Views: 1
دعاء الكروان
طه حسين
فكرة القصة بسيطة: عائلة مكونة من أم وبنتين تهجر قريتها عقب وفاة الوالد بسبب الفقر، وتتنقل في خدمة الأغنياء. يغوي المهندس الجميل الأخت الكبرى. ينام معها. ثم يتخلى عنها. تقتلها عائلتها عندما تكبر بطنها. تسعى الأخت الصغرى، واسمها آمنة في الفيلم، إلى الانتقام. تجد وسيلة كي تعمل خادمة عند المهندس، وهنا، في تحول ساحر عبقري، يتخلى طه حسين عن حذره ويجعل القصة أقرب إلى أفلام الإثارة والجريمة: تنجح الفتاة في استمالة قلب المهندس، دون أن تمارس الجنس معه، ولكنها تقع في حبه. في نهاية الفيلم، يقتل خال الفتاة المهندس. في نهاية الرواية، يحتفلان بالحب والحياة. (أسقطت الكثير من التفاصيل ومن الاختلافات بين الرواية والفيلم في هذا العرض الموجز).
في هذه الرواية الخالدة التي أبدعها عميد الأدب العربي، يمتزج تغريد الكروان الشجيِّ بصرخات القهر والظلم. وعلى لسان «آمنة»؛ الفتاة الريفية رقيقة الحال يحكي لنا «طه حسين» قصة العوَز والترحال، ثم التعرض للغدر والانتهاك، وفعل المستحيل من أجل الثأر والانتقام، وهي القصة التي استقاها المؤلِّف من الواقع، وما زالت تلامس واقع كثيرٍ من المجتمعات المعاصرة التي تُضطهد فيها المرأة وتُهضم حقَّها. ولا عجب أن يسلبَ الفيلم السينمائيُّ المأخوذ عن الرواية عقول وأفئدة جمهور الفن السابع متبوِّئًا موقعًا متقدِّمًا في قائمة أفضل ما أنتجته السينما المصرية على مدار تاريخها، وتظلَّ أصداء «دعاء الكروان» تتردَّد على صفحات الفنِّ والأدب، ويظلَّ القارئ ينهل من مَعِين قلمٍ سرديٍّ راقٍ، بديعٍ وبليغ.
شتان بين النهايتين.
القصة الحقيقيه و الفيلم
خاتمة العميد طة حسين أفضل بكثير من خاتمة بركات، لسببين: الأول، أنها متسقة مع سياق القصة، التي تتصاعد باستمرار إلى خاتمة مفتوحة، بعد التحول الدراماتيكي للشخصيتين. أما مقتل البطل بعد توبته فغير مقنع. أميل إلى أن بركات كان يهادن السلطة السياسية في اختياره لهذه النهاية. على الجهة الأخرى، هل كان طه حسين، بوعي أو بدون وعي، يهادن السلطة أيضاً: هل كان للنهاية التي يتصالح فيها الفقير مع الغني رسالة سياسية غير ثورية؟
على أية حال، بنظرة واقعية على أحوالنا، نجد أن النهاية الحقيقية لـ «دعاء الكروان»، النهاية الواقعية، مختلفة تماماً عن نهاية الفيلم والرواية. النهاية الواقعية هي أن يقع المهندس في حب آمنة، لا مشكلة في ذلك. هذا نراه كل يوم وكل ساعة. لا تستسلم آمنة له. أي أنها لا تمارس الجنس معه. أيضاً هذا طبيعي، ونراه كثيراً. ولكنهما ينفصلان. لا يعيشان معاً. يعود كل منهما إلى حياته: يتزوج المهندس فتاة غنية من طبقته، وتتزوج آمنة فقيراً مثلها. وينتهي الأمر كله.
النهاية الحقيقية، إذن، لـ «دعاء الكروان»، هي أن يفشل الحب. هذا هو حاضرنا، الذي كتبه طه حسين قبل ما يقرب من ثمانين سنة، متفائلاً بمستقبل مختلف
Discussion about this post