Views: 82
مساء يفيض بالسحر والجمال، حيث تهمس النجوم بأسرار الليل، وتتنفس الأرواح سكينة اللحظات…
نعود لحواراتنا الجميلة الرائعة ( حوار شعراء و أدباء )
يسعدني اليوم أن ألتقي بشاعر كبير، صاحب قلم مميز وصوت شعري فريد، ينسج من الكلمات عالماً خاصاً يعبر فيه عن مشاعره وتجربته الإنسانية العميقة…
عبر مسيرته الإبداعية، حيث تمكن من ترك بصمة في قلوب محبي الشعر والأدب،
وقدم لنا أعمالًا تفيض بالبلاغة والجمال، وتخاطب وجدان كل من يتذوق الكلمة.
سنغوص اليوم في عالمه الشعري، لنكتشف أسرار إبداعه، ونتعرف على رؤيته للشعر والأدب …
دعونا نرحب بالشاعر الكبير فواز عابدون
فوّاز غالب عابدون
مهندس معماري وشاعر
دمشقيّ المولد عام ١٩٥٧ م
سوريّ الجنسيّة
– عضو مُشارك في اتحاد الكتّاب العرب فرع دمشق – جمعيّة الشِّعْر.
– عضو في عدة منتديات أدبيّة وثقافيّة على مستوى الوطن العربي .
– عضو مجلس إدارة ملتقى البسملة الدولي للثقافة وجواهر الأدب .
– صدر لي ستة دواوين شعريّة بين عامي ٢٠٠٩ م و ٢٠٢٣ م ، والديوان السابع قيد الإعداد والطَّبع .
– أُدِعَتْ دواويني في مكتبة الأسد بدمشق ، ومكتبة الملك فهد بالرّياض ومكتبة جامعة الملك سعود وجامعة الملك فيصل بالسعوديّة ، ومكتبة مصر الوطنيّة بالقاهرة ومكتبة الإسكندريّة بمصر ، ومكتبة بيت الشِّعْر بالشّارقة .
– حَظيَتْ بعضُ قصائدي بدراسات نقديّة من قبل أساتذة ونُقّاد في جامعات سوريّة ومصر والمغرب وفلسطين .
– نُشِرَتْ بعض قصائدي في العديد من الصُّحُف والمجلات العربيّة في سوريّة ومصر والعراق والسعوديّة والمغرب .
– شاركْتُ مع نُخْبَةٍ من شعراء الوطن العربي في ديوان ( سوريّةفي عيون الشعراء ) وديوان ( فلسطين في عيون الشعراء ) وديوان ( الحُلم العربي ) و( موسوعة الشعراء الألف ) .
– نلْتُ العديد من شهادات التقدير وأوسمة الإبداع ودروع التميُّز من عدة منتديات أدبيّة وثقافيّة ومن لجنة العلاقات العربيّة في اتحاد كتّاب مصر .
– في الخامس من آب ( أغسطس ) عام ٢٠٢٠ م أطلقتُ قناتي الشعريّة على اليوتيوب والتي تضمُ نتاجي الأدبي وقصائدي مكتوبةً ومقروءةً ومسموعة .
