Views: 0
لقاء مع الشاعر الدكتور محمد حسن أبو النصر
رئيس الاتحاد الدولي للكتاب العرب
أجرى اللقاء: الدكتور محمد محمود أسعد
مستشار ثقافي الاتحاد الدولي للكتاب العرب
بمناسبة اليوم العالمي للشعر الذي يصادف لـــ 21 مارس/ آذار من كل عام، ومن خلال هذه المنصة الإعلامية (مجلة الاتحاد)، يسعدني أن أجري هذا اللقاء الودي مع شخصية اجتماعية شامخة وقامة أدبية سامقة تُرفع لها القبعة في كل حين ويُشار إليها بالبنان في كل ميدان..
بلقاء اليوم أدعوكم قراء هذا العدد المميز بمحبة للتعرف معي أكثر على أنموذج حقيقي للإنسان بحلمه، بتواضعه، بصدقه، بشجاعته، بغيرته على دينه ومجتمعه، بجرأته على قول الحق مهما كانت عواقبه.. أدعوكم للقرب أكثر من هذا الجبل البشري الأشم، ابن الأردن الشامخ، ابن العادات العربية والتقاليد الأصيلة، الذهب العتيق والمتجدد، صاحب اليد البيضاء الممدودة للجميع، الثائر في وجه رزايا العصر، الخلوق المتواضع، صاحب الكلمة والفصل، سمحِ القلب، واسع الصدر، كبير الهمة، طيب النفس تجاه كل من حوله، الماقت الشديد للكذب والرياء. أدعوكم للتعرف معي أكثر على مجموعة إنسان قبل أن يكون شاعراً مرهفا وكاتباً محترفاً كان له الدور الرئيس والمبكر في تأسيس أحد أهم الصروح الأدبية الهادفة لنشر “الكلمة الطيبة والمحبة والسلام” في داخل العالم العربي وخارجه_ الاتحاد الدولي للكتاب العرب_ وذلك من خلال وعيه الكبير بأن رسالة الأدب والفن ليست مجرد ترف فكري بقدر ما هي جسر حضاري تجعل من هذا الصرح قبلة للأدباء العرب ومقصداً لأهل الفكر والإبداع أينما كانوا في مغارب الأرض ومشارقها.. إنه بلا ريب: أديبنا القدير وأستاذنا الكبير معالي السفير الدولي الدكتور محمد حسن أبو النصر.. رئيس ومؤسس الاتحاد الدولي للكتاب العرب، ومؤسس الأكاديمية الدولية للكتّاب والمفكرين المثقفين العرب، الحاصل على درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة بيروت العربية 1997، بالإضافة لثلاث شهادات دبلوم في علم النفس التربوي والتأهيل التربوي وقراءة الجسد من الأردن ولبنان وبريطانيا، ودرجة الدكتوراه في العلاقات الدولية والدبلوماسية من جامعة هيوستن الأمريكية، وشهادة أخرى مماثلة من المؤسسة الدولية للتدريب والاستشارات من جمهورية مصر العربية، وشهادة دكتوراه فخرية في الإعلام الحديث من جامعة هارفارد. والحاصل على العديد من الشهادات الدولية، وصاحب المشاركات الفعّالة في منصات الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. والمشاركات الأدبية والحوارية والسجالات الشعرية المحلية والدولية واللقاءات والحوارات على منصتي زووم وجوجل ميتنج مع العديد من الشعراء والشاعرات على المستوى الدولي.
نعم.. كل هذا ولم يحنِ لضيفنا العزيز الدكتور محمد ظهرا ولم يُفتر له همة بل بقي ماضياً في طريقه للتميز، فلما لا وهو الذي حصل في عام 2020 على لقب “من أفضل 500 شخصية ثقافية ومؤثرة في المجتمعات” في موسوعة جينيس للأرقام العالمية، وهو الدارس المواظب حالياً في اكثر من جامعة عن طريق الإنترنت و الانتساب في مجالات القانون الدولي و الإعلام الحديث و التنمية المستدامة والعلاقات الدولية ، وهو المستمر والمستمتع بدراسته عن بعد في جامعة هارفارد لنيل الدكتوراه في التنمية المستدامة، وهو المتحفز لحدث قادم رفيع المستوى بالمنتدى السياسي لعام 2023 حول التنمية المستدامة (HLPF) تحت رعاية المجلس الاقتصادي A Special Event of the 2023 High-level Political Forum on Sustainable Development (HLPF) under the auspices of ECOSOC.
