Views: 39
#دراسة_نقدية_أعتز_بها_لبدر_الشعر_العربي
#الديوان_الجديد_عدد_٢٦
#شكرا_جزيلا_صديقي_النقادة_العالمي_الراسخ_ Amr Elzayat
العاطفة بين الأصالة والرمز والاستلهام
قراءة نقدية في ديوان – شدي القيد واختبري – لعصام بدر
بقلم سيد فاروق
*******************************
توطئة:
*****
تعد التجربة الشعرية في أساسها تجربة لغة في المقام الأول، فهي تعطي الشاعر مؤشرا دلاليا على خصوصياته ومواقفه وأفكاره، كما تضيء المساحة المظلمة من اللاشعور، ومنه تجسيد كل أنواع الدلالة فهي كذلك ” الوجود الشعري الذي يتحقق في الّلغة انفعالا وصوتا موسيقيا وفكرا” (1)؛
وفي ضوء هذا يؤكد رائدا سيمياء العواطف – أ. ج. غريماس وج. كورتيس – أهمية الّلغة في تشكيل العاطفة والتعبير عنها ” فالّلغة الطبيعية ما هي إلَّا شاهد على ما يحمله تاريخ ثقافة كعاطفة من بين كل التداخلات الصيغية الممكنة، وما يحّقق الوجود الخطابي للعواطف هو الاستعمال الجماعي أو الفردي لها “(2)؛
وتعد إنجازات كل من أ. ج. غريماس وج. كورتيس العلمية قائمة على الأبحاث السيميائية ذات التوجه الشكلاني، والتي اهتمت بصفة خاصة بشكل المعنى .
ومن هذا المنطلق فالّلغة هي صورة للوجود يجسد الثابت منها الألفاظ وأما المتحول منها فهي الدلالات، إذ تبني علاقات مألوفة أحيانا وغامضة في كثير منها، خاصة عندما يتعّلق الأمر بالّلغة الشعرية لكونها تنزاح عن الدلالة الّلغوية من وضعها القاعدي الاصطلاحي إلى حيز الغموض والتعقيد في بعض الأحيان؛ لأن الشعر قوة ثانية لّلغة وطاقة سحر وافتتان، وهو يقوم على تحويل المعنى الموصوف من معنى ” تصوري ” إلى معنى ” شعوري” (3).
من خلال تفحص المعجم الّلغوي لقصائد الديوان نجد أن العاطفة الأكثر هيمنة من حيث تواترها سواء مباشرة أو عن طريق التلميح إليها هي العاطفة التي تأخذ ملمح العزل شكلًا وليس مضمونًا، هي التواقة إلى عاطفة البوح بين الذات الأولى ” ذات الشاعر ” وبين الذات الثانية ” المرأة ” تحمل الذات الأولى شحنة انفعالية بصفتها ذاتا انفعلت وتفاعلت، تأثرت وأّثرت، مما جعلها تعطينا صورة واضحة عن أغوار نفسها، فغدت في بعض القصائد فرحة وسعيدة وديناميكية، وفي بعضها حزينة وقلقة منفعلة وهادئة، وقد يعود هذا إلى طبيعة النفس الإنسانية عندما تحمل على عاتقها سرًا من الأسرار لا يرتاح لها بالا إلا بعد أن تفشيه وتعلنه للطرف الآخر، وهو ما تمثله ذات المرأة، فقد اعتبرت الذات الأنثوية هذا البوح وسيلة للاعتراف بالحب بشكل مختلف يحقق لها كينونة الوجود وتضيف لعمرها أعمارًا .
هذه الذات الأنثوية المتلقية لقوله الشعري والذي اتخذها رمزًا ليمرَّر بعد المشاهد من خلالها، هي التي جعلت الشاعر يبحر داخل الحياة المطلقة اللامتناهية المنكشفة على ماوراء حالة الأشياء وحالة الروح الإنسانية ، فغدت ” طرفا في حوار، يبادلها الشاعر همه وأحزانه ويأسه، لأّنه في حاجة ماسة إلى الحنان الأنثوي كعامل من عوامل الخلاص من الفراغ والعدمية ” (4). بل يبادلها الشاعر كل حالاته الانفعالية .
ومن خلال مطالعة قصائد ديوان – – شدي القيد واختبري – للشاعر عصام بدر ستكون القراءة من خلال العناصر التالية :
1-قراءة في عتبات الديوان .
2- العاطفة وموسيقى الوجد :
3- استخدام المرأة رمز
4- التناص أو الاستلهام
ه- المستوى الجمالي .
1- قراءة في عتبات الديوان :
**********************
يعمل النقد الأدبي المعاصر في جميع الحالات على فك شفرات النص، عبر تأويله وربطه بسياقه وإبراز جمالياته وأسلوبه وتحليل التجربة الشعورية التي ينبع منها، وهو لا يكف عن اكتشاف الجديد على هذا الدرب، متجاوزا الانطباع إلى المنهج، والعفوية إلى التأصيل ، والرتابة إلى التجديد الدائم، والمسايرة إلى المغايرة، وهكذا يتجاوز الشرح إلى الإضافة، والإضاءة، حتى إنه يصنع أحيانا نصًا موازيًا يصارع المتن في العملية الإبداعية وأحيانا آخرى يتغلب عليه، غير أنه يجلي للكُتَّاب أنفسهم مساحات غامضة في نصوصهم، وقد يدهشهم بما لم يخطر لهم على بال، وفي كل الأحوال فهو يساعد من يريد تجويد إبداعه الأدبي على بلوغ هذه الغاية، فضلا عن أنه يعين القارئ على فهم أكثر عمقا واتساعا للنص، بدايةً من المعاليات النصية أو ما يُسمّى بعتبات النص باعتبارها مفتتح النصوص وأبواب الولوج إلي سبر أغوار النص الإبداعي ،لقد انقلب الهامش مركزيًّا ، وأصبحت هناك أسس نظريّة معرفية توجّه إنتاج النّصّ الحديثِ ، وتوجَّه الاهتمامُ النّقدي الحديث إلى الكشف عن الجزئيّات والتفاصيلِ المحيطة بالنّصّ – النّصّ الموازي – فدخل هذا النّوع من البحثِ في دائرة الضّوء ، وقد قارب الناقد المغربي دكتور محمد بنيس (الغلاف، الإهداء والعنوان)، في كتبه (الشعر العربي الحديث، بنياته وإبدالاتها التقليدية، الرومانسية، الشعر المعاصر)، وقد أثبت بنيس أن الشعرية اليونانية الأرسطية والشعرية العربية القديمة لم تهتما بالنص الموازي ” (5)؛
وهو ما نأخذه على محمد بنيس لأننا إذا تصفحنا كتب النقد العربي القديم في المشرق والمغرب، سنعثر على مصنفات اهتمت بالعتبات، ولا سيما عند الكتاب الذين عالجوا موضوع الكتابة والكتاب، كابن قتيبة في “أدب الكاتب” والجاحظ في “البيان والتبيين”، ابن عبد ربه في “العقد الفريد”، أبو هلال العسكري في كتاب “الصناعتين”، وأبو بكر الصولي في “أدب الكتاب”، هذا الأخير الذي ركز على العنونة وفضاء الكتابة وأدوات التحبير.
