Views: 2
تحديات الإعلام الرقمي والصحافة الإلكترونية في الوطن العربي .
د . أنور ساطع أصفري .
____________________
حينما نتحدّث عن إعلام رقمي أو صحافة الكترونية ، إنما نعني الوجه الآخر أو الجديد الذي غزا هذا الجانب المهم ، إن كان على المستوى الرسمي أو الشعبي بمعنى الجماهيري ، بهدف التواصل وإيصال المعلومة بعيداً عن الإعلام التقليدي المعمول به .
كثيرون هم الآن الذين إبتعدوا عن متابعة الصحافة الورقية ، أو حتّى التلفاز ، واستعاضوا عنها بمتابعة الإنترنت الذي يعرض أولاً بأول الأحداث والوقائع ، بغض النظر إن كانت هذه العروض هي نزيهة أو معمول بها وفق أجندات ما .
آخذين بعين الإعتبار بأن الإعلام الرقمي ليس بالضرورة أن يعني بالإعلام وحسب ، فمن الممكن أن تكون له تطلعات تجارية ونوافذ اقتصادية وأحياناً عسكرية لترويجِ مساعٍ لهذا الطرف أو ذاك .
وكلٌ منّا يُتابع مواقع التواصل الإجتماعي ومدى مساهمتها في هكذا مجالات لإيصالِ المنتج أو المعلومة أو الخبر إلى الوسط الجماهيري ، وإلى أوساط أُخرى يعنيها العرض ، بهدفِ تسويق المادة المتداولة .
ومن ناحيةٍ أخرى فإن المواطن المتتبع لمجريات الأمور الإعلامية والسياسية لم يعد يأخذ معلوماته من هذه الصحيفة أو تلك ، لأنه يُدرك بأن هذا الطرف الإعلامي يُروّج ويتبع أجندة معينة ، والطرف الآخر يُروّج لجهةٍ أُخرى قد تكون معاكسة ، لذلك هذا المواطن أصبح باستطاعته أن يتصفّح المواقع ويستطيع وبسرعة أن يُتابع خبراً ما من أكثر من موقع ، وبالمحصّلة يستطيع أن يصنع لنفسه تصوّراً ما حول هذا الخبر أو الحدث المعني ، إن كان عن طريقِ مواقع إعلامية أو سياسية ، أو مواقع مُصوّرة تهتم بالأحداث العالمية وفي أي بقعةٍ جغرافية كانت .
وبنفس الوقت يستطيع أي فرد أن يُتابع محطات فضائية الكترونية ، إضافة إلى الصحف والمجلات ، ومتابعة الجانب أو المحتوى الذي يهتم به ، وباستطاعته في هذه الحالة أن يسترجع المعلومات أكثر من مرة ، كما باستطاعته أن ينسخها أو طباعتها إذا لزم الأمر ، لإعداد دراسات أو بحوث يهتم بها ، أو لحفظها .
طبعاً هذه القفزة الالكترونية أو الرقمية أثّرت كثيراً على وسائل الإعلام التقليدي ، والذي كان بالأساس فاقداً لثقة الشارع العربي وجمهوره .
الكاتب العربي أو المفكر العربي كان يرى سلبيات كثيرة في وسائل الإعلام التقليدية ، وكذلك سيرى سلبيات شبيهة في الإعلام الرقمي أو الالكتروني ، ما دُمنا مبتعدون عن المصداقية والنزاهة والحقيقة ، وهذا هو المحور الرئيسي باعتقادي في تحديات الإعلام الرقمي والصحافة الالكترونية ، والذي من المفروض أن نُركّز عليه .
مع كامل إيماننا بأن هناك مُتنفّذون كُثر يُمررّون أجندات ما على تلك الوسائل ومن خلالها بهدفِ السيطرة أو النفوذ .
نحن لا يعنينا إن كان الإعلام هو تقليدياً أو الكترونياً ، ما يعنينا أن يتحمّل الكتّاب والمفكرون والمثقفون العرب مسؤولياتهم من أجلِ حماية تراثنا الحضاري وهويتنا الوطنية .
كلهم يُفكّرون بتأمين جهاتٍ إعلامية موالية ، إن كانت هذه الجهات هي تقليدية أم رقمية ، والحفاظ على هويتنا وعلى إعلامنا الوطني هو مسؤولية الجميع وفي مقدمتهم الأدباء والمفكرون والكتّاب .
الجميع يدخل وسائل الإعلام بمختلف أشكاله ووسائل التواصل الإجتماعي كقوةٍ أساسيّة ، لأنهم يعتبرون هذه المواقع سلاحاً قوياً تماماً مثل الآلة العسكرية الفتّاكة .
لذلك علينا نحن كمتابعين وكتّاب أن نتأكّد من صدقية المادة الإعلامية ، أو الحدث أو الخبر ، ومن مصداقية الجهات التي تُغذي وتموّل وتنشر الأخبار ، ومن مهنيّة هذه المادة إعلاميّاً ، والتعرّف على من نشر هذه المادة أو تلك ، وما مصدرها ، ولماذا تمّ النشر في هذا التوقيت ، وما هي الأحداث التي ترتبط مع موعد نشر هذه المادة ، والتأكّد من الصور والفيديوهات خشية أن تكون مُفبركة أو مُزوّرة ، وتمرّ على بسطاء الناس ويُصدّقونها ، ويُروّجون لها ، خاصّة أنها تنتقل بسرعةٍ من خلال الإعلام الالكتروني ، وتُحقق غاياتها بدون جهدٍ يُذكر .
لذلك نقول أن وسائل الإعلام أيّاً كانت تقليدية أو رقمية أو الكترونية ، يجب أن تُوضع لها ضوابط لحماية المادة الإعلامية ، حتّى يتمكّن المثقفون من الولوج إلى المعلومة الصحيحة من مصادرها وبدقة ، حيث أن المادة الإعلامية تحكمها أدبيات وأخلاق كممارسة .
كما نؤكّد أن الإعلام بكلِ أشكاله الالكتروني والتقليدي والرقمي والإعلام البديل إن كان مقروءاً أو مسموعاً أو مرئياً هو سلاحٌ ممتاز في عملية بناء الإنسان ، فيما إذا سلك السلوك النبيل والملتزم .
نحن اليوم بأمسّ الحاجةِ إلى تكاتف الكتّاب والمفكرين والمثقفين العرب للمواجهة المكشوفة مع الإعلام المُزيف ، ووضع إستراتيجية إعلامية تخدم هويتنا الوطنية ، واستقطاب كل القوى الوطنية الفاعلة وأصحاب الخبرة الإعلامية من أجل مواجهة التقاعس الإعلامي الذي يتمدّد على إمتداد الساحة العربية المترامية الأطراف .
هل يستطيع أحد أن يُوضّح لي ماذا يستفيد الشارع العربي من 1550 قناة فضائية عربية ، وماذا يستفيد من 600 من الصحف والمجلات العربية ، نعم كلّها ألوانها قد تبدو جميلة ، لكنها بلا مضمون ، كما أنها تستهلك ميزانيات ضخمة تُقدّر بمليارات الدولارات ، تبدو وكأن هذفها الأساسي تزييف العقل العربي ، وتغييبه ، وبتر الإبداع بكلِ أشكاله .
هكذا إعلام ينحني لأصحاب النفوذ ، على حساب المال العام ، وعلى حساب أبناء الشعب الفقراء ، ويبدو هكذا إعلام وكأنه سيفاً على رقاب الناس وليس بأيديهم .
Discussion about this post