حقاً، كل ما سلف ذكره من ثراء معرفي لم يجعل من شاعرنا الدكتور محمد حسن أبو النصر.. إلا قريباً لكل قلب، ومُحسناً بدون طلب، وجبلاً بشرياً صامداً لا تلويه رياح النفاق والتدليس، وهادئاً مسالماً بغير انقطاع، وكارهاً للتحايل والكذب وغاضبا من فاعليه أشد الغضب، وشهما ماجدا كريم خلق، وذا هيبة ووقار، ففي طبعه يميل إلى الجدية أكثر من أن يكون بسّاماً ضحوك السن، لا يتحمل أي أمر مشين مناف للأعراف لكنه لا يُشاجر بل يكتفي بإشاحة الوجه مستنكراً مستاء.
.
على عجالة أفتتح حديثي مع ضيفنا لهذا العدد وأتوجه إليه بأسئلتي التالية كي نسعد معاً من خلال إجاباتها بمعرفة المزيد من الجوانب الإنسانية والأدبية التي تذخر بها شخصية الدكتور محمد..
1) لعلنا نبدأ بنبذة مختصرة عن أعمالكم وكتابتكم الأدبية دكتورنا الأديب؟
يمكنني القول إنني بدأت فعلياً بكتابة الشعر بأنواعه بعام 1994 بعدما شجعني على متابعة كتابته بعض الشعراء كالأديب الشاعر د. راشد عيسى بعد اطّلاعه على بعض من أعمالي، خاصة بعد ما فازت أول قصيدة لي في كلية الآداب جامعة بيروت وكانت باسم “ردي خصامك” وهي التي كانت لي حجر الأساس التي خلقت مني شاعراً كما قيل.
استجابة لتشجيع الكثيرين من الشعراء والشاعرات الذين اعتز بمعرفتهم وآرائهم ومن كثرة إلحاحهم عليّ.. حدا بي أن أجمع أعمالي وأدققها والتي وصلت حتى الآن إلى ما يزيد عن (1450) قصيدة ونص. تم تدقيق 400 منها وجُمعت في أربعة دواوين قيد الطباعة و هي كالآتي 1- تمتمات ،2- شفاه الارتباك ، 3- المحدودب، 4- مُسجّى بمهد الروح. أما باقي القصائد ما زالت بالتدقيق وحسب وعود المدققين ستكون جاهزة للطباعة في الربع الأخير من هذا العام وستكون بدواوين ثمانية. بمجموع إجمالي يصل لاثني عشر ديوانا إن شاء الله. حيث أنني أفكر الآن بتسميتها بما يتناسب وكل مجموعة منها.
2) يقولون إن الشعر مرآة عصر الشاعر، فأين الوطن والتاريخ في أشعار شاعرنا وكاتبنا القدير الدكتور محمد؟
صدقوا بما قالوا.. فالوطن والتاريخ في أشعاري هما فلسفة المحبة. فالوطن حب والتاريخ استنباط الماضي بالحكمة.. ولو ربطنا الحب بالحكمة لخرجنا بفلسفة جميلة وهي المحبة الجمعوية النقية والطاهرة لوجه الله.
أليس الله محبة؟ ألم يأمرنا الله بإفشاء السلام والمحبة وبأن نتحاب في الله لنكون خيرَ أمة أُخرجت للناس؟!
فالوطن هو التاريخ ومنهما نستقي الدين والقومية والهوية، وكل هذا محبة.
3) من المعروف أن الكتابة عذاب معرفي وتأملي ومعانقة لروح الأشياء والموجودات، هل ينطبق هذا برأيكم على الشعر كونه ضرباً من ضروب الأدب، هل صحيح أن الكتابة أولا وأخيراً شقاء سواء بالحصول عليها أو الإدلاء بها؟
نعم الكتابة عذاب معرفي ولكن ليس لكل الكتّاب لان الأمر متفاوت سواء من كاتب لكاتب أو من بقعة ارض لأخرى وحتى من جنس أدبي لآخر.
لكن بالنسبة للشعر فهي عذاب مطبق إذا كان الشاعر صادقا برسالته وليس متقمصاً وناظماً للشعر.
فمن الكُتّاب من يكتب لأن هذه فطرته وهذا كاتب يُعاني وسيشقى من أجل إيصال ما يعانيه للآخرين.. أو بإيصال هموم الواقع والمجتمع لأكبر شريحة ممكنة. ومنهم من أخذ من الكتابة مكسباً مادياً فلا يهتم إلا بكيفية جمع المادة من خلال شعر المناسبات و المدح وغيرها.