ولم تَعُد الهوامش و لا الأعراض و لا ما كان يُعدّ ثانويا في النّصّ الأدبيّ ، لم تعد كما كان يُنظرُ إليها بل أصبحت تُسْتَضافُ إلى مركز الاهتمام في لسانيات النّصّ في علم النقد المعاصر.
العنوان:
*****
سيتم دراسة العنوان بوصفه أقصى اقتصاد لغوي في النص الأدبي، وتثير لحظة تلقيه انفعالًا ما مع المضمون النصي، إذ تشكل تلك اللحظة إغواء للمتلقي بضرورة الولوج إلى داخل النص وكشف مدى ارتباط العنوان بمكوناته سواء أكان نثرا أو شعراً. فهو مهما تعددت تحديداته ” ضرورة كتابية ” (6)، أو (بؤرة النص) (7)، أو ” مفتاح دلالي ” (8)، أو ” لامة لسانية ” (9)، تختزن مكونات النص وتحرك المتلقي باتجاه تحفيزه في دخول تلك المكونات مع دلالاتها بوصفه ” بنية صغرى لا تعمل باستقلال تام عن البنية الكبرى التي تحتها، فالعنوان بهذه الكينونة – بنية افتقار يغتني بما يتصل به من قصة، رواية، قصيدة، ويؤلف معها وحدة سردية على المستوى الدلالي ” (10)، ويفترق عنها بوصفه ” مرسلة مستقلة مثلها مثل العمل الذي يعنونه ودون أدنى فارق بل ربما كان العنوان اشد شعرية وجمالية من عمله في بعض الإبداعات التي يتوقف اكتشاف المدخل النقدي إليها على بناء نصية العنوان أولا وقبل أي شيء آخر ” (11).
يطلق الشاعر عصام بدر عنوان لديوانه – شدي القيد واختبري – ليستحضر المتلقي أفق التوقع أن الخطاب الشعري ثنائي الأطراف بين أنا الشاعر وهي الحبيبة فيطلب منها أن تشدَّ القيد والشّد كما جاء في المعاجم العربية هو التضيّق، والأحاط، والإحكام، والضغط بقوّة وهو الوثاق والقيد أيضًا (12)، أما الاختبار فهو التجريب والامتحان أي أن الشاعر يطلب منها إحكام القيد – الربط والحبس والانقياد – واخضاعه للاختبار قد يتراءى للبعض أنَّ الشاعر يطلق هذا العنوان – شدي القيد واختبري – على سبيل السخرية إلا أنه استخدم الجملة الفعلية(13)؛ في أسلوب إنشائي غرضه التمني والالتماس والرجاء وكأن الشاعر يتلذذ بهذا القيد بل يطلب منها احكام القيد وتجربة الاحتمال؛
والشاعر هنا يصنع دائرة تثير في ذهن القارئ أسئلة عدة، فمن هي التي يطلب منها الشاعر أن تحكم القيد ؟ وما هو ذلك القيد المعني في الحملة ؟ وأي شيء سيقيد ؟ ، وكيفية الأختبار بعد القيد ؟ كل هذه التساؤلات لا يستطيع القارئ الإجابة عليها ما لم يقتحم أغوار النص، وهذا ما عمد إليه الشاعر في صنع الوظيفة الإغرائية كونها نوعًا من الإشهار للنص، ويبدو أن تجسيد هذه القصدية بإثارة الحدس والفضول هي التي جعلت الشاعر يقدم على اختيار عنوانه المثيرة – شدي القيد واختبري – ، وسواء أكانت القراءة توصيلية أو جمالية بين الإبلاغ والإمتاع، فإنها ستحاول الإجابة على الأسئلة المفترضة، فإن العنوان يبقى ذلك النص الملغز والمعزول قبل الدخول إلى المتن.
اللوحة التشكيلية:
***********
لم يعد الغلاف ضمن وظائف الإعداد الفني لدار النشر فقط، بل أصبح الكُتَّاب يشاركون في تصميم اللوحات التشكيلية لمنتجهم الإبداعي بإبداء الرأي والتعديل، حتى يتوافق مع المنتج الإبداعي في التعبير عن المضمون الذي يحتويه المُؤَلَّف، ولم يعد التشكيل البصري للوحة الغلاف ” حلية شكلية بقدر ما يدخل في تضاريس النص، بل أحيانًا يكون هو المؤشر الدال على الأبعاد الإيحائية للنص” (14)، فيقرأ كنص قبل قراءة النص الأصلي، وأحيانًا يكون فضاءً علاماتيًا ذا دلالات،” يحمل رؤية لغوية ودلالة بصرية، ومن ثم يتقاطع اللغوي المجازي مع البصري التشكيلي في تدبيج الغلاف، وتشكيله، وتبئيره، وتشفيره” (15)، ولأهمية الصورة عدها البعض” وسيطًا توصيليًا بين المبدع والجمهور” (16).
أما اللوحة التشكيلية لديوان – شدي القيد واختبري – فيظهر في الواجهة الأمامية أيقونة بصرية لصورة رجل من الخلف شمر عن ساعدية وكأنه آثر الترحال إلى فتاة تظهر في آخر الطريق تمسك في يدها شال تلوح به ومع أنَّ هذه الفتاة غير واضحة الملامح إلا أنها تظهر بمظهر الأنثى الفاتنة ذات الشعر الأسمر الناعم الطويل إلَّا أنَّ الطريق المؤدي إليها يتوسطه حمم من جمر مستعر والترحال في هذه الأجواء يوشي بدرجة عالية من الحبِّ الذي يصل حد الوله الأمر الذي جعل الشاب يهمُّ بالرحيل وسط أجواء صعبة وكأنه يتلذذ بعذاب الوصول إليها فقد قيدت قلبه فلا مهرب إلَّا إليها، ويؤيد هذه الحالة المنطقة الرمادية أو ما يعرف بمنطقة بين البين أو المنطقة الضبابية الموجودة أعلى اللوحة التشيكلية التي توشي بحالة الوجد المتعب الذي يعاني عدم الاستقرار والاضطراب النفسي، حيث يقبع في هذه المنطقة عنوان الديوان – شدي القيد واختبري – وعلى اليسار بجوار العنوان قلب مقيد بأغلال من حديد وكأنما سيق إلى السجن المؤبد، وهو يتماهى مع العنوان ويكشف النقاب عن بعض الإشكاليات التي أثارها العنوان فأضاء ما به من من عتماتٍ فتبين أنَّ تلك القيود هي قيود القلب المعذب والذي يتوافق فيه العنوان مع التشكيل البصري للغلاف الأمامي.
