Views: 1
نقاش هادئ
بسم الله والحمد لله وحده لا شريك له والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد فإن الدعوة إلى الله تعالى هي أسمى عمل ونتاجها هو أسمى غاية ألا وهو معرفة الله حق المعرفة بإفراده في العبادة والإقرار بوحدانيته وربوبيته ومن أجل ذلك أرسل الرسل والأنبياء بأشرف عمل على وجه البسيطة ألا وهو الدعوة قال تعالى( وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) الأحزاب 46
قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون) آل عمران: 104
وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر”
وهذه التقدمة لأُؤَطِّرُ أن مسألة الدعوة لا مجال للخلاف أو المراء على أهميتها وما كانت توطئتي لهذه المقدمة إلا لأبين بعض الأمور التي قد تختلط على القارئ أو السامع وما كان من توفيق فمن الله وحده وما كان من زيغ أو نقص فمني ومن الشيطان
أبدأ وأقول: وقع نقاش بيني وبين أحد العلماء الذي أحسبه على خير والله حسيبه في حال الدعوة الآني وظهور حدة في الخلاف الذي لم يكن خافيا قبل هذا الوقت بل أعترف بوجوده من قدم ولكن ما ذهبت إليه هو الخلاف داخل الفكر الواحد أو المذهب الواحد
فالخلاف بين الفرق الإسلامية أمر واقع لا ينكر وإن كنت أذهب أن الخلاف بينهم لفظي لو أولناه بفهم وتدبر لسقط الخلاف ولكن هكذا الأمر بينهم ورأيي هذا وجدته صدفة يوافق رأي شيخ البلاغيين محمد أبو موسى حفظه الله إذ صرح به في أحد دروسه لشرح كتاب دلائل الإعجاز للعلم الكبير عبد القاهر الجرجاني رحمه الله
وكل علماؤنا ندعوا لهم بالرحمة والمغفرة ونحفظ لهم جميلهم علينا بإختلاف أفكارهم ومناهجهم
والأصل في ذلك أنهم بشر يصيبون ويخطئون وكما قال أسلافنا الأكارم كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم
فما ذهبت إليه في نقاشي كان من باب تأصيل الأمر الواقع والحالة المزرية التي نحياها وأن الإسلام السني الصحيح السليم مستهدف
من قوى نعلمها جيداً ولم نستطع أن نجابهها حتى الآن وهذا من الضعف والهوان ولله الأمر من قبل ومن بعد حتى استطاعوا اختراق الضعاف من بني جلدتنا ليكونوا معول الهدم
فما كان من الشيخ إلا أن ذهب إلى الدعوة وأهمية أن أكون أنا الداعية الديني بلحمي وشحمي لذا أحوجني للتأصيل،
أولا :كل مسلم في نفسه هو داعية إلى الله بأخلاقه ومعاملاته التى أمره به دينه الحنيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنما بعثت لأتمم محاسن الأخلاق.
ثانياً: مفهوم الداعية إلى الله بمعنى العالم الرباني لا تتوفر في كل أحد وليس هناك أمر لكل أحد أن يكون عالماً جهبذا في دين الله والآيات السابقة دالة على ذلك وليس كل أحد عنده ملكة الخطابة وليس كل أحد عنده ملكة التدريس وليس كل أحد عنده ملكة البحث العلمي أو تحقيق التراث وليس وليس….
بل يجب أن يكون عندنا العالم في الدين والعالم في الطب وفي الطبيعة وفي الأدب وووو….
فكل منهم يكمل الآخر وبهم يستقيم حال المجتمع
ثالثا: ليس كل صاحب فكر أو منهج يحتكر الحقيقة وحده أو ينسب الصحة لمذهبه والخطأ والنقصان فيمن يخالفه
وكما قال الشاعر: وكل يدعي وصلا بليلى/ وليلى لا تقر لهم بذاكا
فلابد أن نعي جيداً أن كل رأي صواب يحتمل الخطأ وكل رأي خطأ يحتمل الصواب، ووالله لو تعقلنا هذه المقولة ووعيناها لدحر كل خلاف.
رابعاً: التمترس خلف المذهب والفكر دون وضع مجال لقبول الرأي الآخر يضيق من أفق المتكلم، ولذا أرى أن الوقت الراهن أوجب على الجميع أن يتثقفوا ويرتقوا في الآراء الخلافية ما دام الأمر فيه سعة
وأن لا نذهب في نقاشاتنا إلى أمور لا طائل منها بل الحديث فيها كمن يحرث في الماء،
وقد أشبعونا الخلاف في مسألة أين الله؟
فهل المسلم سيحاسب على هذا السؤال ؟!
والذي أصبح من أصول العقيدة رغم نهي العلماء عنه،
أم يكفينا حديث بني الإسلام على خمس ويكفينا حديث جبريل
(الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا )
وحديث عمر بن الخطاب إنما الأعمال بالنيات.
خامساً: قد أصل العالم الرباني ابن تيمية تأصيلا موفقا بقوله الخلاف بين الأحكام أكثر من أن ينضبط.
فهل وعينا هذا التأصيل وعملنا به أم ضيق الأفق الفكري يحجب عنا رؤية الطريق الصحيح.
فالأمر حقا جلل ويحتاج من كل مسلم أن يفتح باب عقله لإخوانه ونبتعد عن التهم المعلبة من تبديع وتفسيق وتكفير في مسائل دارت بين الأقران والأنداد من العلماء في حيزهم التدارسي لا أن يكون
لبانة بين العوام يشدها أحدهم ويرخيها الآخر وما جنينا منها إلا
العداوة والبغضاء
قال تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) آل عمران (19)
وقال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )الحجرات (10)
فمن يستطيع أن ينفي عن أحد إسلامه أو إيمانه
والله المستعان
كتبه/ عبد اللطيف عباده
فجر السبت ١٥/٧/٢٠٢٣
Discussion about this post