كان لنا معه هذا الحوار الجميل الماتع …
حوار شعراء وأدباء
الأستاذة الفاضلة الشاعرة ليلاس زرزور شكرًا لهذه الاستضافة ويسعدني أن أكون معك في هذا الحوار الأدبيِّ :
1س- كيف بدأت رحلتكَ مع الشعر ؟
رحلتي مع الشعر بدأت منذ طفولتي فقد اختارني الشعر ولم أختاره لقد جذبني الشعر وشدَّتني القصيدة منذ الصِّغَر بداية المرحلة الدراسية الإعدادية وأنا في سن الثانية عشرة من العمر من خلال الأناشيد المدرسية والنصوص الشعرية المقرَّرة وكنت أحفظُها عن ظهر قلب وأطربُ إليها وأُنشِدُها في غرفتي في البيت على مسمعي بمتعةٍ وشغفٍ ولم يَدُرْ في خلدي أنني سأكون واحدًا ممن سيكتبونه , فقط كنت أستجيب لنداءٍ في داخلي يستدعيني إلى هذا العالم الجميل , وتنامت موهبتي مع الزمن وكان لوالدي رحمه الله الفضل الأكبر في ذلك أنْ شجَّعني وكان يُهدي إليَّ وأنا طفلٌ قاموس اللغة العربيَّة ودواوين كبار الشعراء أمثال المتنبي وحافظ إبراهيم وأحمد شوقي وما زالتْ لديَّ في مكتبتي الآن ومؤرَّخة بخط والدي منذ تاريخ 1970م , وكان يُقدِّمني في مجالسه الخاصة ومجالس العائلة لألقي على مسامع الحاضرين ما تفتقت عنه هذه الموهبة الفتيَّة ولم يكن ما كتبتُ يرقى إلى الشعر بل كان حبوًا على وريقاتِ طفلٍ صغير , وكانت مُتعتي بعد عودتي من المدرسة أن أمضي ساعةً أو أكثر يوميًا أقلِّب في معجم اللغة العربية ( المُنجد ) أبحث في معاني الكلمات وهذا ما جنيتُهُ من ذخيرة لغوية ومفردات أغنتْ قصائدي فيما بعد .
س – هل كان للهندسة المعمارية تأثيرٌ على تجربتك الشعريّة وكيف تجد العلاقة بين هندسة المباني وهندسة الكلمات ؟
الهندسة المعمارية مصطلح حضاري يقصد به فن البناء وهذا الفن له أسسهُ وقواعدهُ ومقاييسه وأنماطه وعناصره وجمالياته ومواده وكل هذه العناصر يعتمد عليها المهندس المعماري في تصميم وتشييد بنائه الماديّ تلبيةً لحاجة إنسانيةٍ مُحددَّة , وكذلك الشعرُ هو تشييدٌ معنويٌ روحيٌ وعملٌ هندسيٌ بامتياز فتُبنى القصيدةُ بيتًا بيتًا حتى تكتمل لتسكنها النفس وترتاح بين أبياتها الروح , والعمارة ليست معنيّةً بالمفهوم الوظيفي فحسب كما أن الشعر ليس معنيًا باللفظ والمعنى وإنما هناك بعدٌ إنسانيٌ أراه الرابط العضويَّ بين العمارة والشعر لأن كلاً من العمارة والشعر هو عمل خلقٍ وإبداع .
ومن هنا نجد أن الهندسة المعمارية والشعر كلاهما فنٌ إبداعيٌ يلامس الروح والوجدان ولا يخلو أيٌ منهما من الموهبة والإبداع والخيال والجمال , وعالم مُفعم بالإحساس والشعور والوجدان , ولا أجد فرقًا بينهما فالبناء المعماري هو عملٌ هندسيٌ يُشييّدُ ليسكنهُ الجسد ويأوي إليه الناس, والشِّعْرُ تشييدٌ معنويٌ روحيٌ ومهم في بناء الإنسان وما القصيدة إلا غيمة تفيض على الناس بالخير والشاعر يهدي ورد القصيدة للأنفس المتعبة .
