Views: 2
مقال بعنوان “نحن والإبداع ووسائل التواصل”
بقلم الكاتبة والشاعرة أنمار فؤاد منسي
سهَّلت مواقع التواصُل الاجتماعي الوصول إلى “الشُهرة” وجَذْب الجمهور الذي يشبع طموحات بعض الكتاب من خلال النشر الحر على الصفحات الأدبيّة وتعليقات القراء، وهذا الأمر أدى إلى التعرف إلى ثقافات جديدة من مختلف انحاء العالم بقاراته السبع، حيث ساهمت والمنجز الأدبيّ واحد من الموضوعات التي وجدت لها طريقا لتمخر غمار عوالم التقنية ومواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما وأن جميع شعوب العالم –مهما اختلفت مستوياتها الحضارية- هي ذات منجز لغوي أدبي يعبر عن كينونتها وهُويتها.
على حساب النوع، وهذا لا يعني انه لا يوجد منجز أدبي بنوعية ممتازة يتصف بكل صفات الإبداع والتَّحليقِ في عالم الكتابة والأدب،
وفي نفس السياق هناك الكثير الكثير من الشباب والشابات ويشكلون طيفًا واسعًا من الكتاب الذين تعلموا واجتهدوا وكتبوا وتعبوا وواظبوا على تشييد وبناء منازلهم الأدبيّة المختلفة، سواء أكان في الشعر أم في القصة القصيرة أم في الرواية، وقد تاهت ببعضهم السبل، فمنهم من نجدهم من فئات المجرِّبين الذين وجدوا الطريق مفتوحا أمامهم، فاستسهلوا الأمر وتجرؤوا على الموضوعات والأشكال الأدبية.
وبمقابل ذلك فإننا لا نعدم أن نجد أقلاما موهوبة تحمل بذرة الإبداع والتميز والوهج الفني، فتعمل على اللغة والأدب وفقدوا حظهم وفرصهم في الظهور للعلن… هؤلاء هم الذين يستحقون الالتفات إليهم، والتركيز على مواهبهم وإبداعاتهم؛ من أجل الآخذ بأيديهم ومنحهم الفرص اللائقة التي تأخذهم إلى عالم النشر الورقي، وكذلك إلى فضاءات النشر الإلكتروني في المواقع الأدبية المرموقة، وهنا لا بد من تسهيل مهماتهم، وتذليل العقبات أمامهم، ومنحهم وقتهم الكافي ليواصلوا منجزهم الإبداعي، مع ضرورة الإشارة إلى ضرورة الدعم توفير الدعم الماديّ، ليكونوا هم أنفسهم بمنجزهم الأدبي منجزا للوطن، ورافدا من روافد أنهار التميز والإبداع.
وفي الوطن العربي تبرز أسماءٌ شابة: ذكورا وإناثا، نرفع لها القبعة على ما تخطه أقلامهم من حروف بهيجة مضيئة لا تفتأ تلفت الأنظار إليها بجمال إبداعها ورونقها الأنيق البليغ، وهم لهم الحق على المؤسسات الثقافية والأدبية أن تأخذ بأيديهم، وأن ترعى مواهبهم وإبداعاتهم.
الناقد يقدم للتجربة الأدبية كل ما تحتاجه كي تنجح و تثمر وتسمو وترتفع، والناقد الحقيقي يعرف بل يدرك مكامن التميز والإبداع كما يدرك مواطن الإخفاق والقصور، ومن هنا فإن من المهام الموكولة إلى المؤسسات الثقافية، بل من المهام التي تضطلع بها هذه المؤسسات إيجاد الناقد الفاحص الحصيف الرصين، الذي يبتعد بنقده عن صور المجاملات والترضيات، ويبتعد أيضا عن (الشخصنة) عند إبداء الآراء وإطلاق الأحكام عن الشعر و القصة والرواية وغير ذلك، ونحن لربما نجد الكثير من النقاد الذين قد يكتشفون الكثير من الجماليات التي لم يدركها مبدعوها في نصوصهم، بل إننا نجد في العصر الجاهلي أن الناقد وصل منزلة من التقدير تجعله صاحب رأي في منح اللقب للشاعر، و كان هو من يرتب مقامات الشعراء، حتى عرف العرب كتب الطبقات الشعرية.
