Views: 67
الإنشاصية جميلة الجميلات .
قراءة – ربما – على مغايرة فى قصيدة ” ما حيلتى ” للشاعرة
الأديبة المترجمة المفكرة / تغريد بو مرعى .
تغريد وجدائل المثابرة المضفورة بحناء العزيمة من خلال
تكنيك ” الإيهام بالتراجع والمباغتة ” .
بقلم : ابن المحروسة
محمد أبو اليزيد صالح
الإنشاصية
( ما أجمل أن تحركنا إنسانيتنا النبيلة لعمل الخير ؛أصل
الوجود ، وما أطيب المثابرة فى الدفاع عن الحق !!!! )
ابن المحروسة
(. 1. )
لزوم ما يلزم
من فضائل بناتنا وأخواتنا من المفكرات الأديبات العربيات المعاصرات أنهن يعرفن لزوم ما يلزم ، ويلممن بحراجة اللحظة التى تعيشها الأمة . إنهن يدركن جيدا مظلومية فكرنا العربى فى عموم العالم المعمور لأن ما جرى من تعريف العالم به لا يتعدى محاولات يتيمة قام بها أفراد ، ولم تكن أبدا تسير وفقا لخطط واعية تتبناها هيئات رسمية كما فى كل الدول المتحضرة ، و كان من ناتج هذا أن شوه هذا الفكر على يد البعض من المستشرقين ، وطمست الكثير من قضايانا القومية أو مسخت أو جرى تهميشها على يد رهط من مرتزقة الفكر الغربيين فلم يسمع بها بعض شركائنا فى العالم ، أو وصلت من سمع بها شائهة لأنه لم يتعرف على هذا الفكر على وجه صحيح؛ ذلك الفكر الذى يعتبر الوعاء الحامل لتراثنا و رؤانا و قضايانا .
إن بناتنا وأخواتنا من المفكرات العربيات المعاصرات فى مهاجرهن الجديدة أو منافيهن أو من يعملن فى هيئات ومؤسسات دولية أو يترأسن منابر ثقافية أو ينضوين تحتها ؛ لعلى دراية بمحنة الفكر العربى هذه و لذا فإنهن يسارعن مستفيدات من وسائل التواصل الحديثة. ، و يعملن على عقد المحاضرات والندوات التعريفية بفكرنا فى العالم أجمع كما ويتجلى ذلك فى كتاباتهن البديعة الواعية وترجماتهن المنتقاة من وإلى اللغة العربية .
(. 2. )
واقعية !!!
سمعنا فى الشعر العربى عن أحوال المتيمين والمدنفين والمتدلهين من الشعراء الذين حرق العشق أكبادهم وعن تعريض بعضهم الفاحش بالنساء ؛ و تناهى إلى أسماعنا أخبار فضليات كن يسعين إلى تشبيب الشعراء بهن ، ووصلتنا كتابات حثيثة لشاعرات لم يتناولن وجدهن وصبابتهن ولمحن إليهما بصورة هى إلى الكتمان أميل وعلى طريقة “وكل لبيب بالإشارة يفهم ” . كان هذا فيما مضى ، ولكن مع الإنفتاح الثقافى الكبير الذى حققه التعليم ( سواء فى الداخل المحلى أو البعثات للخارج ) والوعى الحادث من جراء ذيوع وسائل المواصلات و التواصل الاجتماعى والنشر والمعرفة بالدراسات النفسية الحديثة والمعاصرة ، كل ذلك أضاف إلى رصيد الأديبات وربائب الفكر العربيات المعاصرات ومنحهن نظرات أرحب تتعلق بالفكر والثقافة وحقوقهن الشخصية حتى ليمكننا القول بارتياح إنه حدثت نقلة نوعية لهن فى ذلك ؛ إذ أصبحن يتناولن قضايا كانت حبيسة أفئدتهن
وعليها مزاليج عديدة بأقفال عاتية فرضت عليهن بسبب أوضاع تاريخية ونفسية و إجتماعية خاطئةوتفاسير دينية جامحة ليس لها أدنى حظ من صحة . لم يكن من المسموح لهن مثلا تناول مسائل معينة علانية، وكان السائد أن يلمحن بها تلميحا فى معظم الأحيان ، ومنها الحب .
إننا حين نذكر الحب فى هذا المعرض فإننا نقصد ذلك الضرب
من الحب الحلال البعيد عن أية قصدية لعبث أو انفلات . ذلك الحب العفيف الذى أقرته الأديان و قواعد الأخلاق بواقعيتها وروحانيتها وتلبى حاجات نفسية تعترف بها تلك الأديان وهاتيك القواعد لأنها مطلب إنسانى ومنذ متى والأديان وقواعد الأخلاق تئد عواطف الإنسان المشروعة ؟!
هى فقط تقننها و تهذبها فى إطار واقعى روحى و لا تقوضها . نسوق هذا الكلام لنجهز على قول كل ضارب فى مضارب الخيال واللاواقعية و كل مفتئت كاذب .