2- عاطفة الوجد والإيقاع المموسق :
عاطفة الوجد:
***********
إنَّ أهم ما يميز لغة الشاعر – عصام بدر – في تجربته الشعرية هي العاطفة الإنسانية الكامنة في الشعور والتواصل المشدود إلى النفس الإنسانية وخلجاتها واتحادها بروح الشاعر وما أوحاه إليها من عواطف نفسية قد اعتملت في نفسيته فاستودعها قصيدته او شعره فياتي الشعر نبضات قلب متدفق حيوية ويعبر عما في نفس الشاعر او ما يسمى بالشعر الوجداني؛ وفي هذا الإطار يقول الشاعر في أولى قصائدة ” لا تسألي قلبي السماحَ “:
قلبي على أملِ الوصولِ مسافرُ
رغمَ اصطراخِ الشوقِ يهمسُ صابرُ
ويراكِ تبتعدينَ كالأسفارِ بي
لكنَّهً فوقَ اليقينِ يكابرُ
رُحماكِ يا أختَ السرابِ إلى متي
يقتادني أملي وجرحي غائرُ
ماذا عليكِ إذا الصدودُ يرقُّ لي
لينامَ من بعدِ التسهُّدِ ساهرُ !
ماذا عليكِ وأنتِ كلُّ كريمةٍ
أن ترحمي من في جفائكِ حائرُ
وأقولُ يكفينا فيصرخُ بي اصطبرْ
هل فازَ بالرضوانِ إلَّا الصابرُ
أقسى من الجرحِ المؤججِ في دمي
أني على لومِ الحبيبةِ قادرُ
وأحرُّ من نارِ التألمِ أنَّني
بين التحرقِ والسماحِ أُحاصرُ
وظف الشاعر عصام بدر في معمارية القصيدة ألفاظاً مأنوسة تتسم بالبساطة والرشاقة والرقة، في لغةٍ حداثيةٍ وسطى، استغل فيها القيم الصوتية التي ساهمت في هذا البناء المتناغم؛ بوصفها بنية فنية مترعة بالإيحاءات والرؤى، فترى السفر على أمل اللقاء ، فيأكله الأمل ويستشعر عمق الجراح كونه أدرك أنها من نسل السراب ” يقتادني أملي وجرحي غائرُ ” ، وبين الابتعاد والمكابرة التي تعكس حالة نفسية تعاني الصدود والسهاد والنوم المسهر فضلًا عن أنه راح يمتاح معانيه وتراكيبه من الجو الصوفي الروحاني حين عبر عن جزاء الصابرين ” وأقولُ يكفينا فيصرخُ بي اصطبرْ … هل فازَ بالرضوانِ إلا الصابرُ ” بما يتصف به من توحد وذوبان الثقافة والمرجعيات الدينية حتى بات ينهل منها وهو في حالة اللا وعي بين أنين الهجر والتمني والأمل حتى وصل الجرح به مندلع ومتأجج في الدماء يكابد اللوم في حصار للوجدِ بين حمم الألم وطلب السماح .
لقد ازدادت رؤية الشاعر شفافية وصفاء وإنسانية عندما عبر عن تجربة وجدانية ذاتية يتدفق منها الصدق الصافي المفعم بحرارة التجربة وألقها، موشِّيًا إياها بلون من التعاطف الحميم مع مظاهر البعد ورجاء الوصل. إنه يفيض حبه الدافئ على كل مظاهر العاطفة الجياشة المنصهرة في الذات الشاعرة، في بساطة تصل بالمتلقي إلى حد التعاطف الحاني مع الشاعر.
والإيقاع المموسق:
*************
يصف بعض النقاد الإيقاع بالفاعلية لأنها هي ” التي تنقل إلى المتلقي ذو الحساسية المرهفة الشعور بوجود حركة داخلية ذات حيوية متنامية تمنح التتابع الحركي وحدة نغمية عميقة عن طريق إضفاء خصائص معينة على عناصر الحركية ” (17) ؛
وفي تقديري أنَّ وصف الإيقاع بالفاعلية يعني إبعاده عن الجمود و منحه صفة الدينامية الحركية التي تهبة الحيوية والنماء وتطرد عنه السكون والموت ُ
ينساب من القصيدة لحن عذب شجي يذكر بعودة الرومانسية الغنائية في الشعر العربي، إذ تتدفق الأبيات رقة وغنائية وعذوبة، مستثمرًا في تلك القيم النغمية المنبعثة من تفعيلة بحر الكامل الطويلة الغنية المموسقة عروضيًا؛
وكذا استثمر الشاعر بعض القيم النغمية من التكرار النغمي من حرف الروي ” الراء المرفوعة ” وهي قطب الراحى ومركز الدائرة لما يحيط بها من اللوازم الغنائية، والتي تكمن في إشباع حركة حرف الروي ” الراء ” بأحد حروف المد وهو ” الواو ” الناشئ من الضمة كما في نهاية الأبيات مثل: ” مسافرُ – صابرُ – يكابرُ – غائرُ – ساهرُ – حائرُ …..” فنلاحظ صوت الواو الذي يتردد في الخطاب الشعري بما يكتنز بداخله من إيحاءات نغمية واسعة، فضلًا عن استخدام الشاعر بعض الكلمات الموسيقية في القصيدة المنتهية بحرف الياء وكذا التنوين في نهاية الشطرات الأولى في صدر الأبيات مثل : ” كالأسفارِ بي – إلى متي – يرقُّ لي – وأنتِ كلُّ كريمةٍ – في دمي – أنَّني … ” مما أسهم في البوح والإفضاء بالمشاعر المستكنة في قاع النفس البشرية، وليس هذا في هذه القصيدة وحسب، بل إن المتتبع للمعجم الشعري لديوان عصام بدر – شدي القيد واختبري – ، يجد أن دوال الغناء والنشيد واللحن متشظية في غير مكان فيه، بدءاً من العنوان، وهذه النغمة الغنائية سمة أصيلة من سمات الشعر العربي، إلا أن الشاعر هنا أسهب في الموسيقي الداخلية لتتماهي مع الموسيقي الخارجية فيعلو طنين الوجد بأجراس الحنين كي يتفاعل القارئ مع هذا النغم الوجداني الإنساني، إلى حد يصبح المتلقي منتجًا للنص الشعري .
وحينما أتكلم عن الإيقاع لا أعني به الوزن فهو معروف مذ نشأت الشعر إنما أعني الإيقاع بمعناه العميق فهو يعد ” لغةٌ ثانية لا تفهما الأذن وحدها وإنما تتداخل فيها الحواس جميعًا وعلى هذا الأساس يكون الإيقاع أهم وأشمل من الوزن كونه يتعلق بالشعور وتشترك فيه الحواس ” (18).
تشكل كثير من قصائد ديوان – شدي القيد واختبري – مجتمعة لحناً موسيقياً متكاملاً، فيبدو وكأنه مقطوعة موسيقية عذبة، تصلح للغناء والنشيد، من ذلك أنشودة عذبة يناجي فيها الشاعر كل ما يحيط به من مواقف وكل ما يعترية من مشاعر، فتبرز الألفاظ والعبارات وسيلة فنية بنائية لصنع النغم وإبداعه، يتجلى فيها اعتناء الشاعر بموسيقى الجملة الذي يتلاحم فيها مجمل الإيقاع الشعري إلى جانب الصور الشعرية التي تتميز بالبساطة في البناء، إلا أنها بساطة تأخذ ملمح العمق، إنه يأخذ العادي ويعيد تركيبه، ولكنه تركيب يشير إلى مهارة شعرية، وقدرة على التعامل مع اللغة لبناء القصيدة، ويضعها ضمن تجربته الشعرية .
