Views: 142
الشاعرة السورية نازك مسّوح:
الومضة سرّ اللحظة…
*بقلم الكاتب الإعلامي سعدالله بركات

# منذ طفولتها كانت متميّزة بالتعبير والإلقاء ، حتى إذا باشرت التحصيل العلمي الجامعي، وجدت نفسها في دراسة اللغة العربية وآدابها ، و قد تمرّست بالكتابة والبوح ، وهي تدرّس طلبتها علوم لغة الضاد .
كيف لا ! وقد رعى موهبتها المبكّرة، والدها مدرس العربية العريق ، رحمه الله.
كيف لا! وقد ترعرعت في أحضان طبيعة خلاّبة في ،،حبنمرة ،، عروسة النضارة وواديها ، حيث “الماء والخضرة والوجه الحسن ” بل حيث التسابق على علم وتعليم ، على ثقافة وإبداع ، وحيث كل عناصر التحفيز و الإلهام .
من هناك ، وعبر تراكم ، ثقافة وتجربة ، وصقل موهبة إبداعية لافتة ، حين حلّت ،،استراحة المحارب ،، بالتقاعد ، راح الفضاء الأزرق ، يحمل تردّدات أشعار،، نازك مسّوح ،، في عديد المنتديات والمنصات الأدبية ،على موج خفيف ، حيث ينسرب إلى النفس فيفعل فعله ،سحرا وجذبا وعذوبة على نحو : “عرائسُ الجُلَّنارْ”
كرمَى لعيونِ عرائسِ الجلَّنارْ،
تتزاحمُ سحائبُ أَيَّارْ،
وتتوافدُ قطعانُها بغبطةٍ
تُجلِّلُ الكونْ،
لتبارِكَ العُرسَ عرسَ السماءْ.
ما أُحَيلى أن تضحكْ،
فَتَحمرَّ خدودُ البروقْ،
ويفترَّ من ثغرِها الأُرجوانْ!
وما إن تطرِّز أثوابَها الأمطارْ،
حتّى تجرَّ أَذيالَ العزِّ والتِّيهْ،
من أوعزَ لزخَّاتِها أن تُزغرِدْ؟
وهل هي شرارةُ البدايةِ لمَواسمِ
زفافِ الفصولْ؟
……………
كُرمى لعيونِ عرائِسِ الجلَّنارْ،
كمْ صَدحَت بلابلُ فيروزَ:
” ياكرمَ العَلالي عنقودَك لِنا.. “!
وكمْ تَدلَّت عناقيدُ القلوبْ،
وتمايلَت خِصَلُ أَفئدتها
بغنجٍ و دَلالْ!
فكيفَ لِحبَّاتِ عريشِها أن تنجوَ
من سحرِ مِنقارِ الشَّحرورْ،
وهي تعشقُ أغانيهْ؟
لا بل وأكثرَ…
فحُمرةُ شغافِها تلهثُ
بريشِهِ وتهيمْ
……………
و”عرائس “نازك وجلّنارها ، لاتحفل بالفرح والحب فقط ، وإنما بالعطاء في مواسم الفصول وزفافها، وبالأمل بغد أفضل :
كُرمى لعيونِ عرائسِ الجُلَّنار”
نثرتُ شذراتِ رُوحي
قَمحاً و ظِلالاْ…
في بيادرِ الأملْ،
ثمَّ لوَّنتُ بعصيرِ رمَّانِها
فراشاتِ وَ مَنتورَ
خريفِ عمري
ولمَّا أزلْ أحصدُ سنيني بذهولْ
قلت موهبة وبوح ، وهل غير بريق المشاعر ، أفضل إدهاشا بفكرة وكلمات !؟ حين يتهادى عبر ومضات إبداعية ، باشرتها شاعرتنا بداية ، وراحت تعلي عمارتها بأكثر 200 ومضة شعرية ،فيها من المعاني والقيم المكثّفة ، بقدر ما فيها من طلاوة جرس وحروف”
# كَم لفحَ الحطبُ المُزغرِدُ في تنُّورِ هواكَ
رغيفَ عُمري!
