Views: 0
“أدب الخلاف بين الأقران والأنداد”
ليس كل الناس حمقى وليس كُلُّ من أكلَ الشعير حِماراً، كذا تَدُقُّ الأيام أعناقنا، وتختلف رؤانا في الصورة الواحدة، إلا إذا كان هناك تطابقٌ فكريٌّ وتوافقٌ عقليٌّ واتساقٌ روحيٌّ تام بين المتوافقين وهذا أندر من الكبريت الأحمر، لذلك خلقنا الله سبحانه وتعالى مختلفين
قال جل شأنه “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ” (118)هود
وفي تفسير الآية الكريمة ذهب المفسرون إلى إختلافهم العقدي والإيماني وهو التفسير الذي يؤكده الأمر الواقع ولا ريب، فإذا ما سَلَّمْنا بإختلافهم على رَبِّهم فما دون ذلك أهون.
وإن ما أصاب الفكر بالشطط والعقل بالوصَبِ والجسد بالوهن ما تجده بين الأقران والأنداد من حِدَّةٍ في الطبع وسوء في الخلق إذا ما وقع بينهم أمر من أمور المخالفة في عرض زائل أو فهم ناقص لقول مُوهم أو تأويل جائر لنص مبهم والأمر في الأصل يسير، ولكنها الغيرة والتصيد والفجر في الخصومة!!
ولو كان المخالف مُنصفاً لرجع إلي أخيه ليتبين أمره.
وتَلبَّثَ بعض الإخوان بقول: حبيب حبيبي حبيبي، وعدو حبيبي عدوي؛
وأسقطوه على كل مخالف سواء في رأي يحتمل الخلاف أو لا يحتمل، ولله دُرُّ الشافعي لما ذهب لأحد إخوانه وهو يونس بن عبد الأعلى وكان تلميذا له ترك الدرس عندما اختلف معه في تأصيل مسألة فطرق الشافعي بابه وقال له: يا يونس تجمعنا مئات المسائل وتفرقنا مسألة!! هكذا هم الصفوة.
وإن من فتن هذا الزمان رفع شأن كل وضيع والحَطُّ من شأن كل عظيم، فقال الصادق المصدوق صلوات ربي وتسليماته عليه «سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة» ، قيل: وما الرويبضة؟ قال: «الرجل التافه يتكلم في أمر العامة».
وقد تمكن أراذل الناس من رؤوس خيارهم وإن كان تمكينهم جاء عن نفاقٍ ذميم وقلب سقيم يحب الظهور وجُلُّ محاسنهم هي لعق أحذية أصحاب القرار، ويبقى العظيم عظيماً ينأى بنفسه عن تلك الرزايا كالجبل الأشم باقٍ بقاء الدنيا.
ويبقي الأديب أديبا ويبقى الأحمق أحمقاً وكلُّ إناءٍ بما فيه ينضح.
فإذا ما اشتد الخَطْبُ واستئذب الخِلُّ والصحْبُ واحتار من أمرك النُجُبُ وزارك الهمُّ والغضبُ فكن خير مثال في دفع سوء الخصال بالمُقاربة تارةً وبالمُدافعة تارةً والتماس الأعذار والنصح والإنذار،
فالبعض يأتي باللين والبعض يأتي بالشدة فيرعوي كل مَهين وما يتأتى ذلك إلا بالتَّفقُّهِ في أحوال الناس والتمرين،
وهذا لائتلاف القلوب وهو الأمر المحمود مع الإخوة الذين يدورون معك في نفس المدار، وإلا فالمعاندين هم خارج ذلك السياق.
وكما طول العمر يُزيد من طول الأمل فطول العشرة يُزيد من الفطنة في التعامل مع كل مُشْكلٍ جديد.
فإن وقع الخلاف ولم يكن هناك موضعٌ للنصح والإرشاد واغْترَّ السفيه بزيف مكانه وعُلو شانه فدوام الحال من المحال، وعزاؤنا في قوله تعالى:
“فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْض”17الرعد والله المستعان
كتبه/عبد اللطيف عباده
Discussion about this post