وفي هذا الإطار نجد ابن طباطبا العلوي حين أورد لفظ الإيقاع واصفًا الشعر المتزن ليس الموزون فيقول: ” وللشعر الموزون إيقاع يطرب الفهم لصوابه وما يرد عليه من حسن تركيبه واعتدال أجزائه فإذا اجتمع للفهم مع صحة وزن الشعر صحةُ وزن المعنى فصفا مسموعه من الكدر تم قبوله ” (19).
إن مثل هذه الأمور تكشف للمتلقي عن شاعر مطبوعٍ مُغنٍّ، دون قصدٍ أو عمد، ليس فقط لأن عددًا من قصائد الديوان قد جرى تقديمها على أنها أغنيات عذبة؛ وإنما لخصوصية قصائده ذاته، لبساطتها ورقتها وتماسكها الداخلي، وإيقاعها الزاخر بالقيم الموسيقية إلى الحد الذي جعلها قابلة؛ لأن تكون ملحنة وجاهزة للغناء، فالغنائية في الديوان تمتد لتشمل التناغم في الإيقاع، ووضوح الدلالة مع الحفاظ على شاعرية الصورة وشعرية البناء، إنه يستغل موسيقى الأصوات في الكلمات معتمدًا عليها عاملًا أساسيًا في استثارة المشاعر، وردود الأفعال النفسية التي عمد إلى استثارتها لدى المتلقي .
3- استخدام المرأة رمز:
*****************
حينما يبدأ الشاعر قصيدته وتبدو وكأنها في البداية قصيدة غزلية تحاكي الوجد ثم ينتقل بالوجد نخو فضاء الخيال إلى حالة من حالة التخييل توهم القارئ أنها ستقف عند هذا الحد، وقد تجسد المشهد تجسدا تخيليا بصورة مضاعفة. وما نقصده بالتخيل هنا هو “ما يثبت فيه الشاعر أمرًا غير ثابت أصلا، ويدعي دعوى لا سبيل إلى تحصيلها ، ويقول قولا يخدع فيه نفسه ، ويريها ما لا ترى “(20)، ومؤكد هنا أن لعبة الانخداع التي تتحول إلى لعبة خداع للمتلقي هي التي تضفي على الكتابة الشعرية طابعها الرمزي الخلاق، وقد انتقل الشاعر عصام بدر من حالة الوجد إلى فضاء التخيل ثم استخدام الرمز في عدة قصائد منها على سبيل المثال قصيدة المعنونة بـ ” نفسٌ أخيرٌ فاقتربْ ” حيث يقول :
من يومِ رُحتِ غَدوتُ مني تائها
عودي إليكِ لكي أعودَ إليَّا
أسفاريَ الحمقاءُ ملءُ حقائبي
ودروبُ يأسي لم ترح قدميَّا
يا نصفيَ المنفيَّ ، أرقبُ عودةً
كي أشهَدَ الإحياءَ في نصفيَّا
أملًا أتيتُ النارَ ألتمسُ الهدَى
فأبى وعادَ بيَ الظلامُ شقيَّا
…… إلى أن قال :
من لي بدمعِ الغيمِ ، ظلي يابسٌ
وحرائقُ الصحراءِ في شفتيَّا
تبكي خُطاي ولا سبيلَ لظُلَّةٍ
والرملُ قيدُ النارِ في رجليَّا
يا حُزنُ أوفي من صديقٍ مخلصٍ
خانَ الصديقُ وكُنتَ أنتَ وفيَّا
لقد وضع الشاعر – عصام بدر – في حالات نفسية معيّنة أهمها حالة الوجد أو الحزن الهادئ البعيد عن التوتر ، ليبدأ بحالة وجدٍ تعاني الهجر والتية والبعاد، فيستحثها للرجوع إلى نفسها ليعود هو إلى نفسه في حوارٍ تنائي بين أنا الشاعر وهي الحبيبة ” من يومِ رُحتِ غَدوتُ مني تائها … عودي إليكِ لكي أعودَ إليَّا ” ثم يعبر بنا عبر أفق الخيال الخصب الفسيح فيرسم صورة غريبة مدهشة لافته للانتباه ” من لي بدمعِ الغيمِ ، ظلي يابسٌ … وحرائقُ الصحراءِ في شفتيَّا ” فكأنما يطب من يأتيه بدمع الغيم ليفك طلاسم التيبس التي أصابة ظل الشاعر ، وهنا يأخذنا الشاعر إلى فضاء معقدا يستعير بعض الخصائص للقصيدة الحداثية من التكثيف والوسائل التي” تصوغ حركتها… وهي حركة تعتمد على نوع من التماثل والتضاد والجدل المتوالي المستمر بين الصفات والخصائص النوعية المختلفة ” (21).
وإلى جانب استثمار المكون الطبيعي في بناء الصورة الشعرية، نجد الشاعر عصام بدر يوظف العنصر الإنساني مشخصًا في صورة المرأة. بحيث تتحول المرأة إلى رمز للتعبير عن بعض المعاني في سياق شعري ظاهره الغزل ولكن باطنه وحقيقته بعيدة كل البعد عن هذا المقصد، واستحضار المرأة كرمز، ليس بالأمر الجديد عند الشعراء، وإنما هو من الوسائل الفنية التي توسل بها السابقون للتعبير عن أفكارهم ورؤاهم ونظرتهم إلى الحياة والكون والوجود. فصورة المرأة، قد هيمنت في الشعر القديم، إلا أن الشاعر عصام بدر يستخدم المرأة هنا ليعرض لنا عدة مشاهد حياتية أولها هذا المشهد ” يا حُزنُ أوفي من صديقٍ مخلصٍ … خانَ الصديقُ وكُنتَ أنتَ وفيَّا ” وهو مشهد خيانة الصديق ووفاء الحزن المصاحب لوجدان الشاعر، وقد غزت المرأة جل التجارب الشعرية للشاعر الأمر الذي جله يمرِّرَ هذه المشاهد الحياتية الدامية المتنامية في التصعيد المعبرة عن واقعٍ مرير حيث يقول:
” همْ أبرياءُ الثوبِ إلا من دمٍ
فضحَ الجُناةَ ولا يزالُ نقيَّا
هذا دمي لم يشتبهْ بدمائهمْ
يبقى بطُهرٍ أو يسيلُ زكيَّا
متنا على ظهر الحياةِ ولم يزلْ
ظلِّي على قيدِ الحياةِ شقيَّا
ويستمر في رسم المشاهد الدرامية إلى أن يقول :
أخرجت من جبِّ المخاوف مهجتي
وبحثتُ عنِّي بكرةً وعشيَّا
من يومِ رُحتِ أنا أعيشُ بغُربتي
عودي إليكِ لكي أعودَ إليَّا.