وأنا لا أنتقد أياً منهم بالطبع فلكل كاتب وضعه الخاص.
4) هل برأيكم ثمة فجوة قابعة بين أنماط الشعر، حديثه وقديمه، كيف يرى الدكتور محمد أنماط الشعر القديم خاصة إن عرفنا أن معظم كتاباته بالنمط الحديث الذي سعى إليه الكثيرون من شعراء اليوم؟
نعم هناك فجوة كبيرة بين أنماط الشعر و للأسف هذا أعزيه لغرور كلا المدرستين، فأهل المدرسة القديمة لا يعترفون بالشعر الحداثي، وأهل المدرسة الحداثية ينعتون الآخرين بعدم التطور. وهنا تقع المشكلة.
علما بأن اللغة واحدة ولو اختلفت طريقة سردها أو تناولها من نمط لنمط. فمثلا بالنسبة لأهل المدرسة القديمة (الشعر العمودي) هناك من يكتب بإبداع وجمال وصور بلاغية رائعة ووزن عروضي منسق متقن لا عيب فيه، وهناك من يكتب الوزن العروضي المتقن بدون عيوب ولكن أشعاره تفتقر للصور والإبداع. وهذه فجوة بحد ذاتها بين أهل نفس المدرسة (فكلاهما شاعر وناظم).
وأهل المدرسة الحداثية للأسف معظم الكتّاب لا يميزون بين الأجناس الأدبية الحديثة ويعتقدون رصف الكلمات شعراً، دون معرفة النثرية من التفعيلة أو الخاطرة من القصة القصيرة.. إلى غيرها من الأجناس وهنا أيضا فجوة عميقة بين أهل نفس المدرسة.
والمظلوم الوحيد هنا هو اللغة والأدب.
بالنسبة لي أنا مع كليهما.. فأساس الشعر عند العرب هو بحور الشعر المعروفة ولكن مع تطور الزمن وقدرة اللغة على الولادة والإعجاز لا بد أن نتطور ونضاهي باقي الآداب على الساحة العالمية، ولذلك أنادي بالحداثة ولكن دون إهمال القديم. إنما الاعتزاز به واعتناقه من وقت لآخر واستخدام كلماته التي كادت أن تنقرض (الكلمات المعجمية) فاللغة بحاجة منا إلى إحيائها.
5) في الفن بشكل عام ليس هناك مهم وليس هناك أقل أهمية، فمن المعروف أن الإجادة هي المحك الحقيقي للحكم على العمل الإبداعي، كثيرون من الأدباء لا تحمل لهم ذاكرة القراء والمتابعين سوى عمل أو قصيدة واحدة، فما هي تلك القصيدة عند شاعرنا الدكتور محمد التي يرشحها لتلك المكانة، ولماذا؟
الحقيقة عندي قصيدتين واحدة مقفاه والسبب هي أول ما كتبت من الشعر لمناسبة جميلة بحياتي وهي بعنوان “ردي خصامك”:
ردّي خصامك قد كفاك ملامي
ليس الهوى بإرادتي كالرّامي
يا من ترومين العتاب ترفّقي
إنّ الهوى قدرٌ منَ العلّامِ
إن كان سهمك قد أصاب جوانحي
فلمَ العتاب وقسوة اللّوامِ
فالصّبح لو يمضي بحبٍّ واصلٍ
بلغ الثّرى بمواطن الأجرام
والقلب لو يشكي حبيباً ظالماً
فعلى شهيد الحبّ ألف سلام
ظمآن يغلبني الحنان وينتشي
من نبع أوجاعي وفيضِ حِمامي
إن رمْت لي الحبّ الكتوم فإنّني
قيثارةٌ محبوسةُ الأنغامِ
وغدت أغاني الحبّ لحناً باكياً
وغدت خمائلنا بغير حَمام
محبوبتي وجعي عويل جنازةٍ
شيّعت فيها مهجتي وغرامي
محبوبتي، ألمي عويل قصيدةٍ
أرثي بها أشلاء قلبي الدّامي
وجمالك الخلّاب سحر غامض
واللّحظ في عينيك شبه سهام
أألوم نفسي لو نسيتك لحظةً؟
أم يبقى طيفك ماثلاً كالشّامِ
يا أنت يا رمز العطاء وتاجه
حيّرت كلّ مدارك الإفهام
هل أنت من بين الملائك آية
أم نفحة خُلقت بذي الإكرامِ
أفديك إن مسّتْ جناح بعوضة
خدّيك، أو من هبّة الأنسام
عاتبتني فنمتْ شجون خواطري
لم أشكُ من فتك السّهام الدّامي
ما أنت إلّا الوحي من إشراقه
شعري، ومن إبداعه إلهامي
فعشقت روحك عشق عبد خاشع
هل أنت إلّا كعبتي وإمامي
لولاك ما كانت لنفسي غاية
ولذقت كأس منيّتي بغرامي
وسيبقى قلبي فيك يصدح دائماً
وسط اللّيالي في هوىً بهيامِ
فاليوم أهديك القصيد يصوغه
قلبي، وليس صياغتي وكلامي.
