيا بواسطة ابجدية خضراء رمز الحب والسلام والنماء والخصوبة ….
اواه ياخافقي هات ترياقا وموسيقا ودعني في حضن الرباب
فقد أنهكني شراب المنافي والسهاد
أيها النبض من أطفا الوجود بغتة بوعود وشجرة خلود
ايها العابرون لا تقتربوا من ضلع سيرته أكثر مني .. فانا من ماء وهو من تراب
والحزن يقيم في قلبي كرنفالا … بضاعته تجارة
توتة الدار .. عالقة في تلابيب حنيني
تسال الارض من سلم الشياطين صولجانا
كيف يرسمون الهواء جيشا عرما
ويجعلونا نؤمن
بان للوحة العطر عبقا شهيا
كيف يصبح نواح اليمام زغردة
فهل يا ابي يلتف حولي هذا التفرق كافعى خطيرة
سارجع بعد الهزيع فلا تسدل الستائر على شهيات الحلم الاسير
تقول الشاعرة متأوهة ، ياقلبي ويا ما يرسم لي في افقي من مستقبل .. ، إنني في حاجة لترياق وموسيقا تدعم مناعتي ، ان ابقى لبعض الوقت في حضن الرباب فقد انهكت بالمنافي والبعاد عن الحبيب ( الوطن ) وارهقني الأرق وأحتاج لبعض الراحة والهدوء والسلام والأمان وتسال النبض والفكر عن من اطفا الوجود بغتة ؟؟ وعرّض الكينونة زمانيا ومكانيا للتشوه وجعل الوجود يغيب وينطفىء “بوعود وشجرة خلود” بامتهان الكذب والتسويف في اشارة الى شجرة الخلد التي اكل منها ادم وحواء بغواية من الشيطان الذي اقنعهما ان فيها خاصيتي الخلود والملك ، العيش في أمن من الفقر والموت ، واكلا منها غير ابهين بما نهاهما الله عنه.. وجاء في قوله تعالى :{ وقلنا يا ادم اسكن انت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين } ( البقرة : 35 )
{فوسوس اليه الشيطان قال ياادم هل ادلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فاكلا منها فبدت لهما سواتهما وطفق يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى ادم ربه فغوى } ( طه: 120 )
ايها العابرون المارون مرور السحاب لا تشوهوا باحذيتكم تاريخ وهوية وطني فهو من تراب والشاعرة من ماء ما سيجعل امكانية الخصوبة والنضج والنماء ممكنة لتنبعث سيرته ويعود التاريخ الى مساره من الانحراف الذي لحق به ، وعدم تحيق هذا عاجلا يجعل الحزن يقيم استعراضات واحتفالات في قلب الشاعرة بضاعته تجارة في اشارة لمن يتاجرون بقلوب ومصالح الناس البسطاء المحبين للسلام والامن والإطمئنان الساعين الى لقمة العيش ..
تقول الشاعرة “توتة الدار .. عالقة في تلابيب حنيني ” في استرجاع لزمن مضى بواسطة الذاكرة التي تحافظ على صور منقوشة موشومة وقد نطلق عليها “الذاكرة الموشومة ” (وهي تجعلن استحضر اول رواية كتبها المفكر المغربي عبد الكبير الخطيبي) ، هذه الذاكرة القوية عند الشاعرة تجعلنا نعتقد ان هناك مخزونا من الصور متراكم في ذاكرتها من قبل ان تحتل الارض عالقة في عنق وطوق الشوق والحنين للعودة للتملي بطلعة هذه الصور…مباشرة تطالعنا (اغنية ابو عرب ) وهي من اروع الاغاني الفلسطينية الثراتية التي تتقاطع في مكان ما مع ما ذهبت له الشاعرة بتوظيف الاوديسة والاغنية عنوانها ” هدي يابحر هدي طولنا في غيبتنا ” وهي تسترجع الزمان عبر الذاكرة وتستعجل العوذة الى ارض الوطن بكلمات موثرة وعميقة للغاية
نلاحظ ان تيمة عودة اللاجئين الى وطنهم ارض فلسطين تطغى بشكل كبير على فكر وقلب ومشاعر الشاعرة ما جعلها تتناول التيمة من عدة جوانب
وتعود لتطرح السؤال باسم الارض عن من سلم شياطين ( المحتل ) الصولجان ، العصا التي مكنتهم من حكم البلاد وطرد العباد الاصليين من بيوتهم وسيطرتهم على الارض وتجيبش الفضاء( الهواء) ويريدون من الجميع ان يبدي اعجابه بصنيعهم وان ينظر الى المشهد كانه لوحة عطر عبق شهي وتتسال الشاعرة كيف نقبل ان يتحول نواح اليمام رمز السلام والحب والامان الى زغاريد تعبر عن الفرح كيف يقبل ان تصبح الاوجاع والاحزان فرحا دون ان يغيب عن ذهنها الفرقة والتصدع والتشردم بين أبناء الوطن والتي تمثل افعى خطيرة تلتف حولها .. وفي القفلة تعود الشاعرة للمرة و”احد بعد الالف” الى تيمة العودة هاجسها الذي يشغل كل جوارحها لتقول ياابتي وكانها طفلة صغيرة تائهة في فضاء الحلم والخيال او في متاهة المكان ، لا تسدل الستار على شهيات الأحلام فإنني ساعود حتما حتى وان تاخر بي الزمناو الوقت الى الهزيع ،حتى وان اظلمت طريق العودة فالحلم والامل والاماني ستكون قنديلا ينير لي طريق العودة …
الخاتمة:
” حب الوطن من الايمان” والعودة اليه عنوان الوجود والكينونة يختلط الروحي بالارضي في بوتقة الذات ما يشكل هاجس قلق وجودي متغلغلا في اعماق المشاعر الواعية واللاواعية في بواطن الذات الشاعرة جعل النص يصدح صارخا متوسلا كل الإمكانيات التعبيرية المتاحة من اسطورة ورموز وثرات ثقافي وديني ولغة ومجاز …ليعكس مدى وجع وحنين مواطن هجر قسرا بعملية قيصرية و فطام عن ام مرضعة هي ارض وطنه واباءه واجداده فبقيت صورته محنطة في زمن الطفولة في لحظة او لحظات واضحة وضوح الشمس تحولت الى الشعور بتمزق وتشرد وتشظي …
نص قوي جدا يصعب احتواؤه بقراءة واحدة لما يزخر به من دروب تفضي الى مسارات متشعبة ومتعددة الوجهات في تناص يجعل من النسيج النصي وشاحا مسكونا بمتاهة وجودية زمكانية مرآوية تتوخى بكل الوسائل اعادة ضبط البوصلة.. النص جاء بلغة خاصة تتميز بسحر العبارة وكثافة المجازات يكتنفه بعض الغموض الذي اعطى للنص جمالية وجعله منفتحا على تعدد القراءات ….
كانت القراءة ممتعة مثقفة اتمنى ان اكون قد كشفت بعض الدرر التي يخفيها النص في ثناياه
بالتوفيق والنجاح الدائم شاعرتنا الموهوبة المتالقة …
مودتي
Discussion about this post