*******
# معَ أوَّلِ سهمٍ اِخترقَ قلبِي،
تقاطرَت دماءُ القصيدةْ.
************
#هي التي تعدّ الومضة ،سرّ اللحظة الراهنية ، وتعبيرا فوريا عمّا يجول بخاطر الشاعر أو يفجئه ، كيف لا تقاربها كوسيلة بوح عفوي ، عطاء إبداعيا ، لا ترفا ولا استسهالا ، وكأنّها وجدت فيها تواؤما مع روح عصر السرعة وجيله :
# فلتعبثْ رياحُكَ أيَّها الخريفُ بأوراقِ عمرِي كيفما شاءَت،
لكنَّها لن تنالَ منِّي،
مادمْتُ شجرةً دائمةَ الحُبِّ
***********
وهل ثمة أروع من ومضة غزل وحبّ ، والحبّ حياة وسبيل تحدي منغصاتها :
#عشق الحبق للزنبق فضحه … ريح في الجو عبق..
********
# أَقْراطُها المَجنُونةُ أُرجوحةُ طفلِ عَينيهْ…
*****************
#وفي رصيد شاعرتنا عشرات القصائد ، ونحو 55 من النصوص النثرية الطويلة .فضلا عن مشاركتها في ديوان ،،أغاني عشتار ،،ج3 قيد الإصدار عن ملتقى عشتار الثقافي 2023، فيما ترجم للفرنسية، ملتقى رضا علوان- فرع المهجر ، في ديوان الكتروني ، قصيدتها :
،،عاشق دمشق،،
“في غاباتِ الانتظارِ الموحشةِ
تاهَت أحلامُ ياسمينِ الشَّامِ الفتيّْ.
ما أصعبَ سعيَهُ المحمومَ
خلفَ فراشاتِ مرادِهْ!
إلى متى سينزفُ عطرُهْ؟
وإِنْ نفذَ صبرُ أغصانِهْ،
ما مصيرُ زهورِه الذابلةْ؟ ”
# هوذا عاشق دمشق ، يوجعه ما أصاب ياسمينها ، وما تكسّر من أحلامه المعرّشة على اشجاره ، وهي ذي شاعرتنا ترصد لحظة حيرة ، لفراق واغتراب ، بكاميرا إبداعها على نحو موجع ، حيث لم يجد من نوى السفر، حقيبة تتسع لكل ذكرياته :
“بابتسامةٍ ماكرةٍ صفراءَ
استهلَّ لقاءَهُما الأوَّلَ جوازُ السَّفرِ،
………….
هناك في سوقِ ( الخجا )
تجوَّلَ الياسمينُ متخبِّطاً
في شَرَكِ المشاعرِ المتناقضةْ،
ليسَ سعيداً،ولا حزيناً
لم يكنْ مُسيَّراً، ولا مُخيَّراً
كثيراً كثيراً بحثَ عن حقيبةٍ،
تتَّسعُ لذكرياتِهْ،طموحاتهْ،
وبعضٍ من ثرى شآمِهْ،
لكنَّ الخيبةَ اِستلَّت سيفَها
في وجهِ مراميهِ الحَثيثةْ،
اغتصبَت آخرَ أمانيه
موعزةً لهُ أنْ:
امضِ بحقيبتِكَ المتخمةِ بالحسرةْ،
ولتضربْ في أصقاعِ المعمورةْ
ولا تنسَ أنَّك إنسانْ ”
، الشاعر أديب نعمة ، وجد في هذا النص عظمة فريدة ، وقال : يستحق أدبها أن يُترجم لجميع اللغات ، لما يتميّز به من لغة سامية، وأسلوب جزل وتركيب محكمة الصوغ..
