Views: 0
مِنْ بُعْدِ ليلَيْنِ جُنَّ الشعرُ تُوقِدُهُ
بعضُ المعاني التي كانَتْ تُعَمِّدُهُ
وتَستَوي فيهِ ألوانُ المدَى ودَمي
وَيُورِقُ الليلُ ما أوْحى تَمَرُّدُهُ
لا يستوي العهدُ مع ما باتَ يلمحُهُ
منَ اجترارِ الهوى من حيثُ تنْشُدُهُ
ففي المعاني يلوذُ البردُ ملتحِماً
معَ المَسافَةِ يُصدي ليلَهُ غدُهُ
ويستبدُّ بلا قيدٍ ولا سِنَةٍ
كأنّهُ البحرُ لا أيدٍ تُقيِّدُهُ
جذلانَ يأتي حِمَاها في المساءِ فلا
يعودُ إلاّ وغيم الليل مَعبدُهُ
يرتابُ مِمّا تراءى في مَضاربِها
من السفورِ الذي ما كانَ يعهدُهُ
تشكو الفراقَ ولا تُولي لهُ لغةً
حتّى يَرى البُعدَ يحدوها وتَجحَدُهُ؟
وتَستفيقُ بها أحلامُها أمَلاً
في أنْ تظلَّ بمنأى لا تُحَدِّدُهُ
فالصمتُ حدٌّ كحدّ السيفِ مُنصُلُهُ
والوجدُ في حَيْرَةٍ والخوفُ مَرقدُهُ
والليلُ طالَ وبعضُ النجمِ سامَرَها
والوجدُ ينأى وغابُ الوهمِ يُبعِدُهُ
فكيفَ للوهمِ أنْ يجلو بهاً وطَناً
وما تجَلَّى بها شيءٌ يُخَلِّدُهُ؟
تلهو معَ الريحِ لا يبدو لها أثَرٌ
كأنّها الآلُ في الصحراءِ تقصدُهُ
فلا الظماءُ ترَوَّوْا بعد غُلّتهم
ولا السبيلُ بدا للعينِ مُوصَدُهُ
تستَنكِرُ الأمسَ والهمسَ الذي غرِقتْ
بلا المَجاذيفِ في الأمواجِ تُورَدُهُ
كأنّ زقّومَها أغرى بها ومَضَتْ
إليهِ في بيدِها تَعدُو وتَعهَدُهُ
لو كانَ في يدِها سيفٌ تهمُّ به
لكنّها السيفُ بينَ الرملِ تُغمدُهُ
تلهو هناك بما تأتي اللغاتُ لها
هَيْمى بِمَن باتَ نهرُ البوح يرفِدُهُ
فلا مَجَالَ لها في عُرْفِهِ وبها
ماءُ الفراتِ بعيْنيْها تُجمّدُهُ
فلا عليكَ فكُنْ أنتَ المُقيمَ على
غديرِكِ الثرِّ وارحَلْ حيثُ مَورِدُهُ
فالماءُ لا الآلُ يروي الروحَ منْ ظمأٍ
ويصدَحُ الشعرُ والآفاقُ مَربَدُهُ
Discussion about this post