وأما الثانية فهي من الشعر الحداثي وكتبتها بمناسبة مؤلمة جدا بحياتي.. (فقد ابنتي وزوجها وأولادها بحادثة سير بتاريخ 23/2/2022
وكانت بعنوان: “غيابك لعنة داخلي”
غيابك..
لعنةٌ في داخلي
تجلدني بسياط الحزن
فضاء عظيم يجثم
فوق روحي
أكتظّ به رغم الاتّساع
جمر نار تمترس تحت جلدي
كلّما هممت بتناسيك
يلسعني بلهيب اليقظة
غيابك دوامة من الأفكار
إعصار من الظّلام
يجتاح كياني
يضرب رأسي يغزو روحي
ولا أقوى على تفسيره
هو الفراغ..
عبثيّة الكون
هو سقوط المنطق..
فأنت أصل المعرفة
أنت الاستمراريّة
والجبر والعلوم التّطبيقيّة
وغيابك أسقط كلّ أركان العلم
وقواعد النّظريّة
غيابك ثقب أسود
يبتلع الوجوديّة
فآه من غيابك
كيف لي أن أكون
وأنا مجرّد رقم
بهذه الدّنيا الهلاميّة.
ذات زمن ضَحِكَت..
فأزهر الغصن ورداً
وحلّق السّنونو بالنّور
وأعلنت الفراشات
حضور ربيع العمر
فضحكتها
ناقوس براءة
تخلق الوجد بأركان الحضارة
صفصافة راسخة
اتّكأت ظلالها على دوحٍ
غمرته العنادل
بعذوبة التّغريد
وعزف قيثارة
من الزّمن الرّغيد
تخفي أحزاناً وأحزاناً
خافَ بسمة الثّغر
ورعشة الوتر
بدندنة يصدح بها الفجر
من قوت الجياع
وملاذ الضّياع
بنهر سرمديّ الشّعاع
أغرق عمراً دافق الإشراق
سامق النّبض والأسماع
ضحكتها كانت حياتي
فيها سكينة روحي
وغياب أنّاتي
والآن غابت ضحكتها
مع الأنفاس تلاشت واختفت
والجسد واهن عليل
والعمر همّ بالرّحيل.
أتكئ على حشرجات النّفس
أستمدّ منها وهن الحاضر
والرّوح بسراج قديم
ينير متاهات الهاوية
بحثت كثيراً عن الأمل
عن الرّجوع لآخر لحظة معها
فنبشت حدقات الزّمن
وكسّرت عقارب الوقت
ولكن لم أجدها
لعنت سباتي وضياعي
شتمت كهولتي المتعبة والتياعي
وصلبت شيطان وجودي
وخلعت عنّي كلّ الأمنيات والوعود
إلّا تلك الّتي أبحث عنها
أبقيتها هي فقط..
فلحظة من صدق مشاعرها
تكفي الكون بأكمله
والآن غابت.. ذهبت..
وغرق الكون بدوّامة الإفك
والصّدق ولّى
وها هو الكون يحتضر
إنّها حياةٌ ليس إلّا….
كلا القصيدتين شكلتا محورا بحياتي ومن بعد هذا المحور بقيت على ما أنا عليه، فالأولى خلقت عندي إرادة التحدي لنيل ما أحب، والأخرى خلقت عندي اليأس ولولا إيماني وثقتي بالله لكنت من المجانين لان الفقد كان عظيما.
أقول الحمد لله على كل شيء.