و في زمن التقنية وتطور وسائل الاتصال من البديهي أن يعلم صاحب الصنعة أصول الصنعة و أخلاقها ومهامها وأسرارها، و يتعلم كيف يبدأ بها و كيف يتدرج في تعلمها، ثم يعلم أسرار صنعته كي يبدع و يتألق بها، و كذلك الكاتب والأديب بشكل عام، فهو – دون شك – الناقد الأول لكتاباته، إذ لا بد من أن يكون متسلحا برصيد ثقافي ولغوي وأدبي حتى يستطيع أن يأتي بجديد ولا يمارس التكرار والاجترار الذي هو سمة كثير من الكتاب الذين استسهلوا أمر الكتابة، فالتعامل مع وسائل الاتصال الحديثة لا يعني الانبتات عن صور الثقافة التقليدية ومصادرها، وعلينا أن نعي جيدا أن وسائل الاتصال ما هي إلا وسيلة (وسائل) والمخزون الثقافي لهذه الوسائل مستقى أصلا من أوراق الكتب، ومن صفحات المجلات، وبمعنى آخر فإنه لا بد من التنبه إلى مواطن الضعف؛ ﻷن الجهل لا يتفق مع الإبداع، وأقصد هنا الجهل بأصول الكتابة وفن اللغة و فن التأليف.
فأيًّا كان حال الشعر والنثر والنقد اليوم، فإنه من الواجب علينا جميعا توليد أفكار جديدة في تقديم المبدعين ورعايتهم، وتكريس المسارات الكتابية الحقيقية، تلك الكتابات التي تبعث الأحلام إلى نهاراتها، وتلائم وجدان القارئ العربي الذي راح ينأى بنفسه جانبا جراء ركام وتراكمات كتابية – للأسف – غثها أكثر من سمينها.
أما الكتاب والمثقفون الكبار فهم بحكم تجربتهم وخبرتهم، ليسوا عن مسؤولية توجيه الناشئين ببعيدين، فهم في حالة كتابية تشاركية وجدانية، علاقة تشاركية بامتياز، بل إنهم قد يكونون هم الأقرب إلى فئة الناشئة، وهم أيضا الأكثر تعاطُفًا معهم ومع همومهم، خاصةً عندما يستذكرون بداياتهم الأولى، ومعاناتهم مع مكابدات الكتابة، ومع وسائل النشر التي كانت شحيحة مقارنة بما هي عليه هذه الأيام.
الكتابة واللغة صِلة الوصل بين أقطاب هذا العالم، بل قل بين جماعاته وأبنائه، فما الذي عرّفنا بمجتمع الإغريق وصورته قبل ألفين وخمسمئة عام سوى ما جادت به قرائح الشعراء والمفكرين والفلاسفة سقراط وأفلاطون وأرسطو وسوفوكليس وهميروس وغيرهم الكثير، علما بأن كثيرا منهم لم تجد البشرية سوى نسخة واحدة من كتابه، ومنهم من بقيت سيرته وآراؤه فقط!
وبهذا نستطيع أن نفهم تقدير الكاتب ومكانته الفِكرية فيما يَكتب، وفيما يعبر به عن وجدانه ووجدان أمته ويُغنينا بأفكار وآراء تُسهِم حقًا، في فتح آفاق الفِكر والمعرفة والتَعمُّق أكثر بالذات الإنسانية، وهنا تكمن عظمة الكتابة وسِرّ المعرفة التي بُنِي على أساسها هذا الكون وسعى إليها الإنسان، ونحن أمة (اقرأ)، لذلك فإننا نعول كثيرا على مؤسسة كبيرة وعريقة بحجم وزارات الثقافة الموجودة في جميع أنحاء الوطن العربي – وهي أهلٌ لذلك -–في أن تحتضن جميع هؤلاء المبدعين والنقاد والمفكرين والمثقفين من أجل خلق حالة من والرؤيا المتجددة في دعم كل مبدع ومبدعة في هذا الوطن المعطاء، لا سيما وأن وزارة الثقافة سعت بأشكال مختلفة إلى مواكبة معطيات التقدم التقني بأشكالها المختلفة.
