Views: 1
تماسك البنيان في قصيدة ( جموع الحجيج ) للشاعر الدكتور : جمال مرسي
==========
قراءة وتحليل للأديب / فاروق الحضري
أديب وناقد وشاعر
==========÷
( النص )
جُموعُ الحجيج
شعر: د. جمال مرسي
=========
جُموعُ الحجيجِ أَتَتْ ساعيهْ
تُلبِّي النِّدا .. رَبَّنا .. باكيَهْ
تُريقُ الدموعَ على الخدِّ تسري
كنهرٍ من الفِضةِ الجاريهْ
أتتْ يا إلهي لبيتكَ ترجو
رِضاكَ و تسألُكَ العافيهْ
تَشُقُّ عُبابَ المُحيطِ الجسورِ
و تَركبُ أمواجَهُ العاتيهْ
أتت كي تُقيمَ بدارِ الأمانِ
فتهنأَ بالعيشةِ الراضيهْ
و تُبصرَ جَنَّتَها في رِحاب ال
عتيقِ و في “طيْبَةِ ” الغاليهْ
***
الإنسان الملتزم بطبعه يفوض كل أموره إلى الله فالله بصير بعباده ، وهناك أوقات خصها الله بألوان الخيرات وقبول الطاعات فهي مواسم تتنزل فيها الرحمات وقد يدفع الناس الخوف من الله والحنين إليه لنيل رضائه إلي اغتنام هذه المواسم للفوز بالنفحات الربانية ومن هذه المواسم موسم الحج ذلك المشهد الذى ألهم الشاعر وقاده إلى كتابة هذا النص فقد أعجب الشاعر بجموع الحجيج التي أتت ملبية نداء الله من كل فج عميق اتعبت الأبدان وانفقت الأموال ترجو رضاه أتت تذرف الدموع اعترافا بالذنب أتت لرؤية البيت العتيق و المدينة المنورة لتشاهد رؤية المقدسات عن قرب ، لتنعم برحيق الجنة
جموعٌ من الفُلِّ فاحَ شذاهُ
تُلبِّي وأثوابُها زاهيهْ
تطوف وتسعى لنيلِ رضاكَ
فتدعوكَ في الجهرِ و الخافيهْ
وحيثُ يكون الوقوفُ العظيمُ
وإبليس أَسْكَنْتَهُ الهاويهْ
أرى يا إلهي جموعَ الحجيجِ
كشمسٍ تُضَوِّءُ أياميهْ
فيُبْهِرُ عَيْنِيَ هذا الضياءُ
و ترنو إلى البيتِ أشواقيهْ
***
والشاعر في هذه الأبيات يتطرق لمناسك الحج حيث الطواف حول البيت والسعي بين الصفا والمروة والتلبية والوقوف بعرفة وكلها شعائر أبهرت الشاعر بجمالها
إلهي : ذنوبي جِسامٌ ، و مالي
سِواكَ يُحقِّقُ أحلاميهْ
وسَلْوايَ أنِّي عبدتُكَ صِدقاً
وما أشركَ القلبُ لو ثانيهْ
فكُنْ ليْ نصيراً وكُنْ لي مُعيناً
لأقهرَ إمرةَ شيطانيَهْ
دعوتُكَ مثلَ جموعِ الحجيجِ
وأنتَ البصيرُ بأحواليهْ
بعد هذا الجمال يتقرب الشاعر من الله ويسأله إجابة الدعاء ويعترف بذنوبه الجسام ويكفيه أنه لايشرك بالله شيئا ويطلب منه النصرة على النفس والشيطان لانه شارك هذه الجموع الغفيرة دعاءهم
( الرؤية الفنية للقصيدة )
=======
القصيدة العمودية أصل الشعر العربي وهي النواة التي خرجت منها كل ألوان هذا الفن مع اختلاف مسمياته و رغم ماحدث للشعر من تطور فستظل المنبع الذي يرتوي منه الأدباء والمثقفون لأنها تقف على أرض صلبة باقية مهما مرت عليها الدهور والأزمان والشاعر الدكتور : جمال مرسي واسع الثقافة رقيق الإحساس يقظ الذهن يرى الجمال حوله في كل شيء ، ذو ثقافة دينية استطاع بحسن صنيعه وبقوة تركيزه أن يبني لنا صرحا مشيدا بهذا العمل المتقن الذي بذل فيه جهدا مشكورا ليخرج لنا بهذا الجمال ..القصيدة في مجملها جميلة تلبس ألوان الحسن وأفخر الثياب تجذب إليها العيون والآذان وتتذوقها الألسن ، الشاعر صور مشهد الحجيج يلبون نداء الله مثقلا بأيات القرآن الكريم ” وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا …. ” وتأثر بقول الرسول ” الحج عرفة ” وقوله أيضا ” من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ” تميزت هذه القصيدة بوضوح الفكرة فهي تتحدث عن مشهد الحج بأركانه ومناسكه وقد استخدم الشاعر الألفاظ الواضحة البعيدة عن الغرابة والتعقيد التي خدمت الفكرة ونسجت التراكيب اللغوية الرائعة بقوة بيانها ، وأيضا استخدام الأسلوب الخبري في الأبيات سهل على المتلقي الفهم ، و الإنشائي كالأمر والنداء مقصده الدعاء والقرب من الله .. القصيدة ذات بناء عضوي متين فالأبيات متماسكة وكل بيت مع غيره كالبنيان المرصوص يخدم الفكرة ويجعلك تسبح بخيالك وتتذوق روعة الإبداع ، والصور متنوعة بين استعارة وكناية وتشبيه ، ترسم لنا لوحة فنية مكتملة جذابة ، والموسيقى عذبة وجميلة نتجت عن الوزن والقافية واستخدام بحر المتقارب بتفعيلاته ” فعولن ..فعولن …” شد الآذان للاستماع والموسيقى الداخلية التي جاءت من انسجام بين الألفاظ والتراكيب .. .. ويا حبذا لو أن مثل هذا النوع من الشعر يدرس في حقولنا التعليمية لأنه سيكون إضافة قوية لمناهجنا الدراسية وقد حقق هذا العمل الفني الرائع ما نرجوه منه الإفهام والمتعة ، وكلما نطالعه يفيض علينا متعة وجمالا.. القصيدة أذيعت في برنامج قطرات الندى بالبرنامج العام بإذاعة جمهورية مصر العربية بصوت الإعلامية المتميزة / جيهان الريدي
=========
الأديب : فاروق الحضري ..ناقد وشاعر من جمهورية مصر العربية
Discussion about this post