Views: 9
(محمد المغربي) شيخٌ ثمانينيٌّ فقيرٌ متحدِّرٌ من (كَفر شوبا) كان يبسِّط بكتبه المستعملة على
الأرض تحت أحد الجسور في بيروت، وكان يرفض أن يمدَّ يده لأحدٍ، بل كان يرفض تسعير
الكتب التي يعرضها ويقول: “أنا لا يهمُّني المالُ فمن يطلبْ كتابًا ولا يحملُ نقودًا أقدِّمْه إليه بكلِّ
سرور، ما يهمُّني ألَّا تندثرَ القراءةُ، وألَّا ينقطعَ حبلُ الثَّقافة”… منذ يوميْن أقدمتْ بعضُ الأيادي
الآثمة على إحراق مكتبتهِ، فكانتْ هذه الأبيات:
شَـلَّـت يَـداكَ أيــا مَــن أحــرقَ الكُـتُـبــا؟ هلْ جُـنَّ عقـلُـكَ إذْ ألْـقـمْتَها الـلَّـهَـبا؟
أمْ أنـتَ أحـمَـقُ لا تـدري بـما اقـترفـتْ يَـداكَ يا جـاهلًا أخـزى بـما ارتكَـبا
مـا أنـــتَ مـالِـكُـهـا حـتَّـى تُـحَــرِّقَــهــا فـأيُّ شيْـطانِ سوءٍ فـيـكَ قـد وَثَـبـا؟
لـوْ كـان عـندكَ إحـساسٌ ومَــرحَــمَــةٌ لَـما سكبْت عـليْها الـزَّيْـتَ والحطَبا
ماذا جـنـيْـتَ من الـفِـعـلِ الـشَّـنـيـعِ وما جنيْتَ مِن طعن قلْبِ الشَّيْخِ واعجَبا!
قـد كـان يَـجـمَـعُـهـا مِـن كَـدِّ خــافــقِــهِ في فاقةٍ ذاق فيها الـوَهْـنَ والـنَّصَبا
درَّتْ عـلـيْـه كــفــافًـا فـي مُـكـــابَــــدةٍ وقـد عـتـا دَهـرُهُ فـاستجـمعَ الـنُّـوَبا
وكــان يَـــبْـــذلُـهـا حــبًّـا لِــطــالِــبـهــا وينهَـلُ العِـلْـمَ منها طابَ مُـرتغَـبا
كـانـــت تُـنــادِمُـه فــي وقــتِ خـلْـوَتـهِ فـيـها الـسُّـلُـوُّ وفيها الأنسُ مُنسكِـبا
والكـتْـبُ أثـمَــنُ شـيْءٍ كـان يَـجـمَـعُـه مذْ شبَّ، لا يَجمَع الأموالَ والذَّهَـبا
يَـرى بـهـا الـكـنــزَ مـا سـاواه مُـدَّخَــرٌ يَجني بها الـفِـكْـرَ والـتَّاريخَ والأدَبا
يَـشُـمُّ فـيـهـا عـبـيـرَ الـزَّهـرِ مُـنـتـشِـرًا في روْضةٍ تستَـبي زوَّارَها الـنُّجَـبـا
يَحـوم كالـنَّـحـلِ يَـمـتـارُ الـرَّحـيـقَ بها فـلا تـضِـنُّ بـشــهْــدٍ لـلَّــذي رغِــبـا
وتُـمْـتِـع الـنَّـفــسَ بــالآراء تَـسـكُـبُـهـا كـأنَّـما يَـمـتـطي في حَـرفِـها الـسُّحُبا
تُهـدي إلى العـقـلِ مِـصباحًا يُـنـيـرُ به فـيُـبـدِع الوَمْـضَ والأشعـارَ والخُطَبا
وترفع الحُجْـبَ عن قـلـبٍ وعن بصَرٍ ما أتعسَ الـقلْـبَ إنْ عن نُسغِها حُجِبا!
ما كان من صاحبٍ مِثل الكتابِ يُـرى يُـفـنِّـدُ الجـهْـلَ والـتَّـزيـيـفَ والكَـذِبـا
فهلْ غدَتْ هجـمةُ الإرهـاب تلـفـحـنـا في الكتْبِ كيْ تُطفئَ الأنوارَ والشُّهُبا
يـا أمَّـةً ضحِـكَـتْ مِـن جَـهْـلِـهـا أمَـمٌ تُـحـاربُ العِـلْـمَ والـتَّـعـلـيـمَ والكُـتُـبـا
هلَّا ارعَوَيْتُمْ عن الحُمْقِ الَّذي قبُحَتْ آثــارُهُ فــأثـارَ الـسُّـخـطَ والغـضـبـا؟
وخلَّف الآهَ في الشَّيْخِ الضَّعيفِ وقـد كـانـتْ لـه في دُنـاه الأهْـلَ والـنَّـسَـبا
يـا شـيْـخُ لا تَـبـتـئـسْ إنَّا لـفي زمَـنٍ جـمـيـعُ مـا فـيـهِ في أيَّـامِـنـا انـقـلَـبـا
محمد عصام علوش
24/1/ /2022م
Discussion about this post