Views: 4
ننتظر توقيعه دوما، لأنه بمثابة إعلان نهاية ورشة صغيرة، وتقييم لا يقتصر على مابُني فيها؛ بل وآراء كل المقيمين لها، فيتحول كل منشور إلى درس متكامل بتطبيقاته العملية للكاتب والمعلقين معا….
وكل ذلك بمنهجية تعودناها منه بعيدة كل البعد عن حظوظ النفس أو روح الشللية أو التلميع لشخصية، وهذا فعلا ماقلّ وجوده في عالم الأدب الذي أصابته عدوى المحسوبيات إلا من رحم ربي
الأستاذ القدير محسن الطوخي أعرفه لا يحب الإطراء، وفي الحقيقة أنا كهاوية حرف لا أكثر، وبعيدة جدا عن تصنيف كاتبة، أقل من أن أقيم قامة مثله، لكنني وبما أنني ولجت هذا العالم الأزرق بروح معلمة (لم تغادرني وإن غادرتها)
أحب الإضاءة ولو قليلا على أولئك الذين يهربون منها إلى أقاصي العطاء حتى نكران الذات ..
هذا المعلم استطاع وباقتدار وضع واحة القصة القصيرة على خارطة الثقة قبل النجاح …
يتنفس فيها الأدب هواء نقيا خالصا من كل عوادم الهوى والتبعية والشللية
تحيتي والياسمين للصديق والأب والأستاذ الجليل ولشمس الواحة منال خطاب ولكل مسؤولي الواحة، الذين تعلموا كيف يكترثون للشعلة غير عابئين بما ذاب على أطراف الهيكل.
وفي الختام شكر لكل رواد الواحة الذين يثرون فقراتها بروافد من علمهم وذوقهم وذائقتهم.
والآن أشعر أنني تكلمت كثيرا، وحرمتكم من مباشرة حروف أستاذنا وتعقيبه الختامي على القصة :
………………………
أهاجت منى عز الدين بنصها المشاعر، نقرت على الوتر الحساس لكل عربي مهان بالتشريد خارج وطنه في الزمن الرديء. أينما وليت وجهك تجد العربي لاجئا في أرض لا يعرفها، ولا تعرفه. وهذا يفسر حجم التعاطي من الأصدقاء اللذين يعاني معظمهم مأساة مشابهة.
فكلنا لاجئون، إما داخل أوطاننا، أو خارجها.
الكتابة عن التجارب الآنية محفوفة بالمزالق. تحتاج التجربة الإنسانية لكي تتحول إلى عمل أدبي إلى فاصل زمني. فالكتابة في زمن الحدث يغلب عليها الانفعال والعاطفة. وهذه العاطفة الجياشة التي صبغت مفاصل القصة مثلت اهم الملاحظات التي تكررت في ملاحظات الأصدقاء. بالإضافة إلى ملاحظة طغيان الصورة على المشهد القصصي على حساب الحدث. وهي ملاحظة انتبهت إليها الأستاذة زهرة في رصدها لمعجم اللغوي الذي استخدمته، وطوعته بمهارة ووعي منى عز الدين لكي يحشد الصور بحمولات إضافية مكنها من نقل التجربة بتكثيف عال، دون أن ينتقص من تأثيرها، ودون أن تقع في أسر الاستاتيكية والجمود.
وقد دفعني هذ إلى رصد إحصائي للكلمات والجمل والأفعال يتبين منه الآتي:
– إجمالي كلمات القصة: ٢٠٥ كلمة.
– عدد جمل السرد : ٥٨ جملة
– عدد الأفعال ٣٦ فعلا. منها ١٦ فعلا تعبر عن حركة ملموسة في المكان والزمان.
( شقت، لمست، ضبطت، تناثر، حتت، انحشرت، بدأنا، يتربص، حطت، تناثرنا، فرشها، يزوي، يسيل، يحمر، تقشف، يدق، تنتفض، بدوا، تجمعت، يبست، رافق، خصصه، اجتمعنا، تغطت، نتحسس، ندفع، يجود، فتكسر، تستعصي، تنتفخ، تحمر، تتخذ، ننتهي، مر، تأملت، سنعود. ).
تتوزع الأفعال زمنيا كالآتي:
– عشرون فعلا في الزمن الماضي.
– خمسة عشر فعلا في زمن المضارع.
– فعلا واحدا في زمن المستقبل.
ماذا يمكننا استنتاجه من هذا الرصد الإحصائي؟
١- بتوزيع اجمالي عدد الكلمات على عدد جمل النص، يكون متوسط عدد كلمات الجملة الواحدة أربع كلمات.
وهذا مايعكس الأثر العام الذي يلمسه القارىء في سرعة الانتقال من مشهد إلى آخر، والإيقاع العام الذي يخلو تماما من التلكؤ والوقفات المجانية التي تسم النصوص الوصفية.