6) يرى بعض الباحثين بأن القصيدة الشعرية هي التي تكتب نفسها بنفسها وكل ما يفعله الشاعر وقت ميلاد قصيدته هو أن يدونها على ورق، ولئن صح هذا القول، هلا أخبرنا شاعرنا الدكتور محمد عن حالة النشوة الإبداعية التي يعيش فيها لحظات ميلاد قصيدة جديدة له؟
يُقال أن لكل شاعر شيطان وإن للشعر ميقات ووقت يأتي للشاعر وقد أصابوا بهذا نوعا ما.
بالنسبة لي لا أزكي نفسي عن الآخرين ولكن بمراحل متأخرة من السنة الماضية وحتى هذا الوقت وجدتني قادراً نوعا ما على استحضار ما أريد ساعة أريد ولحظتها. ربما أكون متوهما وربما تكون تلك هي اللحظة التي ما زالت مستمرة والتي خلّفتها مصيبة الفقد الأخيرة بحياتي.
أما عن وصف الحالة فأقول إنها تجليّات للروح وامتزاجها بطيف من فلسفة كونية تحمل بصمة قوية.. إرادة خلّاقة تجبرك على الإبداع والخلق ومزج الواقع بالخيال.. وأحيانا تجعل منك كيانا هلاميا تخوض بكل شيء حولك مثل أنسنة الأشياء وخلق روح لها تُحاكيها بالشعر والكلمات.
7) قيل إن الشعر ليس ضيفاً عادياً يطرق باب صاحبه بدون استئذان، وفي هذه الحالة لا يملك الشاعر إلا أن يستقبله برحابة صدر وبشاشة وجه كلقاء الأحباب بعد طول غياب وهجران، فهل شيء من هذا القبيل تعرض له شاعرنا الدكتور محمد خاصة في أوقات كان فيها بعيداً بعض الشيء عن الكتابة..؟
هذا سؤال شبيه نوع ما بما قبله..
الشعر ليس ضيفاً لمن وُهب المقدرة ليكون شاعرا. فالشاعر يُولد ولا يُصنع، ولا يمكن للشعر إن يغادر صاحبه حتى وان انشغل بأمور حياته بل سيدخل بها ويخلق منها ما يتناسب معه ليبقى موجودا. رغم كثرة انشغالاتي ومشاكلي الصحية التي تُعرَف عني فإنني ما زلت أرى نفسي اكتب واكتب.. ففي المشفى اكتب وفي الاتحاد منشغلا اكتب وأكاد اكتب بكل وقت. فمن عاش الشعر حقا لن يفارقه الشعر ابدأ.
8) دون شك إن الشعر العربي قد مَرّ في عدة مراحل أدت بالحال إلى تطوره، حتى وصل به الأمر لأن يتوافق مع روح العصر الذي يُقال فيه، لكن ثمة شعراء قلائل لم يتنكروا للتراث الشعري العريق رغم توافقهم مع روح العصر الأني، فأين مكانة الشاعر الدكتور محمد من هذا الأمر بشكل عام ومن الحداثة بشكل خاص؟
أجبت هذا السؤال سابقا بمقدمة الأسئلة وأكرر القول أن الشاعر حقا سواء كان حداثيا أو من المدرسة القديمة التي أعتز بها أيضا. عليه أن لا يتنكر لأي إبداع من شأنه الرقي بلغتنا و أدبنا بل العكس عليه أن يخلق من الإبداع سلاحا بلاغيا جماليا قويا بناءً وعروضا وصورا شعرية معاصرة نواجه به آداب هذا العصر التي غلبت أدبنا فصار في مراتب متدنية بهذا العصر والسبب هو خلافاتنا التي لا وجوب لها ، فكلنا أهل لسان واحد و لغتنا تسمو بملايين المعاني والصور، فلماذا لا نفتخر بها بإبداعاتنا وكلٌ من مدرسته وتوجهاته .
رغم إنني اكتب الحديث فإنني لست مع أي طرف ولكن اكتب لحبي للكتابة وسواء بالقديم أو الحديث مع اعترافي بأن القديم يقيدني بالمعاني و الصور لكنني احبه كثيرا.. واعترافي أيضا بأن الحديث يترك لي مساحات هائلة من القدرة على الخلق والإبداع.