# وشاعرتنا ،لا ترصد فقط ، وترسل صورها عبارات بلاغية جاذبة ، وهي تحاكي الذكريات والأمكنة ، هاهي تومض الأمل من لحظة الوداع القاسية ، الأمل بزغردة شموسنا ، المعلّق بسؤال : ،،…متى الإيابُ؟،،
يا لهُ من طائِرٍ مهيضُ الجناحِ ذلك الوالدُ!
وكمْ شوقُهُ متوهِّجٌ لمن هَجَروا عشَّه فرخاً فرخاً!
ما أَقسَى الوَجدَ حينَ نتجرَّعُ كؤوسَهُ في فلذاتِ أكبادِنا!
حتَّامَ تهاجرُ طيورُ السُّنونو؟
وإلى متى ستبقَى متلاشيةً أنوارُ قناديلِنا،شحيحاً زيتُها؟
بئسَ المصيرُ الغربةُ القسريَّةُ!
ولا حبَّذا نارُها المحرقةُ جنَى عمرِنا،السَّالبةُ زهورَ حياتِنا..
أيا وطنَنا الجريحَ ،وجعَنا الدَّفينَ
أوليسَ الوقتُ للإيابِ؟
فمتى ستتراقصُ جداولُ الفرحِ مهلِّلةً لعرسِ اللِّقاءِ؟
وَحِينها فقط سوفَ تضحكُ الرُّبا،
وتنتشي الوهادُ ،وتزغردُ شموسُنا من جديد
# على نحو قصيدتها هذه وما قبلها، تلامس نازك ، الوجدان الوطني ، وتبعث بأكثر من رسالة لجيل أصيب في أحلامه ، فتقاذفت بعضه رياح الغربة أو تكاد… ، وذلك بالحماسة المحفّزة نفسها ،التي لامست فيها جوانب الحياة ، بأسمى معانيها :
“ذاتي المُتحفِّزَة”
……..
تساؤلاتٌ.. تساؤلاتٌ كثيرةْ
تزاحَمَت على شفاهِ سحيقِ أعماقِي،
تراقَصَت على مرايا ذاتي المتحفِّزةِ
لقطفِ ثمارِها الجنيّةْ.
أيا شُموسَ عمري الذَّهبيَّةْ،
فُكِّي ضفائِرَكِ السّمراءْ،
وانثُريها أغنياتٍ يُردِّدُ صَداها المَدى،
وَلْتشكِّليها مع الغارِ والآسْ،
وبالجلَّنارِ زيِّني خصلاتِها،
ثمَّ عمِّديها بالعطورِ والطُّيوبْ.
ما أجملَ الحياةَ وما أروعَها،
إذْ أمسَت معرِضاً لنفائِسِ المجوهراتْ،
رحِماً تتلاقحُ فيه أجنَّةُ سعيدِ الأمنياتْ.