س – كيف تؤثر التفاصيل الهندسية على مواضيع قصائدك وصورها ؟
لعل السؤال يصح في الحالين وأقول إن لكلٍّ منهما تأثيرٌ على الآخر , فالهندسة تعني التخطيط والتصميم والعناية بكل التفاصيل اللازمة لإشادة البناء فلا معنى لفكرة هندسية لا تستكمل تفاصيلها للتنفيذ , ومن هنا أقول إن الشعر لغة الروح وديوان القلب والحياة معاً وليس ترفًا فكريًا بل هو فنٌ جميلٌ للتعبير عن نفس الشاعر وما حوله والكلمة هي المادة الخام تُبنى عليها القصيدة بكل تفاصيلها بما يريد الشاعر أن يعبِّر عنه , ويبقى الشاعر ابن بيئته توحي إليه بمواضيع قصائده بما يجيش بنفسه من مشاعر وأحاسيس فتولد القصيدة بيتًا بيتًا بكل عناصرها وصورها الإبداعية والجمالية كما يُشاد البناء طابقًا طابقًا بكل عناصره الإنشائية والمعمارية والجمالية فأنا أتعامل مع مشروعي الهندسي كقصيدة ٍ شعرية لها فكرتها ووزنها وقافيتها وبنيتها وعناصرها الجماليَّة وأتعامل مع القصيدة كبناءٍ هندسي له وظيفته المرجوَّة وفكرتهُ الهندسيَّة وأسسهُ وعناصرهُ الجماليَّة .
ومن جهة أخرى هناك تأثير واضح للقصيدة على البناء المعماري يبدو جليًا في البيوت الدمشقية وخاصة في دمشق وحلب والتي كان البيت الشعري عنصراً أساسيًا في جمال هذه العمارة هذه البيوت , ولا أدلَّ على ذلك من قصر الحمراء في غرناطة والذي زُيِّنَت جدرانه بقصائد لثلاثة شعراء أندلسيين ( ابن جيَّاب ولسان الدين ابن الخطيب وابن زُمرُك ) وما زالت ماثلةً للعيان إلى اليوم وفاقت سبعين قصيدة , ويعتبر قصر الحمراء أكبر ديوان شعر مفتوح .
س 2- كيف توازن بين تقاليد الشعر الكلاسيكي ومتطلبات الحداثة ؟
نعرِّف الشعر الكلاسيكي بأنه الشعر الذي كتب قديمًا ويختلف عن الشعر الحديث في جوانب متعددة مثل البنية اللغوية والموضوع والأسلوب والصورة الشعرية , فالشعر العربي الكلاسيكي لغته عربية فصحى ومتقنة وأسلوبه رصين ومنمق مشبع بالمصطلحات العربية الفصحى ويتبع القوافي والأوزان والبنية الشعرية التقليدية أما موضوعاته فهي موضوعات تاريخية ودينية تقليدية كالحب والحرب والطبيعة بتراكيب معقدة ودقيقة والصورة الشعرية في الشعر الكلاسيكي أكثر وضوحًا وتنظيمًا وترتيبًا فيستخدم الزهرة للتعبير عن الجمال والنجمة للتعبير عن الأمل .
في حين أن الشعر الحديث يتبع متطلبات الحداثة من حيث كون اللغة مباشرة وبسيطة وأكثر حرية وأحياناً عامية ومصطلحاته حديثة وأساليبه مختلفة فهي أكثر حريَّة ومفعمة بالحيوية والعاطفة ويتناول موضوعاتٍ غير تقليدية معاصرة حديثة كالسياسة والمجتمع والمشاعر الإنسانية , والصورة الشعرية في الشعر الحديث مبتكرة بأسلوب إبداعي متطور تترك للقارئ مساحة للتفسير والتأمل فهي أكثرغموضًا وبما يتجاوز توقعات القارئ .
