Views: 1
شمس المَكْرُمات
للشاعر : أحمد السيد
في غيهبِ الجبِّ باتَ الحزنُ لي قدرا
يا أمُّ لا قنِطاً أشكو و لا ضجِرا
و كيفَ يقنطُ مَنْ إنْ مالَ حوَّطَهُ
دعاﺀُ حُبٍّ بقلبٍ أشبهَ السُّوَرا ؟!
ملاكُ عطفٍ على مهدي يهدهدُني
و إنْ سهِرتُ لريبٍ رابَني سهِرا
نورُ الأمومةِ أزكَى رحمةٍ هطلتْ
من جانبِ العرشِ يُجْنَى ظِلُّها يَسَرا
و الهدْيُ وجهُكِ – يا أمّاهْ – مرتسمً
حيثُ اتّجهتُ أراهُ الشمسَ و القمرا
فما لعينيَّ هذا اليومَ أدْلجتا
و ما لقلبيَ بالأشجانِ قد كُسِرا ؟!
و أنتِ أرضعتِني الصبرَ الجميلَ كما.
قلّدْتِني من بحارِ الحكمةِ الدُّررا
و كنتِ فجراً كشمسِ اللهِ مبتسماً
بالحزمِ و العزمِ و الإيمانِ منتصرا
تفيضُ من رحمةِ الرحمنِ راحتُهُ
جبراً لمنكسرٍ عوناً لِمَنْ عثرا
سجيَّةٌ في النفوسِ الصالحاتِ إذا
نادَى الثرَى مطراً أغدقْنهُ مطرا
فإنْ طوَى الليلُ شمسَ المَكْرُماتِ فما
يغيّبُ الليلُ أخلاقاً لها غُُرَرا
رفيقةُ الدربِ للشيخِ الذي قهَرَتْ
كفّاهُ دهراً كريمَ النفسِ مصطبِرا
مُبارَكٌ وجهُهُ الميمونُ مزدهِرٌ
بالخيرِ و الخيرُ معروفٌ بهِ ثَمَرَا
مَنْ ذلّلَ الصخرَ أغنَى بالحلالِ مُنًى
فالبيتُ مَهْدٌ و وعْدٌ شَبَّ فاقتدرا
عَزاكَ يا أبتِ الطِّيْبُ الذي بَسَقتْ
منهُ المناقبُ في الآفاقِ فانتشرا
عِقْدٌ من الشُّهْبِ لولا أنتَ ما عقَدَتْ
حُلاهُ شمسٌ و لولا المجدُ ما انتثرا
إذْ غادرَ البيتَ طيرٌ يافعٌ سكنَتْ
أنغامُهُ في ظلالِ (البيتِ) مُحتَضَرا “١”
خديجةُ الأمُّ – يا أمّاهُ – حانيةٌ
على ( صلاحٍ) بفجرِ العُمْرِ مُدَّثِرا
ما هدَّكِ الداﺀُ لكنَّ الأسَى ثَقُلَتْ
جبالُهُ في فؤادٍ ناﺀَ فانفطرا
و كنتُ أسعَى إلى لُقياكِ مرتقباً
عيداً يضمّدُ بالأفراحِ مستعِرا
لألثمَ الأرضَ و الكفّينِ مقتبِساً
من وجهِكِ السمحِ ما أجلو بهِ القَتَرا
فصرتُ أحلمُ : هلْ أسري إلى حلبٍ
كيما أقبّلَ بالحزنِ النديِّ ثرى
ألقي السلامَ و قلبي في يديَّ كما
وردٍ يشمُّ تراباً بالهُدَى عَطِرا
و أنتِ في منزلِ الغفرانِ راضيةٌ
يا ضيفةَ اللهِ عندَ اللهِ خيرُ قِرَى
***
يا أمُّ يا أمُّ .. ليلٌ حالَ فافترقتْ
أغصانُ دوحٍ تُجيزُ الطيرَ و البشرا
والأصلُ غرسُ أبي الزهراﺀِ حيثُ مضى
نما الربيعُ على مَمْشاهُ مزدهِرا
وَلَدْتِني لاعباً بالنارِ أُلبِسُها
من سندسِ الفنِّ سِحراً يُذْهلُ العُصُرا
محلِّقاً بجناحَيْ كلِّ قافيةٍ
حتّى هتَكتُ مدًى أستصغرُ الظفَرا
و قدْ وقفتُ أمامَ البحرِ أُقْرِئُهُ
بحري فلملمَ ثوبَ الموجِ منحسرا
فلا غرابةَ أنّي – رهْنَ مغترَبٍ –
أنطقتُ في ظلماتِ الغربةِ الحَجَرا
و أنني أسمعُ الجدرانَ ذارفةْ
أنينَها و أرى في صمتِها صُوَرا
فما عجبتُ لشكوَى الصخرِ يُوهِنُهُ
دهرٌ تعجَّبَ أنّي أجهلُ الخَوَرا
إلّا انكساريَ إجلالاً لمن رحلتْ
أسمو بعزّةِ هذا الضعفِ مفتخِرا :
بحسرةٍ في القلوبِ السُّودِ أنَّ دمي
مَدٌّ من الخُلْدِ زانَ السمعَ و البصرا
بخمرةٍ من كُرومِ القولِ ما عَبِقتْ
إلّا بكأسي إليها جحَّتِ الشُّعرا
بجمرةٍ في يسارِ الصدرِ نابضةٍ
بنارِها أهتدي إمّا مضيتُ سُرَى
و قد لبستُ شباباً فاتناً فنما
في خضرةِ الثوبِ زهْرٌ يفتنُ النظرا
شقائقٌ من جراحي و هْيَ أوسمةٌ
تقلِّدُ الحزنَ غاراً كلّلَ العُمُرا
و لم أكنْ غيرَ فرعِ الدوحِ سامقةً
نجومُهُ إذْ يعسُّ الليلُ معتكرا
و ها أنا .. جذوةُ الأحزانِ تكتبُها
عينايَ سطراً بحبرِ القلبِ معتبرا
و قد وضعتُ على الأعتابِ في ضَرَعٍ
جبينَ شِعري إلى الإحسانَ مفتقِرا
مستمطراً من يمينِ اللهِ رحمتَهُ
غيثاً من النورِ يسقي القبرَ منهمرا
أتقبلينَ و قد أقبلتُ في ومَضٍ
أهدي لذكراكِ هذا الحرفَ معتذِرا ؟!
صنعاﺀ : أيّار ” مايو” 1997م
……………………
(1)- إشارة إلى شقيقي الفتى (صلاح الدين) الذي دفن في. مقبرة معلاة مكة المكرمة المعروفة بالحجون و فيها قبر أم المؤمنين خديجة عليها رضوان الله جل جلاله.
Discussion about this post