………………………
# بأسلوبها الشائق الرائق ، تمضي بنا الشاعرة نازك مسّوح ، في رحلة ماتعة على موج قصيدها المفتون بالطبيعة ، فيماهيها سحرا ، لترتقي بالإنسان فكرا وقيما ، وقد تمكّنت من لغتها،فراحت تنساب سلسة ، وجاذبة بعذوبة مذاق :
“النجومُ في سماءٍ غائمةْ””
ماذا عن أوراقٍ غضَّة
على الأفنانْ،
لم تَكتحلْ بعدْ،
برؤيةِ تشرِينها الثَّاني،
تساقَطَت قبلَ أوانِ
خريفِها المَوعودْ؟
ما لون هاتيكَ العيونْ؟
أعسليَّةٌ أم عشبيَّةٌ أم
أنَّهُ لونُ اللَّيلْ،
يلفُّ أحداقَها
بصمتِه المُريبْ،
ليصيرَ
وجعَها المَحتومْ؟
ماذا عن وعودْ،
تُدفنُ في مهدِ طفولَتِها،
و تُوءَدُ قبلَ أن
يبتسمَ لها الفجرْ؟
ماذا ستخبرُ
جذورَ السَّروِ والزيتونْ،
إِذا ما زارَت ضريحَها
ذاتَ رحيلٍ قدسيّْ؟
قصائد نازك ، تراها منسوجة ببراعة ، بعيدا عن قيود الفراهيدي ، كل قصيدة جوهرة مصاغة بمهارة ، لا تستطيع الاقتطاع منها ” استشهادا” بسهولة ، حتى تخالها من أولها لآخرها متكاملة متشابكة الحبك ، يشدّ بعضها بعضا ،تراكيب ورؤى ، فيبدو النص لوحة فنية زاهية بجمال أدبي فريد ، لفته الشاعر أديب نعمة حين قال : ” نازك مسّوح ، أديبة مطبوعة ،بعيدة عن التكلّف والتصنّع ،عفوية التعبير، تقبض جيدا على عنان اللغة فتأتي بها نقية خالية من الشوائب، جزلة الألفاظ، متينة التراكيب ، وبأسلوب سلس ورشيق فيتلاحم الشكل والمضمون ، لترفد القارئ بنص مُترَف بالجمال الأدبي “.
“الرَّحيلُ صوبَ النَّفسْ”
” دَعني أتأبَّطِ الثُّريَّا،
………
دعني أمشِّطْ شَعرَ
الشَّلَّالِ الهادرْ،
فحريٌّ بي أن أقفزَ على
أعرافِ و تقاليدِ الأنهرْ،
ثمَّ أرتمي سمكةً مشاكسةً
في حضنِ “العاصي”.
…….
لا عجبْ….
فأقدامِي الحافيةُ
خاصَمَت كلَّ ذرَّةِ ثرى
وجميعَ ألوانِ الخِفافْ.
إذن..
كيفَ سيتهاوى نعشِي
في الرَّحيلْ؟
أينَ ستمضي بهِ أغانِي
المشيِّعينَ الحزينةْ؟
وأيُّ كفنٍ سيغنمُ بحبقِ
جَسدي جَسدي المُسجَّى
على أجنحةِ الحريرْ؟
هل سأعودُ إلى مهدِ أُمنياتي
بيضاءَ اليدينْ؟
لا لن أعودَ “بِخفَّي حُنينْ”،
سأكتفي بوَجعِ الحنينْ.
لا لن أعودَ إلَّا
حجراً كريماْ،
يلمعُ بينَ فكَّي كمَّاشةْ،
فهل مِن فارسٍ أسطوريٍّ
صائغٍ يقبضُ عليَّ
ليصوغَني قلادَةً
تزيِّنُ النُّحورْ؟
أو أعودَ زنبقةً تترعرعُ
في مشاتِلِ الحياةْ
تغفو بينَ بتلاتِها
أحلامُ أجملِ الفراشاتْ.”
تأخرت شاعرتنا ، في إطلاق العنان لقصيدها ، لكنها راحت ترفد الذائقة الشعرية ،بأعذب القصائد، عبر الفضاء الأزرق في 14 مجلة ومنصة أدبية في غير بلد عربي وأوروبي ، وهي ناشطة معطاءة في 16 ملتقى شعريا وثقافيا في سورية و في الساحة العربية والأوروبية ، وتجربتها جديرة بالدراسة والتذوق من النقاد والقراء على السواء .
وهاكم بعض جديدها ،، بئر تسكب المطر،، نقرأ:
متى سيشُقُّ السَّحابُ صدرَهُ”
عن تِلكمُ الكنوزْ؟
وتستحمُ حُقولي
حينها بماءِ وردِهْ؟
لا أدرِي،
ربَّما…
ولَكنْ يقينِي أنَّني
لن أفرِّطََ ولو بقبلةٍ
من عقدِ قبلاتِهْ،
لا بل ستغفو
عليها طفلةً مدللةً
في شغافِ قلبِي
…
الشاعرة السورية نازك مسّوح:
الومضة سرّ اللحظة…
*بقلم الكاتب الإعلامي سعدالله بركات

# منذ طفولتها كانت متميّزة بالتعبير والإلقاء ، حتى إذا باشرت التحصيل العلمي الجامعي، وجدت نفسها في دراسة اللغة العربية وآدابها ، و قد تمرّست بالكتابة والبوح ، وهي تدرّس طلبتها علوم لغة الضاد .