وهل ترى ضرورة للتجديد في شكل ومضمون الشعر ؟
الشاعر ابن بيئته استمد إيقاع شعره من الطبيعة وانصهر بها وجعل الإيقاع قوام شعره فكانت قصيدته لا تكتمل من دون التصريع فوظَّف التصريع في مطالع قصائده بدءًا من المعلقات ووظَّف كذلك الوزن والقافية والجناس والطباق واستمد من الطبيعة إيحاءاته وصوره الشعرية , ومع مرور الزمن وتتابع العصور من العصر الجاهلي إلى العصر الحديث نلاحظ التجديد في البنية الشعرية وشكلها ومضمونها وصورها لذلك كانت ضرورة التجديد في الشعر بانصهار الأجناس الأدبية في العصر الحديث ولا سيما بين الشعر والنثر فنجد في النثر لغة شعرية ونجد في الشعر الحديث لغة نثرية ولكن يبقى الشعر شعرًا والنثر نثرًا ومثال ذلك كتابات جبران خليل جبران النثرية نجد بها لغة شعرية وعذوبة وهو نفسه لم يُطلق عليها شعر , وكذلك نزار قباني في كتاباته النثرية في ( كتابه قصتي مع الشعر ) والتي لم تخل من شعرية وعذوبة ولم يقدمها كشعر , وخلاصة القول أن التجديد لا يكون على حساب الإيقاع فلا يمكن للشعر العربي في إطار التجديد أن يتخلى عن الإيقاع فهو ضرورة شعرية للقصيدة العربية وهو الحد الفاصل بين الشعر والنثر ولكن التجديد يجب أن يكون في المفردة والصورة الشعرية بما يتناسب مع العصر .
س 3 – الشاعر يعبر عن آلام وآمال مجتمعه عدا عواطفه الخاصة، كيف تنعكس القضايا الاجتماعية والسياسية في شعرك؟
هناك شاعرة جاهلية عرَّفت الشعر بأنه ما يجيش في صدورنا ويجري على ألسنتنا، والشاعر يُهدي ورْدَ القصيد للأنفس المتعبة فهو يعبر عن آلامها وآمالها لأنه ابن الحياة ومرآة الوطن قبل أن يكون مرآة نفسه.
وسبق أن قلت أن الشاعر هو ابن بيئته ومجتمعه وأمته وإن لم يتفاعل مع قضاياها فهو ميت غيرُ موجود.
والإبداع ليس له وقتٌ وليس له مكان فما أن تستثيرني قضيةٌ أو يهزني حدثٌ أجدني أمام جبروت اللحظة لحظة الإشراقة المجنَّحة لأدنو من الحقيقة كي تكتبَني القصيدة , وكثيرًا ما جسَّدتُ أحداثًا وقضايا وطنيةً في قصائدي وأشعاري فقد صدرت لي مجموعة شعرية كاملة ( بعنوان عفوًا دمشق ) عام 2015 م تتناول قصائدها الأحداث المريرة التي عاشتها سورية بلدي الحبيب كذلك انعكست القضايا الاجتماعية في كثير من قصائدي على سبيل المثال قصيدة ( ماسح الأحذية ) بعدما طالعني طفلٌ لا يتجاوز عمره ثماني سنوات يجلس على الرصيف ليجمع قوت يومه من مسح أحذية العابرين , كذلك قصيدة ( جائعة ) كتبتها بعد أن شاهدتُ سيدةً تبحث عن طعام بين القمامة , فالشاعر صاحب رسالة وقضية عليه أن يؤديها بتفاعله مع قضايا مجتمعه بصدق وأمانة وأن يعيشَ ويتفاعلَ مع الأحداث والقضايا من حوله برهافة الحسِّ وصدق الانتماء , وإلا فلا وجود له .
