Views: 0
ما هكذا تورد الإبل
إن الحمد لله نحمده ونسعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين
أما بعد
فقد مَنَّ الله على أمتنا بكتابه العزيز، بلسانٍ عربي مبين، وأعزنا بالإسلام من بعد الخلق وعلَّمنا البيان، ليكون حُجةً لنا في الفهم، وعلينا في الزيغ، وأكرمنا بخير الخلق النبي الأُمي الأمين خير من نطق بالعربية إلى يوم الدين، الداعي إلى الحق المبين، وإلى العلم بفهم أولي النهى دون عِيٍّ أو تضليل
ولما تكلَّم أحد الأخوة عن علم البيان والمعاني في فهم كتاب الله واسترسل في الحديث دون دراية وافية في آية من كتاب الله ثم تَطرَّقَ إلى علم البلاغة ليبث فينا فهماً ما جاء به أحدٌ من العالمين
ويرجعُ ذلك إلى أنه اعتمد عقلهُ في الفهم والتأصيل فجعله الحاكم دون غيره، ونسي أو تناسى أن كتاب الله سبحانه وتعالى إذا أراد تدبره لابد من جمع علوم العربية من نحو وصرف وعلم الحديث وعلم التفسير وأسباب النزول ومكي ومدني القرآن ثم علم البيان والمعاني والبلاغة، نعم كل هذه العلوم لابد من هضمها هضما سليماً حتى نتكلم في كتاب الله.
تكلَّم الأخ الكريم عن قوله سبحانه وتعالى:
(أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ )(78)
فنسب بزعمهِ الأُمِّيون إلى الجهل وليس عدم القراءة والكتابة وشتَّان بينهما، ثم نوَّه أنه لا يجب أن نأخذ الكلمة بمعناها المعجمي، ثم أخذ كل الآيات المتحدثة عن الأمية بأنها منسوبةٌ إلى الأمم،
وكل ما سبق هو ضلالٌ في ضلالٍ،
وأقول وبالله التوفيق
الآية الكريمةُ مدنيةٌ نزلت في اليهود، الذين لم يؤمنوا برسالة مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم وهم من العوام وليسوا من علماء بني إسرائيل، فذكر المولى سبحانهُ وتعالى كلمة (منهم )التبعيضية لتقول لنا أن هؤلاء البعض الذين لا يقرأون ولا يكتبون لا يعلمون شيء من الكتاب إلا أماني يتمنونها أن تكون فيه وليست فيه، لأنه ظنٌّ بدون علمٍ مُسبقٍ أو فهمٍ وتدبر، وذكرت الأمية من باب التغليب، إذ السائد وقتها أمية الأكثرية وليس الجميع، فلا معنى للجهل هنا إذ أنهم يعلمون أنه كتاب الله وأنه الرسول، الذي بشرهم به موسى عليه السلام ولكنهم ينكرونه استكبارا، قاله مجاهد : والأميون جمع أمي ، وهو : الرجل الذي لا يحسن الكتابة ، قاله أبو العالية ، والربيع ، وقتادة ، وإبراهيم النخعي ، وغير واحد وهو ظاهر في قوله تعالى : ( لا يعلمون الكتاب ) فلا يجوز لنا تأويل كلمة في كتاب الله بغير لغتهِ التي نزل بها إلا بقرينةٍ تُصرف الكلمة عن معناها الحقيقي إلى معنى آخر، وهذا هو الموافق لتأويل السلف والخلف المستنبطين له بعدما جمعوا تلابيب علومه.
يقول ابن عطية الاندلسي لو نزعت حرفا من كتاب الله ثم أدرتْ اللغة من ألفها إلى يائها لتسد مسده ما وجدت.
فعلى الأخ الكريم التروي عند التأويل. فقد ذهب غيره هذا المذهب حتى نفى عن رسول الله الأمية كما فعل صاحبنا زاعما أنها سُبةٌ في حقه، ألا فليعلم أن أُمِّية الرسول هي عين الكمال والرفعة له صلى الله عليه وسلم، وهي عينُ المعجزة التي جاء بها، ومنكرها هو مُنكرٌ لكلام الله سبحانه وتعالى، حيث قال :
(وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ){ العنكبوت: 48}.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا ـ يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين. رواه البخاري ومسلم.
فإذا أراد أحدٌ أن يفهم كتاب الله ويستخرج منه دلائل الإعجاز كالعلماء المصنفين أو فهمٍ خفيٍّ على سابقيهِ فليأخذْ من حيث أخذوا،
فما صنف العلماء في علم البلاغة إلا من أجل ذلك بدءاً من الجاحظ
والخطَّابي ثم عبد القاهر الجرجاني مؤسس هذا العلم العظيم،
لا أنْ يتبع هواه.
كتبه/ عبد اللطيف عباده
فجر الخميس ٢٠/٧/٢٠٢٣
Discussion about this post