Views: 6
معارضتي الشعرية لقصيدة مجنون ليلى ( المؤنسة) والتي أستهلها بقوله:
تذكّرتُ ليلى والسنين الخواليا
وأيّامَ لانخشى على اللهو ناهيا
ويومٌ كظلِّ الرمحِ قصّرتُ ظلّهُ
بليلى ,,فلهّاني وما كُنتُ ناسيا
فأقول :
نسيتُ بك الدنيا
لأنّكَ رُوحي أنتَ أدرى بما بيا
وَتدري منَ الأشواقِ ماذا جَرى ليا
تَقولُ ( اذكريني) لستَ تَدري بأنّني
سَأهجُرُ نبضَ القلبِ لو كانَ ناسيا
أذوبُ كَمثلِ الشَمْعِ لو غبْتَ ساعَةً
فَكيفَ إذا كانَ الغيابُ لياليا
بعَيني وَرُوحي أنتَ ياسَيّدَ الهوى
وَعَرشُكَ في قلبي وإنْ كُنتَ نائيا
نَسيتُ بكَ الدُنيا فأنتَ حَقيقتي
وَخَلَّفتُ أوهامَ السنينِ وَرائيا
أمُوتُ وأحيا مَرّةً بعدَ مَرّةٍ
وَحالُكَ من نار الفراقِ كَحاليا
على أنّ مَوتيْ في هَواكَ رأيتُهُ
حياةً وَعُمراً في مَدى الدَهْرِ باقيا
مُتَيَّمةٌ فيكَ انصَهَرتُ وَلمْ أجدْ
لداءِ الهَوى إنْ حَلَّ في الرُوحِ راقيا
أحُبّكَ حُبّاً لو تَوَزَّعَ في الوَرى
لَما ظلَّ قلبٌ مِنْ لَظى الشَوقِ خاليا
إذا كانَ هذا الكَونُ سَبْعا عُجابُهُ
بحبِّكَ قد زادَتْ فَصارتْ ثَمانيا
وَيسألُ عنكَ الليلَ طُولُ تَنَهُّدي
وَطَرْفي كَطَرْفِ النَجْمِ ألقاهُ ساهيا
فأسْرحُ في عَينيكَ في قاعِ بَحْرها
وَمنْ وَحْيها رُوحي تَصُوغُ القَوافيا
سُحرْتُ بها وَيلي وَقبلَكَ لمْ يَكُنْ
إذا نَظَرَتْ عَيني منَ السِحْرِ ناجيا
فتأخُذُني اللوعاتُ في غَيهبِ الرُؤى
فأنسى بها نَفْسي وَأنسى زَمانيا
أُغافلُ أشواقي لأحظى براحَةٍ
وأعْذُرُها في البُعدِ تُلقي المآسيا
وَلكنّها مَجْنونةٌ لاتُريحُني
وتَزدادُ إيقاداً إذا كُنتَ دانيا
وَلو لامَ قَلبي في غَرامِكَ لائِمٌ
سَتصْبحُ نيراناً تُضيءُ الدَياجيا
فيا لائمي دَعني فتلكَ قَضيّةٌ
فَمالَكَ وَالقاضي إذا كانَ راضيا ؟
فَوَيلي من الآهاتِ تُورقُ في دَمي
وَغُصْنُ اصطباري باتَ في القلبِ ذاويا
وتَنظرُ للآفاقِ عَيني وَأدْمُعي
على الخدّ مَجراها يفوقُ السواقيا
سقى اللهُ عهدَ القُربِ نلهو بظلّهِ
ونرسمُ في حلوِ اللقاءِ الأمانيا
سَأصبرُ حَتّى يَجمَعَ اللهُ بيننا
وإنْ كانَ صَبْري يامُنى الرُوحِ قاسيا
فإن متُّ عشقاً سوفَ تنظُرُ صورتي
على القمرِ الساري تَجوبُ الأماسيا
ليلاس زرزور
راميار شاعرةُ الدّهشةُ تبادهُنا بلغتها المُتفرّدةِ الجريئة بانزياحاتِها المُدهشةِ وصورِها الجديدةِ المُتكاثفةِ فمرداتُها عذبةُ الرّناتِ ساحرةُ النّغمات تعبّرُ عن أُنثى الربيع ِ الخَضِرِ النّضرِ المُتموِّجِ في أصقاعِ روحِها البِكرِ البعيدةِ
إنني أمام قصيدةٍ مُفعمةٍ بالجمال على جانبٍ مِنَ الفرادةِ الفنيّةِ والجِدَّةِ رغمَ أنها تُعارضُ قصيدةً قديمة ,إنها للشاعرةِ المُتألّقة الجميلةِ روحاً ومُحيّا ليلاس زرزور , وأنا لا أصدرُ عمّا في نفسي من مشاعرِ الودِّ والتّقديرِ لهذه الشاعرةِ وحسب – وإنني لكذلك- وإنّما عمّا في تضاعيفِ القصيدةِ مِن فنٍّ وروحٍ شفيفةٍ .