٢- بمقارنة عدد الأفعال بعدد الجمل، يتبين أن أكثر من نصف جمل النص تبدا بفعل. وهذا ماجعل القصة تكتسب حركة ملموسة في الزمان، والمكان رغم الطبيعة الوصفية التي ميزت المشاهد. فالمشاهد تتدافع في انتقالات مدروسة مابين زمن الماضي وزمن المضارع الذي يعبر عن الحاضر. وتنتهي بالفعل الوحيد الذي ورد في المستقبل ” سنعود.. “.
قالت الأستاذة منى في إحدى مداخلاتها ماقد يفهم منه ان القصة الحديثة تخلت عن الحدث، وصارت الصورة فيها هي الوسيلة للتعبير عن التجربة. …
“.. بالنسبة للوصف ..تعرف أن الحدث لم يعد له الصدارة في القصة الحديثة فقد تحل المشاهد التي يرسمها الكاتب في المقدمة ويتوارى الحدث خلف غلالتها الرقيقة… ” انتهي كلام الأستاذة.
ويعد كلامها صحيحا إلى حد كبير، تثبته قصتها محل نقاشنا. فالمشاهد السريعة بجملها القصيرة، وغلبة الأفعال على تلك المشاهد تعد تقنية مناسبة، تم استخدامها بمهارة لبسط حدث متطور عبر زمن وإن طال فقد اختزلته الكاتبة عبر الفلاش باك إلى لحظة أحيت فيها صرخة السيدة سيل من ذكريات الساردة.
لن تستغني القصة القصيرة الحديثة عن الحدث، لكنها ستطور على الدوام طرق المعالجة، وأساليب السرد.
تحياتي وتقديري لإبداعك أستاذة منى.
وتحياتي وتقديري لأصدقائي، وأساتذتي الذين سجلوا انطباعاتهم، وتناولهم للقصة، وهي لعمري قراءات حوت الكثير من المتعة، وبذل فيها الكثير من الجهد. فتحية لكم جميعا على وجودكم الذي يثري الفعالية، ويمنحها الكثير من الألق.
وتحية تقدير لصديقتي الأستاذة منال خطاب التي لم تمنعها أعباء الشهر الفضيل من اتحافنا بهذا الجهد الجاد، والجميل. لقد أشفقت عليها في بداية الشهر الفضيل ، فعرضت عليها تأجيل قصة الشهر. لكنها أصرت على الاستمرار. بارك الله لها في صحتها، وكلل جهودها بما يليق بها من جزاء.
………………
………………..
النص:
=====وين بدنا نروح …؟
قصة قصيرة / منى عز الدين
==================
شقّت صرختُها جلباب المخيّم المهترئ و الفضاء وصدري.
لمستُ قلبي المرتعش على تواتر نبضه، ضبطت الرّوح؛ ستستيقظ رقصة الموت هناك…
_لا نملك الوقت، بسرعة إلى السّيّارة …يومان فقط ونعود
_وجبةٌ ثانيةٌ للأولاد فقط!
_ بسرع…
تناثر الصّوت مع الحصى والأتربة، حتّت ريح القذائف البيوت وإرادَتنا، انحشرت خطواتنا في الرّكام مجاهدةً لمسابقة الحرائق حتى السّيّارة، وهناك بدأنا أخرى مع الموت الذي يتربّص في منحنيات الطّرق.
_إلى أين سنذهب؟!
_لا أعرف…
حطّت بنا الرّحال في بلدةٍ مجاورةٍ آمنةٍ. تناثرنا في طرقاتٍ فرشها الجليد. بردٌ يزوي الوجوه، يسيل الأنوف، يحجر العيون. صقيعٌ يقشف الأبدان، يدقّ مساميره في الأعضاء، فتنتفض الأحشاء.
لم أعد أسمع بكاء صغاري؛ بدوا كالتّماثيل، تجمّدت الدّموع في المآق، ويبست الأشداق.
سكونٌ كالموت رافق خطواتنا المرتجفة الباحثة عن مأوى.
في بيتٍ كبيرٍ، كان قد خصّصه أصحابه للتّصييف، اجتمعنا مع عائلاتنا، تغطّت أرضه الجرداء بأجسادنا وأقاربنا…
في الظّلام نتحسّس أيّ قطعة قماش، أيّ بساطٍ، أيّ وسيلةٍ ندفع عنهم بها لحاف البرد. لا ماء، لا كهرباء، لا كلمةً يجود بها الّلسان فتكسر الوجوم. لا أدري أهو وجوم الحزن، أم الخوف، أم التّرقب، أم كلُّ ما سبق.
كلّ صباحٍ نكسر الجليد في البحيرة، ونكسر ضلعاً في الأمل، وتستعصي أضلاع الإرادة واالعزم، تنتفخ الأيدي، تحمرّ، تتخدّر حتى ننتهي من الغسل ..
مرّ يومان… شهران… سنةٌ… سنتان …
مرّ زوجي مهاجراً أيضاً.
مرّت الأيّام بعده …
مرّت على حوافّ الانتظار، انتظار الفرج، انتظارٌ لمّ الشّمل؛ انتظارٌ مبهمٌ ختمته تأشيرة سفر .. .
على باب المطار تأمّلت صورة بيتي الذي لم أودّعه، قبّلتها قائلة:
“سنعود بعد يومين”.===
Discussion about this post