كيف لا ! وقد رعى موهبتها المبكّرة، والدها مدرس العربية العريق ، رحمه الله.
كيف لا! وقد ترعرعت في أحضان طبيعة خلاّبة في ،،حبنمرة ،، عروسة النضارة وواديها ، حيث “الماء والخضرة والوجه الحسن ” بل حيث التسابق على علم وتعليم ، على ثقافة وإبداع ، وحيث كل عناصر التحفيز و الإلهام .
من هناك ، وعبر تراكم ، ثقافة وتجربة ، وصقل موهبة إبداعية لافتة ، حين حلّت ،،استراحة المحارب ،، بالتقاعد ، راح الفضاء الأزرق ، يحمل تردّدات أشعار،، نازك مسّوح ،، في عديد المنتديات والمنصات الأدبية ،على موج خفيف ، حيث ينسرب إلى النفس فيفعل فعله ،سحرا وجذبا وعذوبة على نحو : “عرائسُ الجُلَّنارْ”
كرمَى لعيونِ عرائسِ الجلَّنارْ،
تتزاحمُ سحائبُ أَيَّارْ،
وتتوافدُ قطعانُها بغبطةٍ
تُجلِّلُ الكونْ،
لتبارِكَ العُرسَ عرسَ السماءْ.
ما أُحَيلى أن تضحكْ،
فَتَحمرَّ خدودُ البروقْ،
ويفترَّ من ثغرِها الأُرجوانْ!
وما إن تطرِّز أثوابَها الأمطارْ،
حتّى تجرَّ أَذيالَ العزِّ والتِّيهْ،
من أوعزَ لزخَّاتِها أن تُزغرِدْ؟
وهل هي شرارةُ البدايةِ لمَواسمِ
زفافِ الفصولْ؟
……………
كُرمى لعيونِ عرائِسِ الجلَّنارْ،
كمْ صَدحَت بلابلُ فيروزَ:
” ياكرمَ العَلالي عنقودَك لِنا.. “!
وكمْ تَدلَّت عناقيدُ القلوبْ،
وتمايلَت خِصَلُ أَفئدتها
بغنجٍ و دَلالْ!
فكيفَ لِحبَّاتِ عريشِها أن تنجوَ
من سحرِ مِنقارِ الشَّحرورْ،
وهي تعشقُ أغانيهْ؟
لا بل وأكثرَ…
فحُمرةُ شغافِها تلهثُ
بريشِهِ وتهيمْ
……………
و”عرائس “نازك وجلّنارها ، لاتحفل بالفرح والحب فقط ، وإنما بالعطاء في مواسم الفصول وزفافها، وبالأمل بغد أفضل :
كُرمى لعيونِ عرائسِ الجُلَّنار”
نثرتُ شذراتِ رُوحي
قَمحاً و ظِلالاْ…
في بيادرِ الأملْ،
ثمَّ لوَّنتُ بعصيرِ رمَّانِها
فراشاتِ وَ مَنتورَ
خريفِ عمري
ولمَّا أزلْ أحصدُ سنيني بذهولْ
قلت موهبة وبوح ، وهل غير بريق المشاعر ، أفضل إدهاشا بفكرة وكلمات !؟ حين يتهادى عبر ومضات إبداعية ، باشرتها شاعرتنا بداية ، وراحت تعلي عمارتها بأكثر 200 ومضة شعرية ،فيها من المعاني والقيم المكثّفة ، بقدر ما فيها من طلاوة جرس وحروف”
# كَم لفحَ الحطبُ المُزغرِدُ في تنُّورِ هواكَ
رغيفَ عُمري!
