Views: 19
د.إسية يوسف تحلّل ” تحت المجهر”
نصّ ،، الزمن الجائع،،
للشاعرة نازك مسّوح
————————————————————————————
# في إطار منهجها النقدي التحليلي الفريد ، للنتاج الأدبي ، تراها المبدعة الشاعرة د. آسية يوسف ، تتحف المتذوّقين ، بين حين وآخر ، بدراسة مفصّلة لنصّ تضعه ” تحت المجهر” وهو عنوان اختارته لبرنامجها النقدي الهام للناشئة كما للمبدعين .
في آخر حلقة من هذا البرنامج الأكاديمي الرفيع ، اختارت د. آسية نصّ ،، الزمن الجائع، ، للشاعرة نازك مسّوح ،وخلصت من تحليله إلى : أ:نه يثبت براعة المبدعة نازك في التعبير عن تجربتها الشعورية، و أحسنت التعبير عنها” .
وفيما أراه ،أن نص الشاعرة ،فلسفي بامتياز، ينضوي على دلالات قيمية مجتمعية ، وعلى رؤى فكرية ،أجادت في صياغته المكثفة شعريا . وهو نموذج من روعة بوحها والقصيد .
وهاكم النص وتحليله….
*سعدالله بركات ، كاتب وإعلامي
***************************
…. (نصٌّ تحت المجهر)
،، سمة الزمان في [ الزمن الجائع]،،
*نصٌّ للشاعرة نازك مسّوح
*بقلم د. آسية يوسف.
*النص …… ( الزمنُ الجائِع )
“حتَّى أكونَ مُتصالحةً معَ أصغرِ هُنيهةٍ، من زمني الآيلِ للعُبور
زمني المتخمِ باللَّا شيء..
سأعترفُ بأنَّهُ:
لا جديدَ أحتفي بهِ على موائدِ الوقت
لا مزيدَ من العجائبِ لإيقافِ انزلاقِ الزَّمنِ
على جليدِ الدهرِ الغارقِ
في الضَّباب.
كلُّ ما هو مقدَّمٌ على تلك الموائدِ
فُتاتُ نكهةٍ تقليديَّةٍ،
كلُّ ما على تلكَ الموائدِ من إدامٍ
لا يسمنُ ولا يغني من جوعِ الزَّمانِ وعطشِه.
جوعٍ يصلبُ دهري في اللّحظةِ آلافَ المرَّات..
يزرعُ طريقَ جلجُلتي الطّويلِ بالقَندول
وقبلَ “العشاءِ الأخير” تلتهمُني حِرابُه.
في ظلِّ هذهِ الغَوغائيَّةِ والفَوضى،
هل سيأتي الربيعُ “الطّلقُ ضاحِكاً “لي
قبلَ أن يبلغَ عُمري أرذُلَهُ
قبلَ أن يفتكَ به صقيعُ الوحدةِ؟
لا بدَّ أنَّهُ آتٍ وحينَها سأَنبتُ وأترعرعُ حيثُ بُذرتُ،
ولن أكونَ خائنةً “كطَرخُونِ” الشّام،
سأمضي وأثمرُ لا بل أستثمِرُ
في مواسمِ سَنواتي
المُزهرةِ المُقبِلة “.
*نازك
# الدراسة التحليلية للنص ، بقلم الشاعرة والناقدة د. آسية يوسف
سنقرأ نص الأستاذة نازك مسّوح ،حسب المنهج النفسي و الزماني من حيث المعاصرة وحسن التوظيف.
نبدأ كالعادة من العتبة الأولى للنص ،لنستطيع الولوج في متن النص ( الزمن الجائع) ،لا ريّب إن الزمن شغل الإنسان الشاغل، و المبدعون هم الأكثر حساسية تجاه الأزمنة و الأمكنة و مختلف الأشياء ، فالزمن في عِرف المبدعة ، يشكل هاجساً ألقت عليه أمانيها و شخّصته كإنسانٍ ، فأسبغت عليه صفة الجوع في كناية واضحة تبين دور الزمن في حياتنا ككل.
توظف المبدعة المفردات الزمنية لتعبر عن حالتها الشعورية، فبدأت النص ب( حتّى) الأداة التي تدلّ على الزمن كحرف جر وغاية حتى انتهاء الغاية:
((حتى أكونَ متصالحةً مع أصغر هنيهةً من زمني الآيل للعبور))
و الهنيهة هي أصغر وحدة زمنية أصغر من الثانية ، فالمبدعة تبدأ من الجزئيات ، لتنتهي إلى الكليات ،حيث الزمن العابر شئنا أم أبينا ،وهذا الزمن لا يحدّه شيء فهو مفتوح على الآفاق غير متاخم لأي حدّ.
و تقدم الكاتبة اعترافها ، ومن الواضح إنها في حالة نفسية من الخذلان ، و تشعر بعدم الإنجاز ،فلا جديد تحتفل بإنجازه ، و جعلت للوقت مائدة في تجسيد.. و كأن الوقتَ شيءٌ يؤكل فهو مادة معنوية مُستهلكة…
و المبدعة بانتظار حصول المعجزة ، أو إحدى العجائب التي انتهى زمنها، فهي تشعر انقضاء الزمن وهو ينزلق من حياتها، ولاشيء يوقفه، وميزت بين الزمن والدهر ، فالزمن هو تاريخ الحياة الفعلي ، بينما الدهر هو الزمن الممتد منذ الأزل و إلى الأبد… و تحاول إيقاف الزمن فتجلّده ، لكنه ينزلق ، فالدهر جليد يغرق في الضباب، مما يدلّ على غموض المستقبل وعدم فعالية المبدعة في الزمن.
