تركوا الفؤاد / الشاعر أمين زيد الكيلاني

Views: 36

تَرَكُوا الفُؤادَ بِجُرحِهِ إِذْ يَنْزِفُ
إِنِّي على مَحبُوبَتِي كَم خائِفُ

لَوْ أَنَّكُم، لَوْ تُعلِمونَ حَبيبَتِي
بِهَواجِسِي دونَ الكلامِ أُهاتِفُ

تَغريدُ عصفورٍ يُداعِبُ قُبْلَتِي
وَبِقُبْلَتِي فَوقَ الشِّفاهِ أُلاطِفُ

يا دِفْءَ قَلْبِي، والقُلوبُ أَكِنَّةٌ
أمَّا العُيونُ فَلِلْقُلوبِ مَغارِفُ

فَغَرَفْتُ مِن تِلْكَ القُلوبِ صَبابَتِي
فَنَما بُعَيْدَ الهَجرِ حُبٌّ جارِفُ

وَعَلِمتُ أَنَّ الهَجرَ ظِلٌّ زائِلٌ
لَو طالَ دَهْراً، سَوْفَ يَهوي الصَّالِفُ١

يا روحَ روحي، والرِّياحُ رِواحُها
وَغُدُوُّها، رَيْحانُها والرَّاهِفُ٢

فَتَهَيَّأَتْ شَمسُ الضُّحَى لِزَفافِها
قَبلَ السَّرابِ، لَعَلَّ الوَصلَ مُحالِفُ

يا قَلْبَ قَلْبِي، والقُلوبُ مَوانِئٌ
في بَحرِ غَزَّةَ، والفَنارُ مُشارِفُ

فَتَقَطَّعَتْ سُبُلُ الوُصولِ لِوَصلِها
لا عَونَ فيها، أَو سَلاها دالِفُ٣

وَتَجَمَّعَت ذاتُ النِّفاقِ على خَنَا
وَتَشَدَّقُوا: هَل غابَ مِنّا عاطِفُ؟

نَبَحُوا نِباحَ الكَلبِ، بَل وَتَنَمَّرُوا
فَوْقَ الَّذي فينا، عَلَيْنا صارِفُ٤

مَنْ قَدْ رَأَى بَعدَ الخِطابِ تَفاؤُلاً
أَم هَلْ بَدَا لِلْعَدلِ مِنْهُم ناصِفُ

يَتَسابَقُونَ إلى الطَّعامِ بِلَهفَةٍ
والجوعُ يَصلِي أَهلَنا والرَّاجِفُ٥

ظَنُّوا، وَمَا ظَنُّ الضَّعيفِ سِوَى خَيالٍ،
في خيالٍ، وَالخَيالُ مُرادِفُ

وَمُصاحِبٌ لِلْوَهنِ، بَلْ وَجٌنودهُ
هُمْ مِنْ ضِعافِ القَوْمِ، وَهْمٌ طائِفُ٦

يَخْشَوْنَ كَيْدَ عَدُوِّهِم إِذ صَمْتُهٌم
مِنْ جُبْنِهِم، لا عاشَ نَذْلٌ واجِفُ٧

فَرُّوا، كَأَنَّ الحَربَ حَتفٌ نازِلٌ
وَنَسُوا بِأَنَّ العُمرَ سَهمٌ خاطِفُ٨

فَيَئِسْتُ مِن أَهلِ القُبورِ وَصَمتِهم
وَنباحِ كَلبٍ في الوَجارِ٩ مُخالِفُ١٠

وَلَقَد سَئِمْتُ مِنَ الغباءِ وَأَهلِهِ
حَتَّى مَتَى يَعوِي كُلَيبٌ عازِفُ١١

يا حَسرَةً، فَالقَومُ ظَلّوا دُميَةً
يَلْهُو بِهِم مَجهولُ أَصلٍ زائِفُ

هَل عادَ نُوحٌ، وَالسَّماءُ تَلَبَّدَتْ
وَالأَرضُ مُدَّت، أَم تَخَلّى السَّالِفُ

وَالفُلْكُ تَجري فَوقَ أَمواجٍ عَلَت
مِثل الجِبالِ عُلُوُّها وَالنَّائِفُ١٢

أَمْ هَلْ تَولّى صالِحٌ عَن رُكْنِهِ
وَثَمُودُ عادَتْ وَالشَّقِيُّ يُجانِفُ١٣

عَقَرُوا العُهودَ بِنَقضِهِم فَتَيَتَّمَتْ
دَعَواتُ حَقٍّ، وَالنِّفاقُ يُصالِفُ١٤