هنا اسأل القديم والحديث سؤالا
هل أنتم يا أهل المدرسة القديمة قادرون على كتابة نص حداثي فيه من الصور والبلاغة والجمال والإبداع كما يكتبه أهل المدرسة الحداثية؟
و بنفس الوقت انتم يا أهل المدرسة الحداثية هل انتم قادرون على خلق قصيدة مقفاه بليغة جميلة مفعمة بالصور البلاغية والجمالية والمحسنات البدبعية كما يفعل أهل المدرسة القديمة؟
وأنا على يقين بأن كليهما عاجز عن فعل هذا. فلماذا الاختلاف؟
9) معظم شعراء الأمس واليوم طعّموا أشعارهم بالغزل والحنين والرثاء كونهم أجذب فنون الشعر لأنهم متوشحون بعاطفة الشاعر ووجدانه، فمثلاً الغزل إجمالا يدور على محورين اثنين لا ثالث لهما: التفنن في إظهار محاسن المرأة وإطراء جمالها، والتعبير عن الأثر الذي تتركه في نفس الشاعر، فالغزل يتباين بتباين عواطف الشاعر أكانت صادقة أم مصطنعة.. فأين المرأة والحنين في شعر الدكتور محمد؟
لا شك فيما قلته دكتور محمد وأؤيد كلامك وأكاد أجزم به.
أما بالنسبة لي فالمرأة هي قدس بالنسبة لي لا أجرؤ على المساس بعفتها كما يفعل البعض. فهي بالنسبة لي روح نقاء أغازلها بفلسفة الروح وطهارة المعاني. هي بالنسبة لي ليست مجرد جسد ووعاء شهواني بقدر ما هي ذات تسمو لأعلى مدارك الصفاء والتأله (فهي سُكنى الروح قبل سُكنى الجسد).
والحنين موجود عندي وبنفس درجة الحنين إن لم يكن أعظم من الباقين لأن حنين الروح أعظم من حنين الجسد. وإن ألبسته ثوب المادة والمحسوس بين قصيدة وأخرى ونص نثري وآخر .
ترجع الأمور كلها بالنهاية لقناعة الشاعر فيما يكتب ولمن يكتب والمغزى مما يكتب.
10) يتمركز محور لقاء الشاعر مع الوسط الاجتماعي بقصيدته الملقاة إما نشراً (دواوين مطبوعة، أو عبر وسائل إعلام) أو مشاركة بأمسيات شعرية والمحافل الاجتماعية، هل حدثنا الشاعر الدكتور محمد قليلا ًعن مشاركاته الأخيرة؟
نعم صحيح.
وأما بالنسبة لمشاركاتي فهي على كافة الأصعدة، ابدأ من المشاركات بمحافل على أرض الواقع حيث يُعتبر الأردن الآن محفلاً ثقافياً كبيراً وقد شاركت بعديد من الأمسيات واللقاءات الشعرية بل وكنت منظماً لمعظمها.
وأما بالنسبة للمشاركات الدولية وعلى منصات التواصل (ميتنج وزووم وغيرها) التي اشتهرت كثيرا منذ 2019 بسبب جائحة كورونا فقد نظمنا أكثر من أمسية ومؤتمر ومهرجان وبكثير من المناسبات على مستوى دولي وكان لي شرف الحضور بها ومع قامات كبيرة اعتز وافتخر بمشاركتها. بالإضافة لنشر الكثير من المقالات على المواقع هنا وهناك.
*
في نهاية هذا اللقاء لعلي أجزم أن الغوص في شخصية إنسانية وأدبية كشخصية شاعرنا الدكتور محمد المفعمة بالنضج والإحساس المرهف والروح الجميلة القريبة إلى كل قلب إنما كان مكسباً كبيراً لنا جميعاً كمتابعين وقراء لما أثرانا به من فائدة معرفية فكيف لا وضيفنا اليوم إنما هو أنموذج إنساني متواضع زيّنت رهافة كلماته رقيه الأخلاقي وثراؤه المعرفي التي لم تكن بحال من الأحوال إلا سمات جوهرية لشخصية إبداعية رفيعة المستوى والمقدار.
شكرا لكم دكتور محمد على كل ما قدمتموه لنا من فائدة ومتعة معرفية في هذا اللقاء بشكل خاص وفي هذا الصرح العامر بشكل عام، وأشكركم شخصياً على استجابتكم لي لإجراء هذه المقابلة معكم رغم كثرة أشغالكم لكن كما عهدناكم أنتم السباقون والقدوة لنا في عمل الفريق الواحد بدون أي تذمر، وشكراً لكم مرة أخرى من الأعماق على جهودكم المشهودة في خدمة الشعر والشعراء، ومبارك لكم ولنا هذا اليوم العالمي للشعر وكل عام وأنتم بخير.
.
Discussion about this post