*******
# معَ أوَّلِ سهمٍ اِخترقَ قلبِي،
تقاطرَت دماءُ القصيدةْ.
************
#هي التي تعدّ الومضة ،سرّ اللحظة الراهنية ، وتعبيرا فوريا عمّا يجول بخاطر الشاعر أو يفجئه ، كيف لا تقاربها كوسيلة بوح عفوي ، عطاء إبداعيا ، لا ترفا ولا استسهالا ، وكأنّها وجدت فيها تواؤما مع روح عصر السرعة وجيله :
# فلتعبثْ رياحُكَ أيَّها الخريفُ بأوراقِ عمرِي كيفما شاءَت،
لكنَّها لن تنالَ منِّي،
مادمْتُ شجرةً دائمةَ الحُبِّ
***********
وهل ثمة أروع من ومضة غزل وحبّ ، والحبّ حياة وسبيل تحدي منغصاتها :
#عشق الحبق للزنبق فضحه … ريح في الجو عبق..
********
# أَقْراطُها المَجنُونةُ أُرجوحةُ طفلِ عَينيهْ…
*****************
#وفي رصيد شاعرتنا عشرات القصائد ، ونحو 55 من النصوص النثرية الطويلة .فضلا عن مشاركتها في ديوان ،،أغاني عشتار ،،ج3 قيد الإصدار عن ملتقى عشتار الثقافي 2023، فيما ترجم للفرنسية، ملتقى رضا علوان- فرع المهجر ، في ديوان الكتروني ، قصيدتها :
،،عاشق دمشق،،
“في غاباتِ الانتظارِ الموحشةِ
تاهَت أحلامُ ياسمينِ الشَّامِ الفتيّْ.
ما أصعبَ سعيَهُ المحمومَ
خلفَ فراشاتِ مرادِهْ!
إلى متى سينزفُ عطرُهْ؟
وإِنْ نفذَ صبرُ أغصانِهْ،
ما مصيرُ زهورِه الذابلةْ؟ ”
# هوذا عاشق دمشق ، يوجعه ما أصاب ياسمينها ، وما تكسّر من أحلامه المعرّشة على اشجاره ، وهي ذي شاعرتنا ترصد لحظة حيرة ، لفراق واغتراب ، بكاميرا إبداعها على نحو موجع ، حيث لم يجد من نوى السفر، حقيبة تتسع لكل ذكرياته :
“بابتسامةٍ ماكرةٍ صفراءَ
استهلَّ لقاءَهُما الأوَّلَ جوازُ السَّفرِ،
………….
هناك في سوقِ ( الخجا )
تجوَّلَ الياسمينُ متخبِّطاً
في شَرَكِ المشاعرِ المتناقضةْ،
ليسَ سعيداً،ولا حزيناً
لم يكنْ مُسيَّراً، ولا مُخيَّراً
كثيراً كثيراً بحثَ عن حقيبةٍ،
تتَّسعُ لذكرياتِهْ،طموحاتهْ،
وبعضٍ من ثرى شآمِهْ،
لكنَّ الخيبةَ اِستلَّت سيفَها
في وجهِ مراميهِ الحَثيثةْ،
اغتصبَت آخرَ أمانيه
موعزةً لهُ أنْ:
امضِ بحقيبتِكَ المتخمةِ بالحسرةْ،
ولتضربْ في أصقاعِ المعمورةْ
ولا تنسَ أنَّك إنسانْ ”
، الشاعر أديب نعمة ، وجد في هذا النص عظمة فريدة ، وقال : يستحق أدبها أن يُترجم لجميع اللغات ، لما يتميّز به من لغة سامية، وأسلوب جزل وتركيب محكمة الصوغ..