وفي قصيدتي هذا هو الشعر أقول :
بيتٌ من الشعر يكفي أن تعيش به إن كان قائله من صِدقه انبثقا
وكما يُعرِّف شوقي الشعر بقوله :
الشعر إن لم يكنْ ذكرى وعاطفةً أو حكمة فهو تقطيعٌ وأوزانُ
وهل ترى أن الشاعر يجب أن يكون صوتًا للمجتمع؟
الشعر هو ابن الشعور والوجدان والشعور والوجدان باقيان ما بقي الإنسان، والشعر مذ عرفه العرب هو ( ديوان العرب ) والترجمان المفصح عما لهم من أدب والحافظ لمآثرهم والسلك الجامع لمفاخرهم , ورسالة الشاعر في مجتمعه هي أن يكون كذلك كما أشرتُ ولن يكون الشاعر صوت مجتمعه إن لم يكنْ مُرهف الإحساس بقضاياه وآلامه وآماله بصدقِ التعبيرِ والتصوير , والقصيدة قد تكون مكتوبة في غرضٍ معين لكن تعثر في ثناياها على العالم كله آخذاً شكل الكلمات , وأستشهدُ هنا بقول الشاعر جميل صدقي الزهاوي :
إذا الشعر لمْ يهزُزْكَ عند سماعه فليس جديرًا أن يُقالَ له شِعْرُ
س4- في ظل التغيرات التكنولوجية كيف ترى دور الشعر في العصر الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي؟ وهل تعتقد أنها تخدم الشعر أو تضرُّ به؟
لا شك أن التغيرات التكنولوجية ووسائل التواصل الاجتماعي لها فضلٌ لا يُنكر في سهولة التواصل مع الآخرين من شعراء ومن متذوقي الشعر وسمحت للكثيرين بنشر إبداعهم الشعري ومواهبهم , لكنها في ذات الوقت كانت ساحة لمن هو شاعر ومن يدَّعي الشعر والمتطفلين عليه ويبقى القانون الإلهي يحكم الجميع ( فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) .
س5- هل الشعر صناعة أم موهبة ؟
ليس الشعر صناعة على الإطلاق فلا بد من وجود موهبة ( موهبة الشعر) كي تكتب القصيدة والتي أساسها الإحساس والشعور فالشاعر يشعر أولاً ثم يكتب الشعر , وإن وجد الشاعر نفسه يكتب بتكلف فالأفضل أن يكتفي بما كتب كي لا يُفقد ما كتب جماله وألقه , فالشعر ليس ترفًا فكريًا وإنما هو فنٌ جميل يعبر من خلاله الشاعر عن نفسه وما حوله وهذا لا يتأتّى إلا من خلال موهبةٍ فطرية بحسٍ مرهف وعاطفةٍ صادقة ولا بدَّ لهذه الموهبة من صقل وعلمٍ ومعرفةٍ تثريها علمًا وفكرًا وأدبًا ليمتلك أدواته من ضاد ونظم وفكر وبلاغة وهنا أجد للشعر الجميل الرصين الفاره ثلاث ركائز يقوم عليها أولها الموهبة وثانيها الأدوات وثالثها التجربة الشعرية .
وأستشهد بقول الشاعر محمود فضيل التل:
هذا هو الشعر لا حبر ولا ورق نبض من العين أو عين بها أرق
شمسٌ تضيء وأفياء تظللنا شيء على كل نفس بات يحترق
الشعر رأي ورؤيا في تألقها ليست تحد بشيء أو لها أفق
س6- من وجهة نظرك ما هي الخصائص المميزة لشعر كل من العصور الجاهلي والأموي والعباسي والعصر الحديث؟ وهل تعتقد أن كل عصر حمل خصائص معينة وقدم إضافة نوعية للشعر العربي؟
الشعر في العصر الجاهلي :
الشعرُ يُعد من أقدم وأهم الفنون الأدبية العربية ويمثل ذاكرة العرب وديوانهم، ظهر الشعر الجاهلي قبل 150 سنة من ظهور الإسلام في بيئة صحراوية جافة واستمد مادته من الحياة والبيئة المحيطة وصورها وتميز بخصاص من حيث الأغراض والموضوعات والأسلوب والتفاخر وإظهار المقدرات الشعرية في المجالس والأسواق والحروب.
– تشمل أغراضه مختلف جوانب الحياة من مدح وفخر ورثاء وغزل وهجاء ووصف حتى السخرية.
– تعددتْ موضوعاته في تصوير البيئة الجاهلية حتى أن القصيدة تبدو وكأنها مجموعة خواطر ترتبط بعضها ببعض بوحدة الوزن والقافية ومعظم القصائد تفتتح بمقدمة طلليه بالوقوف على الأطلال والتغزل بها ثم وصف الطرق ووصف الناقة ووصف حال الشاعر بسبب رحيل حبيبته ووصف جمالها ثم ينتقل إلى غرضه في القصيدة.