وعندما تصل صورة المرأة إلى هذا المستوى من التمثيل والرمزية، فلم تظل محاصرة بجاذبية الحياة المادية، ولكنها شدّت إلى الواقع وارطبتت به، فالمرأة عند الشاعر عصام بدر يتجاوز حضورها الرمزية التي كانت في الشعر العربي وحتى الحديث، منه كما فعل الشاعر نزار قباني حين عظَّمَ المرأة واتخذها رمزًا يري به مرايا الكون ويعبر بعا الأفلاك البعيدة فقد تجاوز عصام بدر هذه الرمزية إلى ما ترمز إليه مما في حياة الناس، فهي قد ترمز إلى الأرض، وإلى ما فوق الأرض، إنها رمز للجمال والإثارة، وعنصر حي وخصب يأثر في الإنسان ويسلبه عقله وتوازنه واتزانه، ولشدة تعلق الشاعر بالمرأة، ولمكانتها الكبيرة في فكره ووجدانه، كانت صورتها تتراءى له في مظاهر الحياة المختلفة، فاستخدمها رمزًا يتكئ عليه ليجسَّد كل المرئيات من حوله.
ولذلك تسربت المرأة إلى القصيدة واستوطنت في تعابير الشاعر و أسالبيه فنجد – عصام بدر – تسلح بالقاموس الغزلي ليناور في حلبة الغرام، بدون أن يكون السياق تجربة غرامية أو لحظة عشقية واقعية، ولكن الشاعر يجد في استخدام المعجم الغزلي متنفسًا له لإفراغ مكبوتاته العاطفية، ولممارسة عملية التعويض النفسي، فإذا كان التصريح بالغرام والعشق داعيًّا إلى اتهام صاحبه، وإلى التقليل من مروءته وعدوليته في المجتمع المحافظ، فإن توظيف لغة الغزل ترميزًا وإشارة وتلميحًا، وكذا لإقراغ ما يعتريه من ضغوط نفسيه واقعية حيال المجتمع الذي يعيش فيه.
ونلاحظ استخدم الشاعر عصام بدر في قصيدة – نفسٌ أخيرٌ فاقترب – تقنية التناص كما يأتي تفصيلًا أو ما يعرف في الأدب العربي بالالهام أو الاستلهام في البنية المعمارية لأبيات القصيدة حيث استلهم الشاعر بعض الألفاظ من آيات القرآن الكريم كجملة ” بكرةً وعشيَّا ” والقصيدة في مجملها تتناص مع سورة مريم وخاصة في أختيار قافية الياء المشدَّدة المنصوبة المشبعة بحرف المد ” الألف ” ( شقيَّا – وفيَّا – زكيَّا …. ) ،وكذا تناصت مع سورة يوسف حيث استخدم الشاعر لفظ ” جبِّ ” في نهاية القصيدة
4- التناص أو الاستلهام:
*******************
جاء في لسان العرب لابن منظور:«النص:رفعة الشئ، نصَّ الحديث ينصُّه نصا: رفعه، وكل ما أُظهِر، فقد نُصَّ ، ونصَّ المتاع نصَّا: جعل بعضه على بعض ” (22).
وورد في المعجم الوسيط بمعنى الازدحام إذ قيل: ” تناصَّ القوم ازدحموا “(23).
فإذا كان من معاني النص الرفع والإظهار، والتراكم والازدحام، فإن التناص بمعنى التفاعل بين نصين أو أكثر قائم على هذه المعاني
كما يعد التناص مصطلحًا أدبيًا حديث المنشأ حيث ظهر في منتصف القرن الماضي على يد الباحثة والناقدة الفرنسية جوليا كريستيفا وهي أول من نظرت وطبقت لهذا المفهوم ونَظَّرت له في عددة مؤلفات ومقالات،
فالتناص، أو التناصية، أو تداخل النصوص، أو النصوصيةIntertexte رمز لغوي ، ومعناه العام ” أن يتضمن نص أدبي ما نصوصًا أو أفكارًا أخرى سابقة عليه عن طريق الاقتباس أو التضمين أو التلميح أو الإشارة أو ما شابه ذلك من المقروء الثقافي لدى الأديب، بحيث تندمج هذه النصوص أو الأفكار مع النص الأصلي وتندغم فيه ليتشكل نص جديد واحد متكامل “(24)، وفي الحقيقة ما ” هو إلا ترجمة للمصطلح الفرنسي Intertexte حيث تعني كلمة Interفي الفرنسية: التبادل، بينما تعني كلمة Texte: النص، وأصلها مشتق من الفعل اللاتيني Textere وهو متعد ويعني نسج أو حبك وبذلك يعني معنى Intertexte: التبادل النصي وقد ترجم إلى العربية: بالتناص الذي يعنى تعالق النصوص بعضها ببعض ” (25).
أو ” هو ذلك التقاطع داخل التعبير مأخوذ من نصوص أخرى “(26)؛
وهو يعني باختصار تداخل النصوص أو حضور نص داخل نص ويأخذ أحد الأشكال التالية :
1- التناص اللا شعوري : ويسمى بتناص الخفاء ، أي أن الشاعر حينما يستخدم ذلك التناص يكون بغير قصد منه أو تعمد وإنما يأتي نتيجة المرجعية الثقافية المختمرة في الذات الشاعرة والتي تخرج في شكل انتفعالات لا شعور ية ضمن الخطاب الشعري.
2- التناص الشعوري : ويسمى بتناص الوعي أو التناص الظاهر ، أي أن الشاعر يكون واعيًا به مدرك لطبيعة استخدامه وتوظيفه في الخطاب الشعري ، فيكون استخدامه عن قصد وعمد من الشاعر .
بيد أن مصطلع التناص يقابلة في الأدب العربي عدة مصطلحات عرفها العرب مذ فترة طويلة كالتضمين، والاقتباس، والتلميح، والإشارة، والإلهام والاستلهام ، وما شابه ذلك من المصطلحات .
ولقد استلهم الشاعر عصام بدر بعض آيات القرآن الكريم في خطابة الشعري سواء كان هذا الاستغلال صريحا أو تلميحا .
فالاستلهام غير الصريح لآي القرآن الكريم وهو ما يعرف بالاقتباس الضمني أو اللا شعوري يتجلى في قوله من قصيدة – شدِّي القيد واختبري – :
فصبرًا لو تشائينَ التآسي
وكوني في لياليَّ البشيرا
أعيريني قميصَكِ واحتويني
يعودُ فؤاديَ الأعمى بصيرا
***********
وهنا يظهر توظيف الشاعر واستغلاله للقرآن الكريم في خطابة الشعري عن طريق التلميح واستيحاء المعاني وهو كثيرا ومبعثرا بين ثنايا القصائد ويمكننا أن نشير إلى أن الأبيات السابقة استوحاها الشاعر من قوله تعالى ” ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِى هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِى بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ” (27).
ومن الإيحاءات السابقة لمعاني القرآن الكريم والتي استلهمها الشاعر للتعبير عن حالة البوح العاطفي بين أنا الذات الشاعرة وهي الحبيبة، ندرك أمرين فاعلين؛
الأول : يكمن في حضور الوعي المعرفي بالتراث الديني والقدرة الفائقة على توظيفه توظيفا جيدًا في عصب الخطاب الشعري بما يتوافق مع حالته النفسية ؛
والثاني : نلمحه في سيطرة الشاعر على التوفيق بين الحضور المعرفي وترجمته بأحاسيسه ومشاعره إلى رموز ذات معان تعكس معاناة الشاعر وهمومه وحلة الوجد التي تعترية في أغلب قصائد الديوان .