# وشاعرتنا ،لا ترصد فقط ، وترسل صورها عبارات بلاغية جاذبة ، وهي تحاكي الذكريات والأمكنة ، هاهي تومض الأمل من لحظة الوداع القاسية ، الأمل بزغردة شموسنا ، المعلّق بسؤال : ،،…متى الإيابُ؟،،
يا لهُ من طائِرٍ مهيضُ الجناحِ ذلك الوالدُ!
وكمْ شوقُهُ متوهِّجٌ لمن هَجَروا عشَّه فرخاً فرخاً!
ما أَقسَى الوَجدَ حينَ نتجرَّعُ كؤوسَهُ في فلذاتِ أكبادِنا!
حتَّامَ تهاجرُ طيورُ السُّنونو؟
وإلى متى ستبقَى متلاشيةً أنوارُ قناديلِنا،شحيحاً زيتُها؟
بئسَ المصيرُ الغربةُ القسريَّةُ!
ولا حبَّذا نارُها المحرقةُ جنَى عمرِنا،السَّالبةُ زهورَ حياتِنا..
أيا وطنَنا الجريحَ ،وجعَنا الدَّفينَ
أوليسَ الوقتُ للإيابِ؟
فمتى ستتراقصُ جداولُ الفرحِ مهلِّلةً لعرسِ اللِّقاءِ؟
وَحِينها فقط سوفَ تضحكُ الرُّبا،
وتنتشي الوهادُ ،وتزغردُ شموسُنا من جديد
# على نحو قصيدتها هذه وما قبلها، تلامس نازك ، الوجدان الوطني ، وتبعث بأكثر من رسالة لجيل أصيب في أحلامه ، فتقاذفت بعضه رياح الغربة أو تكاد… ، وذلك بالحماسة المحفّزة نفسها ،التي لامست فيها جوانب الحياة ، بأسمى معانيها :
“ذاتي المُتحفِّزَة”
……..
تساؤلاتٌ.. تساؤلاتٌ كثيرةْ
تزاحَمَت على شفاهِ سحيقِ أعماقِي،
تراقَصَت على مرايا ذاتي المتحفِّزةِ
لقطفِ ثمارِها الجنيّةْ.
أيا شُموسَ عمري الذَّهبيَّةْ،
فُكِّي ضفائِرَكِ السّمراءْ،
وانثُريها أغنياتٍ يُردِّدُ صَداها المَدى،
وَلْتشكِّليها مع الغارِ والآسْ،
وبالجلَّنارِ زيِّني خصلاتِها،
ثمَّ عمِّديها بالعطورِ والطُّيوبْ.
ما أجملَ الحياةَ وما أروعَها،
إذْ أمسَت معرِضاً لنفائِسِ المجوهراتْ،
رحِماً تتلاقحُ فيه أجنَّةُ سعيدِ الأمنياتْ.