(. 3. )
إلهامات !!!
قصيدة ” ما حيلتى ” من فصيل الأدب الملهم الواشى بشدة وأريحية على قصرها ؛ ثم إنها إطلالة فذة على شخصية الشاعرة ذاتها وذلك فى تكثيف بديع يتم على مستوى اللغة والمضمون النفسى والمرمى المعرفى الثقافى العام . وتجلية
لما نذهب إليه من اجتهاد حول هذا فى القصيدة نقول : إن “”صباح الورد للأحبة “” التى تسبق القصيدة والتى تمثل -عندنا – إهداء من الشاعرة للقارئ تعكس تفاؤلية لدى الأديبة ؛ ثم إن هذا الإهداء بتضافره مع العنوان الذى منطوقه ” ما حيلتى ” والذى ينم عن حيرة يضع القارئ فى تساؤل ينتج عن المفارقة بين التفاؤل والحيرة وهذا يضمن تشوف المطلع إلى تفاصيل القصيدة ليظفر بما يروى تشوفه الظامئ ذاك .
تعلمنا الشاعرة فى الأبيات الأولى من القصيدة بقلة حيلتها وقد هدها إهمال المحبوب الذى بات صعب الوصال والهوى قتال .لقد أصاب قلبها غم يغتبط له وبه العذال . والشاعرة توكد جازمة بأنها لم تبتعد ولم تمل لكنهم الأحبة هم من مالوا . لقد أسكنت حبهم بقلبها الرهيف ، و هى الحزينة مشاعرها تغتال بسببهم . والشاعرة برغم هذا لن تستكين ولن تسلم الراية استسلاما حتى لو تجابه الأهوال ، فأشواقها الحرى تسعر منها الهمة ، وروحها تذكى عزمها الآمال .
مقاربتنا هنا ستكون مقاربة فكرية فى الأساس ، فقد سئمنا الحديث عن الصور والإخيلة والكنايات والإستعارت وصور البلاغة الأخرى التقليدية التى تعشىى أبصارنا وتعبث بذوائقنا عند مطالعتنا للكتب المدرسية والدراسات الجامعية الأكاديمية ، وليس معنى هذا أننا ننكرها ولكن أن تتمركز المقالات النقدية حولها وفقط غافلة عن أوجه النص الأدبى الفكرية والخلقية والنفسية والبلاغية ( المبتكرة ) التى يريد الأديب أن يبثها فى القارئ فإن ذلك ما يكربنا . إننا نمقت هذا مقتنا إغراب و تغريب وتقليدية النقاد ممن يدبجون المقالات العراض فى نقد نص ما لا يظفر المتلقى منها بشيئ لعدم ترابط أفكارها واعتمادها بالكلية على آراء أجنبية غربية تصلنا حتى مترجمة ترجمة بائسة سقيمة لا تفى بغرض ولا تشير إلى مرام واضح وكذلك لاتكائها على صور بلاغية عتيقة . إننا نعتقد أن من الظلم حصر وحصار أى نص أدبى ضمن هذه الأطر الغاشمة البائسة وتكبيله ليدور فى فلكها فقط ، لأن أى نص يتمتع برحابات كثيرة خلاف ما يرى كثر ، هو فقط بحاجة ماسة إلى ناقد أريب ذى ضمير ينقب عن مفاتنه . إن النقد – فيما نرى – فن متى لحقته المدرسية والأكاديمية أفسدته إفسادا ، لأن النص الأدبى قد يحوى طرفا من الفنون التشكيليةجميعها ، و أفانين لغوية غير التى نعرف ، وكذا تكنيكات غير مسبوقة ترتبط بمنجزات العلم الحديثة !!!! لقد كان الأدب على تطور دائم يواكب كل عصر بلطائفه وبشرياته وأحلامه وأمانيه بل قد يسبق عصره . إن العمل الأدبى يحمل تراث الأديب الشخصى وأمته والعالم الفكرى والمعرفى بل الكون بأسره كما فى النصوص الصوفية المعتبرة . نعم ، الأدب كائن مرن حى ينمو ويتطور ، ولايجب أن نضع العصا فى عجلة تقدمه وإلا جنينا على أنفسنا مثلما هو حادث الآن .
إننا إن نتأمل هذا النص مثلا سنجد أن الشاعرة استخدمت فيه ( بقصد أو بلا شعورها ) تكنيكا عجيبا نحب أن نطلق عليه ( الإيهام بالتراجع والمباغتة ) ، وهو تكنيك نفسى حربى فى أساسه يعتمده ويعمل به قادة الحرب من أهل الدربة لتحقيق النصر ، وهو تكنيك يليق بنص مجابهة كهذا . نص – بحسبنا – تجابه به الشاعرة ظروفا مجتمعية غير مواتية تنتقص من قدر المرأة دون وجه حق . ولمزيد من التوضيح نقول إنها فى الأبيات الأولى تتحدث عن تقطع الحيل بها وقد هدها الإهمال وبات الوصال بالحبيب صعبا و هواها يقتلها وقلبها الشغوف من الغرام أصابه الغم الذى يسعد عذالها وأن الميل والابتعاد لم يكن منها بل ممن أحبت فقد أسكنت مشاعرها بقلبها الرهيف وهى الحزينة ومشاعرها تغتال .