أما الاستلهام الصريح لأي القرآن الكريم وهو ما يعرف بالاقتباس المحض أو الشعوري يتجلى في قوله من قصيدة – فتوةٌ مشروعَةٌ – :
لي أنْ تفاخرَ في المدائنِ نُسوةٌ
أنْ فُزنَ منِّي مرَّةً بلقاءِ
ولهُنَّ أن قطعنَ أيديهُن منْ
حزنٍ وقد أخفقن في إعوائي
ففي الجملة الشعرية السابقة نرى كيف وظف الشاعر بحسه الشعوري المتدفق الآية القرآنية الصحيحة التي يقول فيها الله عز وجل ” ….. فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ “(28).
وظفها للتعبير عن حالة من حالات العفة التي أراد الشاعر أن يرسلها عبر هذا التحدي فللنساء أن يتفاخروا إن حصلن منه على لقاء ولو لمرةٍ واحدةٍ ولكنهن حتما سيفشلن في إغواء الشاعر ليقطعن أيديهن من شدة الحزن فهو بهذا الاستحضار الديني يحاول أن يعيد إلى نفسه شعاعا من العفة ووميضا من الطهر ، تلك الصفات الذي نفتقدها في نفوس الآخرين الذين صرفتهم الحياة الدنيا وزينتها عن التطلع إلى شيم الأخلاق ونبل الطباع ،
فالشاعر مما لا شك فيه يعاني من أزمة نفسية مجتمعية تتمثل في غياب الوفاء لحبيب واحد وكذا غياب النفس العفيفة التي ترضى بحبيبة واحدة ولم تفتأ هذه الأزمة تستحوذ على نفسه وتسكن في دواخله ، هذه الأزمة التي تتعلق بالوفاء والعفة والطهر، وانطفاء الشعاع الروحي من نفوس الناس واضمحلال الوازع الديني في قلوبهم لذلك وجدت الآية القرآنية السابقة طريقها إلى نفس الشاعر وارتبطت بوساطة البعد الشعوري لديه بأزمته الراهنة المتولدة كما ذكرت عن ذلك الجدب العاطفي وما يتبعه من غياب الوفاء الذي لم ينفك يعتري نفوس البشر في واقعنا المعاصر.
وفي هذا الإيحاء التراثي من القرآن الكريم بلفظه دلالة أكيدة على أن الشاعر عصام بدر لا يزال وسيبقى إن شاء الله، على اتصال حميم بتراثه وما ذكرناه آنفا ما هي إلا ظواهر القصيدة ، إنها الحركة السائدة فوق خضم الرموز والمعاني وسحرها الدائم كامن في هذه الرموز وهذه المعاني ؛
ونلاحظ أن الشاعر هنا على درجة عالية من الوعي وهو أحد الشروط الضرورية عند استلهام التراث في العمل الإبداعي، وهو ناتج اختزال الذات الشاعرة للوعي الذي يمكن اعتباره ” انفجارا في الوعي نتج عنه انفجار في المعرفة “(29)، ومن ثم نتج عنه ثورة إبداعية متدفقة .
وهنا نطرح بعض الأسئلة :
لماذا نستلهم العديد من المصطلحات والرموز الثقافية الثراثية في كتابتنا المعاصرة؟
وكيف تساعد هذه المصطلحات في إيضاح الفكرة التي نريد نقلها للمتلقي ؟
لمَّا كانت هذه الرموز عالمية، فالقارئ مهما كانت جنسيته ولغته سيعرفها ويفهم مدلولاتها، وبهذا يتحوّل النص الأدبي والشعري من النطاق المحلي والذاتي إلى العقل الجماعي والعالمي، لأننا بحاجة لنقل ما نكتب إلى جمهور واسع ليصبح عابر للمكان الخاص، المحدود إلى فضاء فسيح من العالمية.
غير أنَّ الرموز التاريخية والدينية تثري النص الأدبي وتجعله أكثر مصداقية وبالتالي تعزز الفكرة في وجدان القارئ والمتلقي، فيقتنع ويؤمن بها أكثر وأكثر، ولأن هذه الرموز واقعية وسواء كانت دينية أو تاريخية، ستساهم في جعل الفكرة المطروحة أكثر واقعية ومنطقية، كما أن هذه الرموز ترفع من منسوب النص الأدبي وقيمته الفكرية في المجمل.
5- المستوى الجمالي:
******************
يطلق الشاعر عصام بدر صورًا جمالية مكثفة في معظم قصائد الديوان حتى التي تحمل المشاهد الحياتية القاتمة حيث يبث طاقته الإيحائية ذات الخواص الجمالية الفعالة في مخيلة المتلقي، ويغذيها بنوازع البحث، ويغريها بالتطلع إلى ما وراء الأكمة إذ لابد أن خلف البناء الالجمالي التخيلي عالماً آخر يختبئ تحت الظلال، وإن اكتشافه لابد أن يكون بتأويل الدلالات المتعددة لما تحمله الصور الجمالية وليس من الصعوبة بمكان نظرًا للسلاسة الأسلوبية التي تسكن التجربة الشعورية، وعناصرها العاطفية التي لا يقيدها منطق أو عقل، غير أنَّ التركيب الشعري باهتزازاته الموسيقية يوحي كثيرًا للمتلقي بالمعاني التي تبثها الصور الجمالية أو تدل عليها .
ومن الجماليات التي تحمل المشاهد الحياتية القاتمة ما أورد الشاعر في قصيدة ” بريءٌ ” حيث يقول فيها:
أنا لا أبرِّئُ أيَّ ذِئبٍ من دمي
وحدي البرئُ وقاتِلِيَّ ذِئابْ
سيفٌ وسكينٌ وزرعُ قنابلٍ
صمتٌ وتَحريقٌ ولا استغرابْ
أنا دمعُ طفلٍ ، قلبُ أمٍ نازفٌ
وصراخُ أرملةٍ وجارُ مُصابْ
أنا منْ أمرُ على الوجوه مسالمًا
ويمرُّ بي موتي بسوطِ عذابْ
ضاقتْ شوارعنا تَلُمُّ لُحُومَنَا
ودماؤنا فوقَ الرَّصيفِ خضابْ
هذا دمي المعصومَ دامَ موحِّدًا
أهدرتُموهُ وترفعونَ كتابْ
وهنا ندرك حقيقة مهمة أنه لا تنفك اللذة الجمالية في تلقي النصوص الشعرية بمعزل عن تحقيق القيمة، وليس بالضرورة أن يأخد رصد الحدث ملمح التقريرية والمباشرة ولهذا، فإن من أولى مؤشرات الشعر الضرورية تحقيق المتعة الجمالية؛
وفي هذا الصدد يقول الناقد الجمالي جان برتليمي: ” إن الأعمال الفنية الجميلة تمتع الإنسان بالجمال الذي تغذيه”(30).