أَمْ أَنَّ عاداً ريحٌها صَرَّتْ كَمَا
نيرانُ إبراهيمَ، أَجَّ القاصِفُ

مِن عَنكَبوتٍ أَوْهَنَتْ في بَيْتِها
نَسْجاً خَفيفاً، خَفَّ١٥فيه العاصِفُ١٦

وَبُيوتُنا صارَت قُبوراً سًوِّيَتْ
وَهداً وَمَهداً، دُكَّ مِنها النَّاجِفُ١٧

وَرَأَيتُ تَحتَ الشَّمسِ أَطفالاً لَنا
وَالزَّمهريرُ١٨ يُحيطُهُم والصَّائِفُ١٩

يَتَقاسَمونَ مَعَ الحَمامِ طَعامَهُم
والقُوتُ شُحٌّ، زادَ مِنهُ العائِفُ٢٠

جادُوا بِما نالُوا ومَا مَلَكَتْ يَدٌ
فَهُمُ السَّخاءُ، وَلِلرِّجالِ مَواقِفُ

أَطفالُنا مثلُ الرِّجالِ بِفِكرِهِم
وَبِصَبرِهِم، أَو حَيثُ شَبَّ الزَّاحِفُ٢١

يَتَبَسَّمونَ وَثَغرُهُم نورٌ بَدا
والأَرضُ دُكَّت حَوْلَهُم والجانِفُ٢٢

أطفالُ غَزَّةَ دونَ أطفالِ الوَرَى
لَبِسُوا المآسي، واللِّبَاسُ مخارِفُ٢٣

أَلِفَتْ عُيونُ العربِ قَتلَ صِغارِنا
فَصِغارُ القومِ لا يراهُم طارِفُ٢٤

فَتَوَشَّحَتْ ثَوْبَ السَّوادِ نِساؤُنا
أَو أُخرياتٍ لَفَّهُنَّ مُساعِفُ٢٥

امين زيد الكيلاني(شن)
قضاء حيفا – فلسطين
الجمعة: 15/12/2023
__________________
المفردات:
١- الصالف: المتكبر
٢-الراهف: الرقيق، اللطيف
٣- الدالف: الذي يمشي بالحمل الثقيل ويقارب الخطو
٤- الصارف: الكلبة المشتهية النكاح
٥- الراجف: الذي فيه رجفة ورعشة من حمى وغيرها
٦- الطائف: ما كان كالخيال يلم بالشخص
٧- الواجف: الخافق، المضطرب، المرتعش
٨- الخاطف: السهم الذي يخطئ الهدف
٩- الوجار : بيت الكلب او جحر الضبع
١٠- المخالف: المخالف لغيره، المعاند
١١- العازف: الذي لا يرغب بالآخر
١٢- النائف: الزائد، العالي، المشرف
١٣- يجانف: يميل ويجور
١٤- الصالف: المتبجح، قليل الخير الذي يمدح نفسه بما ليس فيه
١٥- خف: اسرع بالشيء او استهان بالامر
١٦- العاصف: ينذر بالعاصفة
١٧- الناجف: المشرف
١٨- الزمهرير: البرد الشديد
١٩- الصائف: شديد الحرارة
٢٠- العائف: المتعفف،او الكاره للشيء
٢١- الزاحف: الذي يمشي على بطنه:اشارة على الطفل الرضيع
٢٢- الجانف: المنزوي عن الاخرين
٢٣-مخارف:لباس الخريف:استعارة عن لباس الموت:الكفن
٢٤-الطارف: الناظر
٢٥- المساعف: المساعد: المعين: القريب.