– أما الأسلوب فعرفت القصيدة في العصر الجاهلي بجزالة ألفاظها وخشونتها والاهتمام بالمحسنات البديعية وخاصة السجع والاستطراد وتوظيف الحكمة بشكل كبير وتصوير الطبيعة وصدق العاطفة.
الشعر في العصر الأموي :
يعتبر امتدادًا لقوة القصيدة في العصر الجاهلي وكان الشعر فيه بمثابة تجسيد تاريخي حقيقي لأحداثه , والتزم شعراؤهُ بوحدة الوزن والقافية وجزالة الألفاظ وقوة التراكيب وكان أحدُّهم لسانًا في الشعر كحسان بن ثابت شاعر الرسول عليه الصلاة والسلام , وقد استقى شعراؤه مفرداتهم من المعجم الإسلامي وكان لانتقال الحكم من الحجاز إلى الشام تأثيرٌ واضح على طبيعة شعر هذا العصر نظرًا لاختلاف بيئة العراق والشام عن الحجاز وأهم خصائص الشعر في العصر الأموي ظهور شعر النقائض وهو شعر اختصَّ بالتفاخر بالأنساب والانتماء القبلي بهدف مدح الخلفاء والوزراء للحصول على مِنَحِهِم , وممن برز في هذا الشعر على سبيل المثال جرير والفرزدق والأخطل .
أهم أغراض الشعر في العصر الأموي:
– الغزل : والشعر السياسي لكثرة صراعات الأحزاب السياسية على الحكم، ويعتبر الغزل والسياسة من الأغراض المستجدة في الشعر في هذا العصر, والعصر الأموي هو عصر الغزل بلا منازع وتعددت مدارسه إلى غزل تقليدي ومن شعرائه : كُثير عزَّة وجميل بثينة , والغزل الماجن ومن شعرائه عمر بن أبي ربيعة .
– الهجاء : وكان امتدادًا للهجاء في العصر الجاهلي وتوسع الأمر من هجاء تقليدي إلى شعر النقائض حتى أن شعراء العصر الأموي نظموا دواوين كاملة بذلك أمثال جرير والفرزدق .
– المديح : حاول بنو أمية أن يكسبوا الشعراء لتثبيت حكمهم فأجزلوا لهم العطاء ومن أشهر من أجادوا في المديح من الشعراء جرير والفرزدق وذو الرِّمَّة والأخطل .
– الطبيعة : امتدَّ شعر الطبيعة للعصر الأموي وصارت رؤية الشاعر الأموي نحو الطبيعة أكثر تعقيدًا ودقَّةً وجمالاً وممن اشتهر في هذا الجانب من الشعراء جرير وذو الرِّمَّة .
– الزُهْد : هو واحدة من الظواهر النفسيَّة التي تناولها شعراء هذا العصر خاصةً وأنه عُرفَ بعصر البذخ فكان لشعر الزهد أثرٌ فيه ومن أشهر شعرائه النابغة الشيباني والعجاج وابن أّذينة ومن أجمل ما قال فيه :
لا خير في طمعٍ يدين لنقصه وغُبَّرٍ من كفاف العيش يكفيني
لا أركب الأمر تزري بي عواقبهُ ولا يعاب به عرضي ولا ديني
كم من فقيرٍ غنيِّ النفس تعرفهُ ومن غنيٍّ فقير النفس مسكينِ
الشعر في العصر العباسي :
العصر العباسي هو من أطول العصور التي شهدتها الحضارة العربية، وهو عصر الإبداع في الشعر نتيجة التعرُّف على حضاراتٍ جديدة واحتضان بيئات مختلفة نتيجة توسُّع رقعة الدولة وما شهده هذا العصر من استقرار سياسي وانتهاء الصراعات والمنازعات والفتن مما سمح بالاهتمام بالأدب والعلم والفكر والفلسفة
لذلك كان لا بدَّ من تطور الشعر في هذا العصر ومما ساعد على تطور الشعر أيضًا اهتمام الخلفاء والسلاطين بالشعر وتقديم قصورهم منابر للشعراء
من خصائص الشعر في العصر العباسي الميل للبحور القصيرة كالهزج والمجتث والمقتضب، والجنوح للمجزوء من بحور الوافر والبسيط والخفيف، وامتازت معانيه بالجدَّةِ والرقَّةِ والعذوبة وابتكار الصور.