وهذه المتعة الجمالية؛ إن لم تحقق قيمة جمالية أو فنية لا أهمية لها في عالم الفن؛ لأن الفن – بالأساس – ” من معدن القيمة، وليس من معدن الوجود ” (31)،
وعندما يدرك الشاعر وظيفته فيكون هو لسان حال الأمة يرصد واقعا ويعَّدل السلوك، ويعالج آفات المجتمع، فهو بذلك يحقق قيمة مضافة تضفي جمالًا على المنتج الإبداعي حتى وإن كان الحدث يأخذ شكلًا دراميًّا؛
يصف الشاعر عصام بدر سفكت الدماء بالذئاب غير أنه يعتبر كل دمٍ مراق هو دمه المتصف بالبراءة، ” وحدي البرئُ وقاتِلِيَّ ذِئابْ ” ثم يتلبس الشاعر عدة مشاهد فيجسَّد أوجاع الأمة في الذات الشاعرة حتى يرى نفسه دمع طفل وقلب أم ينزف وأرملة تصرخ وجار مصاب ” أنا دمعُ طفلٍ ، قلبُ أمٍ نازفٌ … وصراخُ أرملةٍ وجارُ مُصابْ ” هذا المشاركة الوجدانية التي شارك فيها الشاعر آلام المجتمع جعلت للخطاب الشعري قيمة جمالية مضافة ، حتى أنه جعلة الكلمات عاملًا في النص تؤدي دورًا جديدًا غير المتعارف عليه في المعاجم فنراه يشخصن الموت حيث مر به في صورة جلَّاد يذيقه سوءَ العذاب ثم يشخصن الأماكن ويجعلها تتحرك ” ضاقتْ شوارعنا تَلُمُّ لُحُومَنَا ” ثم الرسالة الأخيرة إلى من يستبيح الدماء باسم الدين في حين أن الدماء عصمت بمداومتها على التوحبد .
وهنا نجد القيمة المضافة في الخطاب الشعري بما يحمله من متعة الخيال ورصد المشهد الواقعي هذا الدمج هو الذي يكسر حدة العالم المادي الثقيل الصَلب وهو ما أكدت عليه الناقدة بشرى البستاني ” الفن الحقيقي هو الفن القادر على دمج القيمة بالجمال؛ليحقق تواصلاً من نوع خاص؛ حيث تتضمن القيمة جمالها المندمج بجمال المتعة الفنية،وهي تقدم لنا عالمًا ينأى عن العالم المادي القائم على ثقل الأشياء وصلابتها، وهو- أي فن الشعر- بقدرته على عزلنا عن فداحة عالم الواقع، يسمو بنا نحو خلاص روحي هو الانعتاق الفريد، وذلك أسمى ما يضطلع به الفن من مهمات” (32).
وهنا نصل إلى حقيقة مهمة أنَّ كل ما هو موجود لا قيمة له في عالم الأدب والشعر، إن لم يكن ذا قيمة في تحريك الخيال، وإثارة مشاعر جديدة، وروى مبتكرة، تدمج الواقع بالخيال وتملك قيمها الجمالية العليا، وتولد إثارتها الشعورية المحفزة، ومنظورها الإيحائي الجديد أو المتجدد.
وخلاصة القول إذا أردنا أنْ نعرف ما هيَّة المرأة عند الشاعر عصام بدر فإنَّ تجربته الشعرية احتفت بالمرأة في أبهى صورة فهي ليست الحبيبة وحسب كما يظن البعض، بل هي الحبيبة التي عان منها بعدا ووجدا، وهي الأم التي يدين لها بالولاء والوفاء مدى العمر، المرأة عند بدر1- هي العالم الفسيح هي الوطن بكل ما فيه من مظاهر وأحداث ، المرأة هي الرمز الذي من خلالة يرصد المشكلة الأسباب والعلاج، هي الحقيقة والمجاز، هي العالم الذي يهرب منه ليحلق في فضاءاته.
ونخلص إلى ما يلي :
*************
نجح الشاعر عصام بدر في أختيار عنوان الديوان – شدي القيد واختبري – حيت عمل العنوان عدة وظائف باعتباره مفتتح النصوص وأولى المواجهات مع القارئ حيث أثار في نفس المتلقى عدة تساؤلات حول ماهية القيد ؟ وما هو الشيء الذي يطلب الشاعر تقييده؟ ثم اختبار وتجريب هذا القيد بعد ذلك، الأمر الذي أثار حافظة المتلقي في هذا الخطاب الثنائي إلى المضي قدُمًا لاقتحام النص وهو يشعر بالإغواء تارة والإغراء أخرى ، وقد تماهت الأيقونات البصرية الموجودة على اللوحة التشكيلية الأمامية للغلاف مع العنوان حيث أسهمت هذه الأيقونات في فك بعض الإشكاليات التي أثارها العنوان وعلى سبيل المثال صورة القلب المكبل بالأغلال أوضحت ماهية القيد وكنهه؛ فأضاءت للقارئ بعض العتمات التي تساءل عنها .
ظهرت ملامح المشاعر الإنسانية في مطلع الديوان وتألّق الحزن، حتى أصبح سيّدًا للرؤية الشعريّة في معظم قصائد ديوان – شدي القيد واختبري – ، وحينما يبتعد الحبيب عن حبيبته المركز، يحلّ كلّ ما هو موحش وكئيب، حيث يصبح الزمان خريفاً مسهدّا والجرح غائر يبدد أيام العمر، وتتدفق الأحزان فوق الوجد شلال من الألم .
كما اتسمت التجربة الشاعرية – عند عصام بدر – ببعض تيمات الغربة والترحال بين الأحزان والرمز ، حيث اتخذ الشاعر المرأة رمزًا مرَّرَ من خلالها بعض المشاهد الحياتية المعاصرة الموحشة البعيدة عن القيم المثلى والمثل العليا فاتخذ الحزن صديقًا وفيًّا ليمرِّرَ مشهد خيانة الصديق، واتخذ المرأة رمزًا ليمرر مشاهد القتل والترويع في المجتمع، غير أنّه يمكن القول إنّ جميع قصائد – شدي القيد واختبري – ، تتأسس على هذه التيمات، وفق لغة هادئة حزينة، لا تكلف فيها ولا افتعال، ولا أدلجة سياسية تقريرية. إنّها لغة الحزن وشفافيته وجماله، وبعده في الذات الإنسانية بامتياز.
لقد كان من مظاهر حضور المرأة كعنصر فني لتشكيل الصورة الشعرية، في تجربة – عصام بدر – ما ورد في قصيدة – نفسٌ أخيرٌ فاقتربْ – من توظيف لهذا العنصر البشري لتجسيد جمال الإبداع ورقته. بحيث تتحول القصيدة من امرأة جميلة تتصف بكل أوصاف الحسن والبهاء. فيسقط الشاعر الأوصاف التي درج عليها العذريون في وصف معشوقاتهم، ويستعيرها لوصف القصيدة الشعرية، فيكاد القارئ يحار في تحديده لجنس الموصوف وحقيقته. بحيث تختفي القصيدة، وتغيب معالمها، لتفسح المجال لصورة المرأة كرمز يتكئ عليه الشاعر لتمرير بعد المشاهد الحياتية المعاصرة، والشاعر في هذا الوصف لم يصدر من فراغ، ولم يبدع من عدم، وإنما كان له مرجع يستند إليه ويوجهه في هذا الاتجاه، حيث عمد إلى استخدام صور وجدانية يتبعها صور تخيلية ثم نقل القارئ من سياق الغزل، والحديث عن الفن والإبداع والعالم التخيلي إلى الحديث عن الواقع المعاش بمشاهده المختلفة.