………………………
# بأسلوبها الشائق الرائق ، تمضي بنا الشاعرة نازك مسّوح ، في رحلة ماتعة على موج قصيدها المفتون بالطبيعة ، فيماهيها سحرا ، لترتقي بالإنسان فكرا وقيما ، وقد تمكّنت من لغتها،فراحت تنساب سلسة ، وجاذبة بعذوبة مذاق :
“النجومُ في سماءٍ غائمةْ””
ماذا عن أوراقٍ غضَّة
على الأفنانْ،
لم تَكتحلْ بعدْ،
برؤيةِ تشرِينها الثَّاني،
تساقَطَت قبلَ أوانِ
خريفِها المَوعودْ؟
ما لون هاتيكَ العيونْ؟
أعسليَّةٌ أم عشبيَّةٌ أم
أنَّهُ لونُ اللَّيلْ،
يلفُّ أحداقَها
بصمتِه المُريبْ،
ليصيرَ
وجعَها المَحتومْ؟
ماذا عن وعودْ،
تُدفنُ في مهدِ طفولَتِها،
و تُوءَدُ قبلَ أن
يبتسمَ لها الفجرْ؟
ماذا ستخبرُ
جذورَ السَّروِ والزيتونْ،
إِذا ما زارَت ضريحَها
ذاتَ رحيلٍ قدسيّْ؟
قصائد نازك ، تراها منسوجة ببراعة ، بعيدا عن قيود الفراهيدي ، كل قصيدة جوهرة مصاغة بمهارة ، لا تستطيع الاقتطاع منها ” استشهادا” بسهولة ، حتى تخالها من أولها لآخرها متكاملة متشابكة الحبك ، يشدّ بعضها بعضا ،تراكيب ورؤى ، فيبدو النص لوحة فنية زاهية بجمال أدبي فريد ، لفته الشاعر أديب نعمة حين قال : ” نازك مسّوح ، أديبة مطبوعة ،بعيدة عن التكلّف والتصنّع ،عفوية التعبير، تقبض جيدا على عنان اللغة فتأتي بها نقية خالية من الشوائب، جزلة الألفاظ، متينة التراكيب ، وبأسلوب سلس ورشيق فيتلاحم الشكل والمضمون ، لترفد القارئ بنص مُترَف بالجمال الأدبي “.
“الرَّحيلُ صوبَ النَّفسْ”
” دَعني أتأبَّطِ الثُّريَّا،
………
دعني أمشِّطْ شَعرَ
الشَّلَّالِ الهادرْ،
فحريٌّ بي أن أقفزَ على
أعرافِ و تقاليدِ الأنهرْ،
ثمَّ أرتمي سمكةً مشاكسةً
في حضنِ “العاصي”.
…….
لا عجبْ….
فأقدامِي الحافيةُ
خاصَمَت كلَّ ذرَّةِ ثرى
وجميعَ ألوانِ الخِفافْ.
إذن..
كيفَ سيتهاوى نعشِي
في الرَّحيلْ؟
أينَ ستمضي بهِ أغانِي
المشيِّعينَ الحزينةْ؟
وأيُّ كفنٍ سيغنمُ بحبقِ
جَسدي جَسدي المُسجَّى
على أجنحةِ الحريرْ؟
هل سأعودُ إلى مهدِ أُمنياتي
بيضاءَ اليدينْ؟
لا لن أعودَ “بِخفَّي حُنينْ”،
سأكتفي بوَجعِ الحنينْ.
لا لن أعودَ إلَّا
حجراً كريماْ،
يلمعُ بينَ فكَّي كمَّاشةْ،
فهل مِن فارسٍ أسطوريٍّ
صائغٍ يقبضُ عليَّ
ليصوغَني قلادَةً
تزيِّنُ النُّحورْ؟
أو أعودَ زنبقةً تترعرعُ
في مشاتِلِ الحياةْ
تغفو بينَ بتلاتِها
أحلامُ أجملِ الفراشاتْ.”
تأخرت شاعرتنا ، في إطلاق العنان لقصيدها ، لكنها راحت ترفد الذائقة الشعرية ،بأعذب القصائد، عبر الفضاء الأزرق في 14 مجلة ومنصة أدبية في غير بلد عربي وأوروبي ، وهي ناشطة معطاءة في 16 ملتقى شعريا وثقافيا في سورية و في الساحة العربية والأوروبية ، وتجربتها جديرة بالدراسة والتذوق من النقاد والقراء على السواء .
وهاكم بعض جديدها ،، بئر تسكب المطر،، نقرأ:
متى سيشُقُّ السَّحابُ صدرَهُ”
عن تِلكمُ الكنوزْ؟
وتستحمُ حُقولي
حينها بماءِ وردِهْ؟
لا أدرِي،
ربَّما…
ولَكنْ يقينِي أنَّني
لن أفرِّطََ ولو بقبلةٍ
من عقدِ قبلاتِهْ،
لا بل ستغفو
عليها طفلةً مدللةً
في شغافِ قلبِي
…