ماهو دور النقاد، والمؤسسات والمجلات والدوريات والملاحق الثقافية في هذا الأمر؟
جميعنا نعلم أن مثل هذه الملاحق الثقافيّة وغيرها من المؤسسات والمجلات الثقافيّة لها تأثير كبير على الكتاب الشباب و المشهد الثقافي، حيث تلعب دورًا مهمًا و كبيرًا كي تنهض بالأدب، وتأخذ بيد المبدعين الشباب بمختلف مجالاتهم إلى الطريق الصحيح وبر الأمان، وتعزز كل مفاهيم الثقة بالنفس، والقدرة على التغيير، ومواجهة التحديات التي تواجههم، وتحقيق أحلامهم التي طالما خططوا لها، فهناك مجلات ادبية وثقافيّة هي بمثابة جواز سفر تمنح لهؤلاء الشباب الفرص لإثبات الذات وتقديم الإبداع والابتكار والأفكار الخلاقة في المجتمع، وانعكاسها فيما بعد على سير العملية الثقافيّة، فالشباب هم شغلة النّشاط والعمل، بأفكارهم الجديدة، والرؤى المنبثقة من الإصرار والعزيمة لديهم، مثلا فعلى وزارات الثقافة، والمؤسسات والمجلات الثقافيّة أن تزيد اهتمامها بهذه الفئة وتقديم كل ما يضمن استمرارهم ضمن إطار العمل الإبداعي المنبثق من الأفكار النيرة، التي من شأنها أن تحافظ على استمرار الحركة الثقافيّة، وانعكاسها على المجتمع لتكون فيما بعد مرجعية وقدوة لمن يخوض التجربة، فلولا وجود مثل هذه المؤسسات والمجلات والملاحق الثقافيّة الجادّة والمتنوعة في نشاطاتها لما ظهرت المواهب الشّبابية المبدعة و الواعدة على الساحة الأدبيّة في جميع الحقول الأدبيّة، قصةً، روايةً، او شعرًا ونثرًا وغيرها من الفنون الأدبيّة والثقافية.
أما عن دور النقاد، لهم أهمية كبيرة لأنهم يوجهون دفة الإبداع ويساعدون على النمو والازدهار والتقدم، ويضيؤون السبيل للمبدعين المبتدئين والكتاب الكبار. كما أن الناقد يقوم بوظيفة التقويم والتقييم ويميز مواطن الجمال ومواطن القبح، ويفرز الجودة من الرداءة، والطبع من التكلف والتصنيع والتصنع، لذلك الحيادية بالنسبة للنقد أمر هام جدًا و بناء جدًا، النقد مهمة حساسة و خطيرة في توجيه الذوق العام و بناء عقلية جدلية مرنة عند مؤلف النص و عند المتلقي، و تبقى الأصالة و الحداثة أهم ميادين الحوار اليوم لبناء و خلق نص أدبي مدهش متكامل قد فقدنا للأسف مثل هذا بسبب فوضى النشر و فوضى النقد …فهناك كثيرًا من النقاد، متخذين المجاملة في إخفاء عيوب النصوص الأدبيّة، فتخرج لنا على الساحة نصوص هزيلة تضعف اللغة فضلًا عن قارئ تلك اللغة، ولكن يجب على الناقد أن يمتلك حس القاضي و نظرته العادلة المترفعة عن الأهواء الشخصية,و أن لا يضع في اعتباره أي أحكام سابقة أصدرت على النصوص سواء أكانت من النقاد أو من القراء, لأن درجة مقبولية النص قد لا تكون في كثير من الأحيان معيارًا جيدًا للحكم على تميز النصوص, خاصة في عصرنا الحالي مع تنوع مصادر الثقافات و كثرة الأحكام الدعائية التي أحدثت خرابا واضحا في الذوق الفني والجمالي لدى المتلقي العادي , وهنا يأتي دور الناقد في تهذيب و تشذيب الذوق العام و إرجاعه إلى المسار الصحيح، هذا هو الناقد البصير الذي نفتقده في وقتنا الحالي.
#أنمار_فؤاد_منسي
#نحن_والإبداع_ووسائل_التواصل
Discussion about this post