Views: 1
اعترافات رجل شرقي
/خيبة غزوة الشام/
كان الزمان لا يشبه هذا الزمان ؛ في معظم الأمور هو مختلف ؛ وليته استمر ولم نصل إلى زمن لا يشبهه .
حينها كنت في بداية عمر الشباب ؛ وطبعا لم تخل أيامي من طيش الشباب المعتادة لكنها بكل تأكيد ليست ك طيش شباب هذه الأيام ؛ عندما بدأ العام الدراسي الجديد وأنا في الصف الثالث الثانوي أي هذه السنة لدي شهادة ( البكالوريا) وهي بالنسبة لأهل الأرياف تعادل دكتوراة وربما أكثر .
لم يتركني الطيش كي أثابر كما ينبغي فكان الجميع يتوقعون ألا أنفذ من هذه الورطة ؛ لكن وبقدرة خارقة استطعت عبور الحاجز الصعب بعد تحد كبير مع من حولي وأولهم أهلي ورفاقي وغيرهم .
لكن حصولي على ( البكالوريا) كان بمثابة ورطة حقيقية ؛ فالدرجات التي حصلت عليها لم تؤهلني إلا لدخول سوى أحد اختصاصين ( اللغة العربية أو اللغة الإنجليزية) وعدا ذلك فهو خارج إطار التفكير .
وعلى الرغم من حبي للغة العربية إلا أني لم أرغب في دراستها ؛ وعلى رغم نبوغي في اللغة الإنجليزية فقد وضعتها في الثلاجة إلى إشعار آخر .
هنا كان لابد من تغيير التفكير ؛ كانت دمشق بالنسبة لي بمثابة رحلة سفر ؛ وكان الحضور إليها كمن يذهب في هذا الزمن إلى باريس ؛ لكني قررت الولوج إلى هذا العالم ولو لوحدي ؛ لكن شاءت الأقدار أن أجد مرافقا لي في رحلة البحث الشامي .
دخلنا إلى أحد مكاتب الدراسة الذي عرض علينا ما لديه من جامعات عربية وأجنبية ؛ وشرح أثمان الدراسة في هذه الدول ؛ كنت حينها أرغب بدراسة الطب البشري الذي كان محببا ومرغوبا إلى نفسي أكثر من أي اختصاص آخر .
الدراسة في جامعة موسكو بكلفة خمسة عشر ألف ليرة سورية تشمل كل شيء ؛ استبشرت خيرا بهذا العرض المغري جدا وقلت في قرارة نفسي ( ربما بات حلمي قيد التنفس) .
عدت أدراجي إلى القرية وأنا أحمل كل أمنياتي ومستقبلي في ذاكرة غضة يافعة ( لا لن يمانع أحد في سفري إلى موسكو لإكمال دراستي الجامعية وحصولي على شهادة الطب البشري) هكذا كنت أقول وأنا في طريق تحفه الأشجار من كل حدب وصوب إلى أن حطت الرحلة منتهاها في منزلنا الريفي الجميل .
لم انتظر طويلا حتى أخبر أهلي بما توصلت إليه من قرار ؛ صمت الجميع لحين ؛ ثم بدء نقاش حاد ؛ البعض يساند الفكرة والآخر متردد والبعض الأخير يرفض بشدة ويندد .
قال أخي الأكبر الذي كان ذا حظوة عند والداي وإخوتي: هل تريد أن تذهب إلى موسكو كي ( ……. ) ونحن نعمل كي ندفع لك ثمن ( ……… ) !!! …
ثارت الثائرة ؛ أرعدت السماء ؛ عصفت الرياح دون هوادة ؛ جاء القرار النهائي : ( لا سفر ؛ عليك بالعمل معنا في الأرض) ؛ ذهب الطب البشري مع الريح .
رضخت للقرار إلى حين ؛ فخيبة أولى تكفي بعد غزوة الشام .
وليد.ع.العايش
١٥ / ١ / ٢٠٢٣ م
Discussion about this post