Views: 7
بطاقة تعريفية بكتاب
(بين نزف وعزف – للأديب رائد العمري)
المحرر الثقافي. محمد فتحي المقداد
صدر حديثًا كتاب (بين نزف وعزف) للأديب (رائد العمري)، وهو عبارة من مجموعة قصة قصيرة جداً. تتراوح بعزفها بين القص والخاطر، جمعت بينهما بطريقة جميلة متآلفة حدّ الصعوبة بالتفريق بينهما.
الميدان الاجتماعي هو ساحة نصوص الكتاب بمجملها، وبذلك تحمل هوية “الواقعيّة الاجتماعيّة”، وهو الميدان الأوسع الذي نهلت منه النصوص الفكرية والأدبيَّة. جميع نصوص الكتاب جاءت على لسانهم البطل الموازي وهو “الكاتب العليم”، حيث كان له الدور الأبرز في سرديته، وما يظهر للقارئ.
وبالتوقف في رحاب عتبة العنوان المُفصِحَة عن منحى إشكالي، وحسب ما ورد في مقدمة المجموعة بقلم المؤلف: (ولأننا أصبحنا المختلفينَ عَمَّن هُم حَولنا بعدَ خَلعِهم لثوب الأصالة ، ولأنّ عَزفَنا صَارَ غيرَ مَقبولٍ عِندَ أَهْلِ النفاق والهجين من الألحان ، فلم نَستَطِع أن نتعلم ولو درسًا واحدًا في النفاق تحتَ مُسمّى المُجاملة والسياسة أَمَّا هُم فَقَد فَقَؤوا عين الحقيقة، وجعلوها تَنزِف كما قلوبنا فما كان من القلم إلا أن يذرف من الحرفِ أصدقة).
وبين النزف والعزف ظرف مزدوج بدلالة الزمان والمكان، والنزف من لوازم الجرح والدم بأدوات حادة أو مجازية كما هي في النصوص الأدبية، والنزف تلتحق به الدُّموع والآلام والأحزان مدايات طويلة ربما تستغرق الحياة بأكملها للشخص وللجماعات البشرية.
والعتب والمُلامة لمن يعزفون على جراحات الآخرين بأنغامهم النّشاز، مبتعدين عن إنسانيتهم العطوفة والرؤوفة والرّفيقة، ليبدون وكأنهم أشباح بطبيعتها السوداء.
وبين هذين المعنيين تكمن إشكاليَّة العنوان بمفارقته الانزياحيّة بمعانيه المُتضادّة، ممّا يفتح أمام القارئ آفاق التأمّل والتأويل.
الصفحات الأخيرة من المجموعة احتوت مجموعة من التواقيع الأدبية، المتحورة حول فكرة التّضاد بالفعل والفعل المُضادّ، لإحداث المفارقة الدهشة، ولتفتح شهية التأويل عند القارئ، وجميع هذه الومضات جاءت بصيغة الماضي، ولماذا التأكيد على الماضي، مع وجود الحالة نفسها الآن، والتي كانت ماضيًا فيما سبق، بل إنّما هي استمرار الحالة للمقارنة ومحاولة الاستفادة من دروس الماضي والعبر والعظات.
وبتتبع كلمات العناوين(جاهلة. فاتنة. عاقر) بدلالتها المباشرة تقال بصيغتها هذه للنساء، وفيها تأشير مباشر باتجاه المرأة، وتثبيت ذلك من خلال تاء التأنيث السّاكنة.
بالانتقال لطائفة أخرى من العناوين، ذات الدلالة غير المباشرة، إنما بإفادة المعنى للتعبير عن الحالة المعنويَّة: (قلوب. جحود. وفاء. شوق. هوى. خيانة. هيام. سراب)، جميعها تشير إلى الأطباع البشرية المُتقلّبة بين السموّ والتسامي، وبين الانحدار باتجاهات أخرى.
امّا ذات العناوين الوطنية، فهي بمحتويات فكرية مختلفة: (مُتلوّنين. غريب، ثقافة. دنيا. إلهام. حُر. جنون. سراب. نفوس).وهناك نافذة العناوين المفتوحة على احتمالات التأويل على أكثر من وجه: (فنان. سراب).
وبالتوقّف مع نصّ “فوضى مشاعر” : فمن رؤيتي هو نص اجتماعي تربوي، متمحور حول صراع المشاعر والأحاسيس تتارجح بين واجب الأبوّة وتربية الأبناء، مع ملاحظة تغير الزمان وتشتت المشاعر والمفاهيم بين زمنين، وجيلين مختلفين بكل شيء.
ومع نص “مصالح” نتوقّف في رحاب الحكمة للتأمّل، ففيه تتجلّى دروس الحكمة، والمقارنة بين الحال الحاضرة مع صديقه، المتزاوجة مع قصة العجوز صاحبة الحمار، وجارها الذي يتجاهلها على الدّوام، لكن عند حاجته باستعارة حمارها، يعود للسلام والكلام معها.
والكتاب بمجمله لوحات كتابيّة، تعيد تدوير الواقع أدبيًّا، لما فيها من تسليط الضوء على الزوايا المعتمة في المحيط الاجتماعي، وللتبصير والتحذير من المخاطر والتحديات، وللتشجيع على القيم الإيجابيّة في جميع الاتّجاهات، وكلّ ذلك في سبيل الإصلاح المنشود من أهل الفكر والثقافة. هذه هي السمات العامّة والالتقاطات السّريعة التي تحصّلت عليها. أخيرًا سواء اختلفنا برؤية النصوص مع الكاتب أو اتّفقنا؛ فالنصوص بلا شكٍّ تحمل مضامينها المُثقلة برؤاها الناقدة، النّافذة. خارفة الحُجُب لإفساح المجال للتفكير.
عمّان. الأردن
١٠/ ١/ ٢٠٢٣
Discussion about this post