Views: 7
في الذِّكرى الثَّالثةِ للرَّحيل /القامشلي ٢٠١٩/٦/٣
رسالةٌ إلى يوسف
حبيبي يوسف:
أنا منذُ عيدِ الأمِّ، أجاهدُ في ساحاتِ الصَّبرِ، كي لا أنكِسَ
رايةَ اشتياقي، وأبكي.
مرَّ عيدُ الأمِّ بِسلامٍ، وظننتُ أنَّني انتصرتُ!
جاءَ عيدُ الفطرِ، فتذكَّرتُ أنَّكَ رحلتَ، وكنتَ الوحيدَ الَّذي لم أشترِ لهُ ثيابَا جديدةً، فعاودتُ جَلدَ ذاتي، وعاودتُ جِهادي، وظننتُ أيضًا أنَّني انتصرت!
لكنْ.. لِلشَّوقِ سطوتُهُ، ولِلحنينِ.. قسوتُهُ
ولِلثُّكلِ لوعتُهُ.. ولِلوجعِ قصَّتُهُ..
فكيفَ أصمدُ حينَ يجيءُ يومُ الحادثةِ المشؤومةِ
في الخامسِ والعشرينِ من أيَّارَ، وأظلُّ مُتماسِكةً؟
اليومُ المؤلمُ بالنِّسبةِ لي، والأقسى على روحي
من يومِ وفاتِكَ.
في ذِكرى ذاكَ اليومِ أعلنتُ انهزامي أمامَ جيشٍ ضخمٍ من الوجعِ اجتاحَ معاقلَ روحي، ودمَّرَ كُلَّ قلعةِ صمودٍ بَنَيتُها، ليقولَ لي:
هُراءٌ حجبُ الدَّمعِ.. هُراءٌ حجبُ الحُزنِ!
فأجهشتُ في نوبةِ بكاءٍ مريرةٍ.
نعم، أنا تلكَ الَّتي أينما حلَّتْ، دعتْ إلى الفرَحِ
وأنَّى رآني، ولا يعرفُ قصَّتي، إذمَا عرِفَها يقولُ:
هنيئًا لكِ صبرُكِ، وإيمانُكِ، واحتِسابُكِ
لا يبدو عليكِ أنَّكِ تحملينَ كُلَّ هذا الوجعِ!
حبيبي يوسف:
يفترضُ كثيرونَ أنَّ الأمَّ الثَّكلى ينبغي أنْ تخرجَ مُشعَّثةَ الشَّعرِ، سوداءَ اللباسِ، فوضويَّةَ الهيئةِ، بوجهٍ شاحبٍ، وعينَينِ متورِّمَتينِ، وأظافرَ غيرَ مُقلَّمةٍ، وربَّما برائحةٍ كريهةٍ كي تستحقَّ لقبَ (الأمِّ المفجوعةِ)!
أمَّا من تعتني بنفسِها، وتظلُّ مشرقةً رغمَ عتمةِ آلامِها، فهيَ أمٌّ لا مُباليةَ بفقيدِها، وغيرُ حزينةٍ عليهِ!
حبيبي يوسف:
علَّمَتني فجيعتي أنَّ العُراةَ منَ الإنسانيَّةِ
لَن يرَوا ثوبَ حزنيَ الشَّفًّافَ!
علَّمَتني فجيعتي أنَّ النُّبلاءَ نادِرونَ جدًّا
فوحدَهم من يسمعونَ أنينَ روحي، رغمَ أنَّني أبتسمُ.
ووحدَهم يسبرونَ عينيَّ، فيستخرجونَ لآلئَ دمعٍ مخبَّأةً
ويشمُّونَ حزنَ قلبي عن بُعدِ ألفِ وجعٍ.
حبيبي يوسف..
كلَّ ذِكرى وفاةٍ.. وأنتَ حَيٌّ في قلبي، وروحي.
أمُّك الصَّابرة
Discussion about this post