من أغراضه المديح والهجاء والرثاء والغزل والمجون (وهو غرض جديدٌ ظهر في العصر العباسي) وكذلك الزُّهْد والتصوُّف وهو أيضًا (غرضٌ جديد ظهر في هذا العصر).
من أعلام شعراء العصر العباسي المتنبي – بشار بن بُرد -أبو نواس – أبو تمام – ابن الرومي – البحتري والشريف الرضي وعليُّ ابن الحهم واشتهر بالغزل.
ونتيجة للتنوع الثقافي والحضاري الذي شهده العصر العباسي ظهرت أساليب جديدة في نظم الشعر منها:
– المزدوج : وهو اتفاق شطري البيت بالقافية مع وجود اختلاف من بيت لآخر.
– والمسمَّط : وهو أسلوبٌ تتضمن القصيدة فيه أدوارًا في كل دور أربعة أشطُر منها ثلاثة ذات قافية واحدة والأخيرة مختلفة.
– المُخمَّس : وهو مشابه للمُسمَّط من ناحية الأدوار لكن كل دور يتألَّف من خمسة أشطر , أربعة منها في القافية وتختلف في الشطر الأخير .
الشعر في العصر الحديث :
الشعر الحديث هو ما كُتِبَ بعد النهضة العربية ويختلف في أساليبه ومضامينه وخصائصه الفنيَّة وموسيقاه وأغراضه وموضوعاته يتميَّز بالخروج على شكل القصيدة التقليدية وعدم الالتزام بالقافية والوزن.
يُصنَّف الشعر الحديث إلى أصناف متعددة:
– حسب الأسلوب: شعر حُر، شعر مُرسَل، شعر الحداثة، الشعر المعاصر، شعر التفعيلة، وقصيدة النثر.
– حسب الأجيال: شعر الستينات، السبعينات، الثمانينات، التسعينات، شعر القرن الحادي والعشرين.
خصائصه:
– استخدام لغة عربية فصحى بسيطة ومفهومة إضافة للهجة العاميّة المحكية.
– عدم الالتزام بالقافية والخروج على الشكل التقليدي في بناء القصيدة.
– زيادة الخيال والتصوُّرات والأساليب واللجوء إلى الرمزية والتأملات في الكون والحياة في صياغة القصيدة.
– كثرة استخدام السخرية في طرح الفكرة.
– اختفاء المديح والهجاء والفخر من مواضيع الشعر الحديث.
– ظهور مدارس أدبيّة شعريّة بخصائص مختلفة مثل مدرسة الإحياء ويُعد محمود سامي البارودي واضع حجر أساسها، ومدرسة التجديد التي أسسها عباس محمود العقاد، ومدرسة أبولو وأسسها أحمد زكي أبو شادي، ومدرسة الشعر الحُر وما يسمى بشعر التفعيلة والتي تخلَّتْ عن مفهوم الوزن والقافية، ومدرسة المَهْجَر.
من أبرز شعراء العصر الحديث محمود سامي البارودي ويُعد رائد الشعر الحديث، أحمد شوقي، حافظ إبراهيم عباس محمود العقاد، نازك الملائكة، ميخائيل نعيمة، نزار قباني وغيرهم.