لقد استطاعتِ الشاعرةُ أن تتقمصَ روحَ صاحبِ المؤنسةِ وتُسقطُها على نفسِها , الأُنثى العاشقة الوفيّةِ .. وأنا أجزمُ – يا صديقتي – أنَّ لا دُخانَ بلا نارٍ. فهذا الشجو لا يصدرُ إلّا عن مُعاناةٍ حقيقيّةٍ تعيشُها الشاعرةُ . وهذا هو الأهمُّ…فسرُّ النجاحِ في كلِّ عملٍ فنّيٍّ هو المعاناةُ ( وما مِنْ شيءٍ يجعلُنا عظماءَ كألمٍ عظيمٍ) ولعلَّ الألمَ والحِرمانَ والقمعَ العاطفي كانَ سرُّ عبقرية مجنونِ ليلى , وكلُّ أولئكَ كان يكمنُ وراءَ هذهِ القصيدةِ الخالدةِ. فالألم كانَ ومازالَ الصّيقلُ الحقيقي للفنِّ.. والوفاءُ مَعدِنُ الكرامِ وهذا ما تشفُّ عنهُ أبياتُ الشاعرة :
وعرشُكَ في قلبي وإنْ كنْتَ نائيا
وهذا ما عناهُ شاعرُ العربيّةِ الأكبرُ المتنبي :
خُلِقتُ ألوفاً لو رجِعْتُ إلى الصِّبا لفارقْتُ شيبي موجعَ القلبِ باكيا
واصغِ معي للشاعرةِ تترنّمُ بهذا البيتِ الفريدِ الشجيِّ:
على أنّ موتي في هواكَ رأيتُهُ حياةً وعمراً في مدى العُمرِ باقيا
وليتها قالَتْ في مدى الدهر لنأتْ بنفسِها عن تكرارِ كلمة عمر والعمرُ مهما كان فهو قصيرٌ أمام أحلامِنا وأمانينا ..
نعم هو الحُبُّ الكبير , شاعرتي ! يصدرُ عن القلوبِ الكريمةِ , وكما أنَّ الحياةَ لا تصبحُ عظيمةً إلاّ بعد الموتِ كذلك الحُبُّ لا يُصبحُ عظيماً إلّا بعدَ الفراقِ كما يرى الصوفي جبران خليل جبران.
وكم أخذت بقلبي هذه الصورُ العبيقةُ بالجمالِ بما فيها من تجسيد أو تشخيص وجدّة وإدهاشٍ: تأخذني اللوعاتُ , أُغافلُ الشوقَ , تورقُ الآهاتُ غصنُ اصطباري.. وتبقى هذه الصورةُ لظى الشوقِ أليفةً رغم أنها تقليدية لكنه القديم المُتجدّدُ
وما أجمل هذا التضمين للمثل الشعبي الشائع : فما لك والقاضي إذا كانَ راضيا فقد زاد النص قرباً وحُباً إلى القلبِ
وقد تتكئُ الشاعرةُ حيناً على التراثِ في معانيها لكن في اعتدالٍ شديد : سقى الله أو أحُبّكَ حُبّاً لو تَوَزَّعَ في الوَرى
لَما ظلَّ قلبٌ مِنْ لَظى الشَوقِ خاليا
فهذه مُبالغة مُحببة وإن بلغت درجة الإحالة فهي في شعرِنا العربي كثيرة , وهكذا نحنُ – الرومانسيينَ – نرى الدُّنيا كلَّها مِن كوّة نفوسِنا فنعسفُها عسفاً في بعضِ الأحيانِ
وأما لُغةُ الشاعرةُ فثريّةٌ مأنوسةٌ والمناخُ العام للقصيدة رومانتيكي آسرِ تشيعُ فيه الألفاظُ الشجية وهي كثيرة ملائمة منسجمة مع التراكيب والصورِ, وتراكيبُها تشيعُ فيها المدودُ بما يُلائم المناخ النفسي والغرض َ, وقد استخدمتِ الشاعرةُ لقصيدتِها شراع الطويل واختارتْ قافيةُ ورويّاً موفّقاً يوحي بالشجوِ العميقِ
ويبقى استخدام الشاعرة لكلمة عُجاب كجمع لأعجوبةٍ بعيداً عن القياس وهذا دليلٌ على أن الكمالَ لله وحده وقد وردتْ هذه الكلمة مرةً واحدةً في القرآن الكريم في سورة ص بصيغة المفرد, فالأُعجوبة جمعُها أعاجيبٌ لا عُجابٌ
{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ }ص5
هذه إضاءةٌ وليست دراسةً وافيةً كي لا أطيل وأُثقل أوجزْتُ وعساي أن أكونَ وُفّقْتُ بعضَ التوفيق
Discussion about this post