Views: 22
… صندوق الذكريات
في ساعة من خلوة النفس ..، و بعد أن اضطرني مفتاح الحنين و الشوق إلى فتح صندوق الذكريات الذي غطاه غبار الزمن ، و همشته أقفال المشاغل و الإهمال .. حتى إذا تعبت النفس من وطأة اللحظة ، و قساوة الواقع ، و كادت تجمد في صقيع الوحدة الموحش .. وجدت يدي المرتعشة تمسح ما تراكم على هذا الصندوق ، الذي أودعته ذكريات عمر طاردته السنون ..
و رحت أقلب ” ارشيفا ” من الذكريات .. كل واحدة منها تشعل حنينا ،، و تلهب شوقا .. فهذه مجموعة من الصور ، بالأبيض و الأسود لشخص كان مزهوا و هو في ريعان الصبا ، سواد شعره من عتمة الليل .. و عيناه مفتوحتان على الأمل و بسمة رسمتها شفتاه الصغيرتان ، و لما يعلوهما الشاربان .. و هذه صورة لزملاء الدراسة ، و قد رسموا نصف دائرة ، و هم يبتسمون للحياة ابتسامة البراءة .. و ما علموا ما خبأته لهم يد الزمان…
.. و هذه صور لأحبة أودعناهم في قلوبنا و ها هم اليوم صاروا ذكريات .. ذكريات حزينة مثلما هي جميلة .. أودعناهم الفكر و الخاطر .. و قد مضوا من هذه الفانية .. إلى حيث أكرم جوار ..
و في صندوق الذكريات رسائل كتبت بحبر الشوق على ورق المحبة .. ما زالت حية ، تنبض و تتوجس و تشهق .. و هي تستعيد عنفوان الشباب .. تدب فيها الحياة كلما خرجت من إسار ” ظرفها” الذي لفت فيه !!
و في صندوق الذكريات هدايا صغيرة .. و دبابيس و بعض نياشين .. و فيها أوراق و شهادات للزمن ..
في صندوق الذكريات رائحة سنين مرت بحلوها و مرها .. بوردها و شوكها ..
ذكريات للزمن الجميل و الصحبة الدافئة و الجيرة المؤنسة و الشوارع و الحارات المسكونة بالفرح .. ذكريات القناعة بالعيش البسيط .. و الشكران و العرفان .. و الوفاء و الصفاء .. رغم قلة المورد ، و ضعف الحيلة .. لكنه غنى النفوس الأبية ..
سلام على الأحبة الذين تشاركنا معهم ساحات الحارة و ملاعبها و طينها و ترابها ، فكانت طفولة بريئة ، لا تعرف المصانعة و المجاملة الكاذبة .. و لا تعرف إلا أن تلبس حقيقتها .. بعيدا عن التزوير
سلام على رفاق الحارة الذين سرقتهم الأيام و باعدت بينهم المسافات .. و رحم الله من لبى النداء .. فسبقنا إلى دار البقاء .. و للأحبة أيام السعادة و الهناء ..
– أحمد المثاني –
Discussion about this post