إن منطوق الأبيات السابقة يعبر عن التراجع / الهزيمة / التسليم / الإستكانة ، ثم فجأة تباغت الشاعرة القارئ بهذين البيتين :
لن أستكين ولن أسلم رايتى
حتى ولو لاقتنى الأهوال
أشواقى الحرى تؤجج همتى
والروح تذكى عزمها الآمال
إن هذين البيتين الأخيرين يؤكدان على عدم استكانتها وتسليمها الراية حتى ولو لاقت الأهوال فأشواقها الحرى تؤجج همتها و روحها تذكى عزمها الآمال . والشاعرة لا تهدينا
هذا ببساطة ( نقصد البيتين الأخيرين ) ، بل تهديهما لنا مستعينة بمفردات من مثيل ” أستكين ” و ” أسلم ” المسبوقة ب ” لن “والتى تفيد العزيمة / التصميم / المثابرة / عدم الاستسلام و تعبيرات من مثل ” حتى ولو لاقتنى الأهوال ” و ” أشواقى الحرى تؤجج همتى ” و ” والروح تذكى عزمها الآمال ” . إن المفردات والتعبيرات السابقة تدل على أن الدفع
النفسى عند الشاعرة هو دفع ذاتى و هذا دليل على قوتها وثباتها فى الدفاع وهذا أيضا ما تتطلبه المجابهة التى تحدثنا عنها من قبل . والملاحظ إن نرجع إلى البلاغة التقليدية فهناك تقابل عام بين الأبيات الأولى التى تمثل الإيهام بالتراجع والبيتين الأخيرين اللذين يمثلان المجابهة ،وهذا يقوى المعنى ويعضده كشأن كل مقابلة وتضاد و يبقى المتلقى فى حالة تنبه ويقظة ومشاركة . والقصيدة أيضا تمثل إطلالة معتبرة وإن تكن دفينة على فكرنا السلبى الموروث فى النظر إلى المرأة المطلوب منها أن تتقبل الإهمال والغم واغتيال مشاعرها وشماتة العذال والهجر دون ذنب أو جريرة وهى المرهفة ، أليست بإنسان ؟ إنها أفكار المجتمع الذكورى بمثالبها المناوئة لصحيح الدين العظيم الذى يكرم المرأة غاية التكريم فهى شقيقة الرجل ، والخطاب القرآنى موجه لهما / المؤمن – المؤمنة … إلخ دون تفرقة . و بالقصيدة أيضا إطلالة غير مباشرة على ما لحق فكر المرأة العربية من وعى و تقدم وتطور ( يجب على علماء الإجتماع والنفس والتربية والأنثروبولوجى … إلخ العرب العكوف على دراسة ذلك ) .
و عودة إلى البلاغة ؛ فكما أن الأبيات الأولى توهم بالتراجع والبيتين الأخيرين يؤكدان على المجابهة وفى ذلك مفارقة , فإن الإهداء وعنوان القصيدة لعلى مفارقة أيضا فالإهداء يمثل تفاؤلية والعنوان يمثل حيرة ولكن تشاء الشاعرة أن تختتم قصيدتها بالروح والآمال لتصافح نفوسنا بأصل الحياة ؛ الروح والآمال ولنردد معها عجز البيت الأخير :
“والروح تذكى عزمها الآمال . ”
تحية إعجاب لتغريد بو مرعى التى تذخر قصيدتها بأطايب أخرى غير التى ذكرنا .
صباح الورد للأحبة
🌾🌹🍂
ما حيلَتي!؟.
ما حيلَتي قدْ هَدّني الإهْمالُ
وَالوَصْلُ صَعْبٌ وَالهَوى قَتّالُ
قلْبي الشّغوفُ مِنَ الغرامِ أصابَهُ
غَمٌّ بِهِ يَسْتأنِسُ العُذّالُ
لَمْ أبْتَعِدْ يا عاذِلِيّ وَلَمْ أمِلْ
لَكِنّ مَن أحْبَبْتُهُمْ قدْ مالوا
سَكَنَتْ مَشاعِرُهُمْ بِقلْبٍ مُرْهَفٍ
وَأنا الحَزينُ مَشاعِري تُغتالُ
لَن أسْتَكينَ وَلَن أسَلّمَ رايَتي
حَتّى وَلَوْ لاقتْنِيَ الأهْوالُ
أشواقِيَ الحَرّى تؤجّجُ هِمّتي
والرّوحُ تُذكي عزمَها الآمالُ
بقلم تغريد بو مرعي
Discussion about this post