Views: 0
قصّة قصيرة جدّاً.
أوبة
تتأمّل حبل غسيل جارتها، كم هي حريصة على نظافة ملابس أولادها…
سألتْها عن حالها وحالهم في غربتهم الطّويلة، عن سبب استمرارها في غسيل ثيابهم، أجابت:
– قد يعودون فجأة.
– لكنها لا تناسب مقاسهم
– سترين ذلك بنفسك عندما أحتضنهم.
روزيت عفيف حدّاد
==========================
التشكيل الكاليغرافي و دوره في رسم المشهد القصصي
قراءة في نص أوبة للأديبة أ.روزيت عفيف حداد
==========================
إن القصة القصيرة جدا في تناميها المستمر، و انبعاثها من رحم القصة القصيرة، كان لا بد لها من اختيار أشكال و تمظهرات جديدة، تميزها في محاولة للاستقلال الحقيقي بذاتها.
و لعل التشكيل الكاليغرافي للقصة القصيرة جدا، يعد من أهم تلك التمظهرات الحديثة، و فيه يعيش الكاتب هاجس البياض و السواد في ظل اختياره لعدد قليل من الكلمات، و هذا ما يدفعه إلى إضافة العامل البصري الكاليغرافي إلى النص، فنجد المتلقي مشغولا بهذه التشكيلات التي يستخدمها القاص، من توظيف زاخر و مهم لعلامات الترقيم، إلى التقطيع النصي، إلى الرسم الحواري، و نقاط التوقف، و الفراغات البيضاء، كل ذلك يجعل القارئ يقف، و كأنه أمام لوحة تشكيلية مليئة بالكلمات المعبرة عن تلك اللوحة، فيتحفز لدى هذا القارئ إضافة إلى البعد اللغوي، بعدٌ بصري تجسيمي، فيقرأ الكلمات و كأنها ذات أبعاد ثلاثية، و هذا ما يحدث جمالا أكبر في النص و فهما أعمق و إحساسا أجمل و أبهى لدى القارئ.
لقد لعبت الكاتبة هنا بقصد أو دون قصد على هذا العامل الكاليغرافي بشكل دقيق، جعل من نصها لوحة تشكيلية مزخرفة بخطوط كتابية، تحلق بالقارئ في عوالم غاية في المتعة و الخيال و العاطفة و الأسى الجميل.
رسمت لنا الكاتبة حبل غسيل، رأينا عليه ملابس مختلفة الألوان و القياسات، تحافظ دوما على نظافتها و نصوعها، لأنها تنتظر أوبة أصحابها، و كأنها ملابس من نحب و من نعرف، كلنا بات يعلق الثياب على حبل الغسيل و يجلس منتظرا أوبة الأحباب، لكن…
من منا يمتلك قلب الأم؟
من منا يستطيع رسم تلك اللوحة بريشة الصبر و الأمل يوميا و لزمن طويل؟
تستغرب الجارة هذا الفعل من بطلة النص، و حرصها الشديد على تكراره، و غالبا هي جارة لا تعاني مرارة الفراق، لذلك لم تستطع فهم تلك اللوحة بشكل جيد، و هذا ما جعلها تستفهم باستنكار تكرار هذا العمل، سيما و أن الأبناء قد كبروا في غربتهم، و ما عادت هذه الملابس تناسب أجسادهم، فما كان جواب الأم؟
(سترين ذلك بنفسك عندما أحتضنهم.)…يا الله..يا لتلك الروعة الصادمة، نعم جميعا يعلم أن الام مهما كبر أبناؤها تظل تراهم أطفالا صغارا لا يكبرون، هذه الفكرة التقليدية، استطاعت الكاتبة أن تضعها في سياق تخيلي عاطفي شاعري، لا يمكن إلا الانحناء أمامه.
تحدثتُ سابقا كثيرا عن دور العاطفة في شحن النصوص و الارتقاء بها، هنا نجد قفلة عاطفية عظيمة، لن أخفي أنها جعلتني أذرف الدمع، فكأنني أقف أمام هذه اللوحة الكاليغرافية المليئة بالصور..صور الأبناء..صور ثيابهم..صور العناق مع والدتهم..صور الدموع..و الصورة الأهم كيف عادوا صغارا تناسبهم مقاسات تلك الثياب التي ما فتئت الأم تحافظ على نظافتها في انتظار أوبتهم.
نص لا نستطيع معه إلا حبس الأنفاس و الدموع.
دمت بكل خير و ألق أ.روزيت
======================
د.عبد المجيد أحمد المحمود- سوريا
Discussion about this post