Views: 0
يعجبني كثيراً شِعر امرؤالقيس ، فقد كان له السبق إلى أغراض كثيرة في الشعر وقلده الشعراء من بعده ، فيقول النقاد أنه أول من وقف واستوقف ، وبكى واستبكى في إشارة إلى معلقته الشهيرة والتي لن أتطرق إليها لأنها لاتكاد تخفى على أحد.
اسمه حُندُج بن حجر ، ولقب بالملك الضَّلَّيل ، وذوالقروح ، واشتهر بامرؤ القيس ، وهو من قبيلة كنده اليمنية المعروفة وعاش في نجد ، ونعته رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى بحامل لواء الشعر.
والده هو حُجر بن آكل المرار كان ملك على بني أسد ، وكان امرؤالقيس يلهو ويقول الشعر ويغازل النساء فلم يعجب هذا أبوه الذي أبعده عنه ، حتى ثارت بنو أسد على أبوه الملك وقتلوه وبلغه الخبر وهو في دمون فقال قولته الشهيرة ضيعني صغيراً وحملني دمه كبيراً ، لاصحو اليوم ولاسُكر غداً ،، اليوم خمر وغداً أمر ،، ومضى يطالب بدم أبيه واسترجاع ملكه وطلب العون من عدة قبائل من بينها تغلب لأنهم أخواله فأمه أخت كليب بن وائل والزير سالم ،، واتجه في الأخير إلى قيصر الروم لطلب نصرته.
وقد ذكر ابن قتيبة في كتاب الشعر والشعراء عدة أمثلة لشعراء قلدوا أو اقتبسوا من امرؤالقيس ولكني سأكتفي منها بمثال واحد:
قال امرؤالقيس :
نظرت إليك بعين جازئةٍ ،،، حوراء حانية على طفل
أخذه المسيب فقال :
نظرت إليك بعين جازئةٍ ،،، في ظل باردة من السدر
( والجازئة هي الظبية التي جزأت بأكل الرطب عن الماء )
ومن ملاحظتي الشخصية سأذكر مثال :
قال امرؤالقيس في وصف حال النساء :
أراهُنَّ لايُحببن من قل ماله ،،، ولامن رأين الشيب فيه وقوَّسا
أخذه علقمه الفحل فقال :
إذا شاب رأس المرء أوقلَّ ماله ،،، فليس له من ودهن نصيب
ومما يدل على اعتزازه بنفسه وأنه لايبحث عن الحياة العادية هذين البيتين من قصيدة طويلة تضاهي معلقته الشهيرة من وجهة نظري ، يقول :
فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة ،،، كفاني ولم أطلب قليلٌ من المالِ
ولكنما أسعى لمجدٍ موثَّلٍ ،،،،، وقد يدرك المجد الموثل أمثالي
فهو يطلب مجد ثابت ويرى نفسه جديراً به وهذا مايتأكد في البيتين التاليين عندما أخذ يواسي صاحبه وهما متجهان إلى قيصر الروم ،، يقول :
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ،،،،، وأيقن أنَّا لاحقان بقيصرا
فقلت له لاتبكي عينك إنما ،،،،،، نحاول مُلكاً أو نموت فنُعذرا
وكان صاحبه هو الشاعر عمرو بن قميئة وهو من أقدم شعراء بكر وقد اصطحبه امرؤالقيس معه وسأذكر هنا ماقاله الشاعر عندما بكت بنته فبكى لبكائها وقال :
ساءلتني بنت عمرو عن الأر ،،،، ضين إذ تنكر أعلامها
لما رأت ساتيد ما استعبرت ،،،، لله در اليوم من لامها
تذكرت أرضاً بها أهلها ،،،،،، أخوالها فيها وأعمامها
فقال امرؤالقيس بكى صاحبي … ومات عمرو في هذه الرحلة فسمي عمرو الضائع.
وأما عن وفاته فهناك روايتين ، الأولى تقول أنه بعد أن وشى به الطماح الأسدي إلى قيصر الروم جوستينيانس أهداه حلة منسوجة بالذهب كانت مسمومة فعندما لبسها أسرع السم إلى جسده وتساقط جلده وإن كانت هذه الرواية تتناقض في كون قيصر الروم صنع له تمثالاً بعد وفاته بقي إلى وقت قريب في مدينة انقره ،، وأما الرواية الثانية أن الطماح أصيب بداء الجدري وسرت العدوى منه إلى امرؤالقيس ويتضح ذلك في قوله:
لقد طمح الطماح من بُعد أرضه ،،،،، ليلبسني من دائه ماتلبسا
فلو أنها نفسٌ تموت سوية ،،،،، ولكنها نفس تساقط أنفسا
وفي نفس هذه القصيدة له بيت يصف فيه حاله من شدة المرض وقد أبدع فيه :
ولو أن نوما يشترى لاشتريته ،،،، قليلاً كتغميض القطا حيث عَرّسا
والبيت واضح في معناه.
ومن آخر ماقال عندما رأى قبر إمرأة في سفح جبل يقال له عسيب :
أجارتنا إن المزار قريب ،،، وإني مقيم ما أقام عسيبُ
أجارتنا إنا غريبان هاهنا ،،، وكل غريبٍ للغريب نسيبُ
ومن جميل مايروى أن قوما من اليمن أقبلوا يريدون الوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلوا الطريق ومكثوا ثلاثا لايقدرون على الماء فاستظلوا بالطلح منتظرين الموت عطشا ، فأقبل عليهم رجل ملتثم بعمامته فأخذ رجل منهم يقول :
ولما رأت أن الشريعة همها ،،،، وأن البياض من فرائصها دامي
تيممت العين التي عند ضارج ،،، يفيء عليها الظل عرمضها طامي
فقال الراكب لمن هذا الشعر ؟ قال امرؤالقيس بن حجر .قال: والله ماكذب ، هذا ضارج أمامكم. فتحاملوا وجثوا على الراكب حتى رأوا ماء كثير وعليه العرمض والظل يفيء عليه ، اي كما وصفه امرؤالقيس ، فشربوا وحملوا منه وعندما وفدوا على الرسول عليه الصلاة والسلام أخبروه بما كان.
( الشريعة: الموضع الذي يُنحدرُ إلى الماء منه ،، الفرائص :جمع فريصة وهي اللحمة التي بين جنب الدابة وكتفها ،، تيممت :قصدت ،، ضارج : اسم مكان ،، العرمض : الطحلب ،، طامي : عالي الماء ).
باختصار فإن امرؤالقيس كان له السبق في أمور كثيرة في الشعر مثل ، استيقاف الصحب ، والبكاء في أطلال الديار ، ورقة الغزل ، ولطف النسيب ،،، وغيرها ، التي استحسنها الشعراء من بعده وساروا عليها.
ربما الحديث عن الشاعر امرؤالقيس يطول ولكن اختصرت كثيراً فلايمكن أن نذكركل شيء في سطور قليلة عن هذا الشاعر الذي يعد من شعراء الطبقة الأولى.
ب ✏️✏️✏️ ي
Discussion about this post