كما استخدم الشاعر تقنية التناص أو ما يعرف في الأدب العربي بالإلهام أو الاستلهام في البنية المعمارية للأبيات حيث استلهم الشاعر عصام بدر في ديوانه بعض الألفاظ من آيات القرآن الكريم كجملة ” بكرةً وعشيَّا ” في قصيدة – نفسٌ أخيرٌ فاقترب – والقصيدة في مجملها تتناص مع سورة مريم وخاصة في أختيار القافية وكذا تناصت مع سورة يوسف حيث استخدم الشاعر لفظ ” جبِّ ” في نهاية القصيدة كما تناصت أبيات الديوان في مجملها مع الموروث الثقافي الديني كجملة ” قطعنَ أيديهُن ” وغيرها الكثير بما يوحي على اختزال واختمار الذات الشاعرة بالموروث الثقافي الديني الذي يمتزج ويتفاعل ويتناص لفظًا مع الحالة النفسية في إنتاج النص الإبداعي الشعري .
اهتم الشاعر عصام بدر بالقيمة الجمالية فمازج بين الخيال والواقع في رصد بعض المشاهد الحياتية كما في قصيدة ” برئٌ ” مما يجعلنا نؤمن بأنَّ العمل الإبداعي يخضع لعدة مؤثرات وعمليات مخاض جمة حتى يمكن إنتاج عمل يحمل قيمة مضافة؛ وهذا يعني أن التجربة الإبداعية للشاعر، لم تكن لتأتي عن فراغ؛ وإنما هي حصيلة ، ثقافات ومرجعيات ومؤثرات، ومقومات، وبواعث، ونشاطات عديدة؛ شكَّلت الأرضة الفنية التي اتكأ عليها الشاعر في تحقق المستوى الجمالي.
**********************************
الهومش والمراجع
************
1- السعيد الورقي، لغة الشعر العربي الحديث، الطبعة الأولى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الاسكندرية، 1979م، ص9 .
2- A. J. Greimas et J. Fontanelle, Sémiotique des passions- Des états de choses aux états d’âme, p 11.
.
3- جون كوهين: الّلغة العليا (النظرية الشعرية)، ترجمة: أحمد درويش، د.ط، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1995م ، ص 34.
4- ماجد قاروط: المعّذب في الشعر العربي الحديث في سوريا ولبنان من عام 1945 إلى عام 1985 ، دراسات جمالية، منشورات إتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1999م، ص179.
5- محمد بنيس: الشعر العربي الحديث، بنياته وإبدالاتها، التقليدية، ج 1، ط 1، دار توبقال، الدار البيضاء، بيروت، 1989م.
6- محمد فكري الجزار: العنوان وسيموطيقيا الاتصال الأدبي, الهيئة المصرية العامة للكتاب 1998م، ص45.
7- د. بسام قطوس:سيمياء العنوان، وزارة الثقافة, عمان-الأردن, ط1, 2001م، ص7.
8- عبدالرحمن ابو علي: مع امبرتو ايكو، مجلة نزوى، العدد14, 1998م.
9- محمود عبد الوهاب: ثريا النص-مدخل لدراسة العنوان القصصي- الموسوعة الصغيرة (396)، دار الشؤون الثقافية العامة بغداد،1995م، ص 9
10- المرجع السابق، ن ص .
11- محمد فكري الجزار: العنوان وسيموطيقيا الاتصال الأدبي, الهيئة المصرية العامة للكتاب 1998م، ص 31.
12- ابن منظور: لسان العرب ، دار صادر ، ط3 بيروت 1993 مادة (ش د) .
13- الجملة الفعلية – شدِّي القيد واختبري – تحتوى على فعلين أمر بينهما مفعول به ” القيد ” لحقت بها ياء المخاطبة ، وهي ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
14- مراد عبد الرحمن مبروك : جيوبوليتكا النص الأدبي، ط1، دار الوفاء، الإسكندرية، 2002م، ص 124.
15- جميل حمداوي : دلالات الخطاب الغلافي في الرواية http://www.diwanalarab.com/spip.php?article15389
16- عبد القادر فهيم شيباني: معالم السيميائيات العامة، أسسها ومفاهيمها، ط 1، ة الدار العربية للعلوم ناشرون ، 2010م ، ص 151 .
17- عبد الرحمان تبرماسين: العروض وإيقاع الشعر العربي، دار الفجر للنشر والتوزيع، ط1، 2003م، ص85 .
18- عبد الرحمان تبرماسين: العروض وإيقاع الشعر العربي، دار الفجر للنشر والتوزيع، ط1، 2003م، ص86 .
19- عمر خليفة بن إدريس: البنية اإيقاعية في شعر البحتري، دارسة نقدية تحليلية، منشوارت جامعة قاز يونس، بنغازي، ط1، 2003م، ص25.
20- عبد القاهر الجرجاني:أسرار البلاغة، ضبط الشيخ محمد سيد رضا، دار المعرفة، بيروت سنة 1982، ص:239 .
21- أدونيس: الشعرية العربية : دار الآداب . ط:2، س:1989. ص:30.
22- ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، مادة (نصص)،د.ت134.
23- المعجم الوسيط، محمع اللغة العربية، مكتبة الشروق،مصر،ط4،2004م مادة (نصّ).
24- أحمد الزعبي،التناص نظريا وتطبيقيا،مؤسسة عمون للنشر والتوزيع، عمان،الأردن، ط2، 2000م،ص 11.
25- أحمد ناهم ،التناص في شعر الرواد،دار الشؤون الثقافية العامة بغداد، ط4، 2004م،ص 14.
26- ربى عبد القادر الرباعي ،البلاغة العربية وقضايا النقد المعاصر،دار جرير للنشر والتوزيع،الأردن،ط1، 2006م ص 203.
27- سورة يوسف: الآية رقم (93) .
28- سورة يوسف: الآية رقم (31) .
29- عبد الرحمان القعود: الإبهام في شعر الحدائة ، عالم المعرفة، ع: 279، ص75.
30- جان برتليمي: بحث في علم الجمال، 1970م، ص512.
31- المرجع السابق ص 545.
32- عصام شرتح: ملفات حوارية في الحداثة الشعرية (حداثة السؤال أم سؤال الحداثة)، دار الأمل الجديدة، 2012م، ط1، ص366.
*******************************************
العاطفة بين الأصالة والرمز والاستلهام
قراءة نقدية في ديوان – شدي القيد واختبري – لعصام بدر
بقلم سيد فاروق
Discussion about this post