و تشكو المبدعة من حالة السأم و الروتين و التكرار ، فكل ما يقدمه الوقت تقليدي ،و مكرّر، فلا جديد تحتفي به. و رغم صيغة التكثير ( موائد) ، نجدها غير فعالة على كثرتها ،فلا تسمن و لاتغني من جوع.. و ليس جوع البشر بل الزمان الذي يلتهم حياتنا و لا يشبع ، و يظل في حالةٍ من الجوع و العطش إلى المزيد…
و تنتاص المبدعة مع ثقافتها الدينية فتجعل من الدهر إنساناً يُصلب ( كما صلب السيد المسيح) في الإنجيل، فشخّصت الدهر كإنسانٍ يصار إلى صلبه مراراً و تكراراً في اللحظة الواحدة.
والزمن يزرع لها المعيقات ( القندول وهو نبات شوكي يُعرف بالجربان) و هنا نرى حسن التوظيف لأسطورة سيزيف الذي يحمل صخرته إلى جبل الجلجلة معذباً بآثام البشر، وإذ يحمل صخرته و يرقى إلى الجلجلة، و كلما وصل إلى القمة تدحرجت الصخرة إلى السفح ليعاودَ المحاولة من جديد مستمراً بلانهاية.
وكذلك مع قصص الأنبياء و درب الآلام للسيد المسيح الذي حمل صليبه إلى الجلجلة مفتدياً البشرية فهو الفادي، وتعود إلى الاقتباس من الثقافة الدينية فتذكر العشاء الأخير الذي يذكرنا بعشاء السيد المسيح مع تلاميذه.. لكن الشاعرة ستكون وجبة الزمن قبل وصولها إلى مرحلة العشاء الأخير… فكل ما حولها من فوضى و حروب وتداعياتها، تؤكد مصيرها المحتوم
# ثم تطرق المبدعة بوابات الأسئلة:
هل سيأتي الربيع الطلق ضاحكاً؟ مقتبسةً من رائعة ( البحتري) في وصف الربيع… لكن ربيعها مختلف فهو ربيع الحياة وازدهارها لا ربيع الطبيعة و حيويتها، فالأوضاع التي يمرّ بها الوطن و الحالة الاجتماعية و الاقتصادية يجعلها في حالة من الانتظار اليائس،
ضاحكاً لي… قبل أن يبلغَ عمري أرذله… فالمبدعة تستشعر انصرام الوقت دون أن تحقق أحلامها وأمنياتها… مكررةً ( قبل) وكأنها تتوسل الزمن أن يعينها قبل أن تبلغ شيخوخة العمر و تعاني من شتاء العزلة و الوحدة بمفردها دون رفيق.
و في المقطع الأخير تستعيد الشاعرة آمالها و عزيمتها قائلةً:
لا بدّ أنّه آتٍ فنرى نفحة من الأمل و بارقةً من نور، فهي لم تفقد الأمل وما تزال رهن انتظار، و حينها ستنبت و ستكون بارةً مخلصة…
و لن تكون خائنة ( كطرخون) الشام… متقاطعة مع المثل الشامي:
( خائن الطرخون إن زُرع بالشام ينبت بحلبون)
و الطرخون هو نبات من العرائش الممتدة يزرع و يمتد إلى أماكن بعيدة.
وقررت إن مثلها لايخون فهي بارة ،ولن تكتفي بالعطاء، بل ستستثمر كل لحظة من العمر الآتي ،لتجود و تعطي في كل مواسم وقتها و سنوات عمرها اللاحقة.
# سمة الزمان في نصِّ ( الزمن الجائع) :
ما نعيشه من أوضاع اقتصادية و حياتية تجعلنا نستشعر لاجدوى الزمن، وعدم فعاليتنا فينساب الوقت مهدوراً دون فائدة ،و يبدو أن للحرب و تداعياتها على وطننا الغالي وما نعيشه جعل الأدب على المحك، فأضحت النصوص ترجمان الحالة الشعورية التي يعيشها الأدباء ، والمبدعة تعبر عن حالتها النفسية وحالة القلق النفسي مقتبسةً من ثقافتها الدينية و حالتها الشعورية في تداعٍ ،لأنها العليا مؤكدةً إنها مؤمنة إن الله لن يخذلها و ستحقق أمنياتها و ستكون وفيةً لمن ساعدها على الزمن و أسهم في عودتها لتثمرَ من جديد.
#من خصائص النصّ الحداثي :الصورة الشعرية و التكثيف و حسن توظيف الأسطورة و منابع و مصادر الإبداع مثل المعجم الديني و المعجم اللغوي و الصور البديعية و المَثل الشّعبي
و عملية التوليف تثبت براعة المبدعة في التعبير عن تجربتها الشعورية و الحالة النفسية التي مرّت بها و أحسنت التعبير عنها.
تمنياتنا للكاتبة المبدعة بالتوفيق و استمرارية الإبداع في تجربتها الأدبية.
د. آسيا يوسف
شاعرة وناقدة
مديرة ملتقى عشتار الثقافي
*عشتار / ليلك برس