فيما يتعلق بالشقَّ الثاني من السؤال فيما إذا كان كل عصر قد حمل خصائص معينة وشكَّل إضافةً نوعيةً للشعر العربي فأقول :
إنَّ تاريخ الشعر العربي يعكس تنوُّعًا ثقافيًا وتطوُّرًا مستمرًا عبر العصور منذ الجاهلي وحتى العصر الحديث وشهدت هذه العصور تغيرات واضحة في الجانب الفني فالعصر الجاهلي كان المادة الرئيسية للأدب وعكس طبيعة الحياة العربيّة , في العصر الأموي تمَّ ابتكار شعر النقائض , في العباسي تنوعت الأجناس الأدبيّة والفنون الشعرية وابتكار موضوعات مستحدثة وأساليب جديدة في النظم ,وفي العصر الحديث شهد الأدب انتعاشًا باستخدام أجناس أدبيّة غربيّة ومن خلال ما سبق نجد أن تاريخ الشعر العربي عبر العصور هو تدافع أمواج لنهر واحد كل موجة تمهِّد للموجة التي تليها .
س7- ما رأيك في دور المرأة كشاعرة في تاريخ الأدب العربي وكيف ترى مكانتها مقارنة بالشعراء الرجال ؟
في المجتمع العربي القديم كانت الفحولة من مقومات الشعر ومع ذلك تبوأت المرأة مكانة مرموقةَ في قول الشعر ببلاغة اللسان وفصاحة الأدب ودخلت مجال الشعر وشاركت في أسواقه وجاوزت الرجل بذلك بل كانت حَكَمًا بين جهابزته , وحينما سُئِلَ جرير عن أشعر الناس قال ( أنا لولا الخنساء ) وإنَّ أمْدَحَ ما قالته العرب قول الخنساء في أخيها صخر :
أعزُّ أبْجَلُ تأتمُّ الهُداةُ به كأنَّهُ علمٌ في رأسِهِ نارُ
وعندما أنشدتْ الخنساء رثاءها في سوق عكاظ قال النابغة الذبياني وكان الحكم بين الشعراء ☹ لولا هذا الأعمى الذي سبقكِ بالإنشاد ويقصد الأعشى لقلتُ إنكِ أشعرُ الجن والإنس، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحثها على الإنشاد ويقول ( هيه يا خُناس ) وقال ( أما أشعر الناس فالخنساء ) .
وعِشْرِقَة المحاربية وصفها العقاد بقوله إمامةُ العشَّاق لقولها :
جريتُ مع العشَّاق في حلبة الهوى ففقتُهُمُ سبقًا وكنتُ على مَهْلِ
وفي العصر الأموي أصبح لها وجود أكبر حتى في الحكم على الشعر بالجودة أو الرداءة أمثال سكينة بنت الحسين .
وفي العصر العباسي كانت المرأة أكثر حريَّةً في قول الشعر والتغزُّل وقوة الكلمة دون تردد، وفيه انتشرَ الشعر والغناء.
وفي العصر الأندلسي العديد من الشواعر اللاتي أبدعن في نظم الشعر وتركن شعرَا خالدًا يُستشهد به إلى اليوم , أمثال ولادة بنت المستكفي من العاشقات البارزات , والشاعرة الأندلسية حفصة الركونيَّة والتي كان لها دور بارز في الأدب والسياسة وشهد لها الشاعر والمؤرخ الأندلسي لسان الدين ابن الخطيب بأنها أديبة أوانِها وشاعرة زمانها .
وفي عصرنا الحاضر تألَّقت المرأة الشاعرة في عالم الشعر بقوةٍ واقتدار في كلِ المجالات ويقول أدونيس (الصوت الشعري القادم في عالمنا العربي سيكون من جهة الأنثى فهي تمثل الصوت الداخلي الحميم الذي يميِّزُ كل واحدٍ عن الآخر، ولو قارنّا اليوم بين ما كتبه جيل الحداثة أمثال نازك الملائكة والسياب ودرويش ونزار وما مثلتْهُ مجلة شعر، وما تكتبه المرأة العربيّة اليوم فأنا أفضِّل شعر المرأة لقد سبقتنا بكثير لأن المعنى المخبوء بدأ يظهر في شعر المرأة وليس الرجل).
الشق الآخر من السؤال: هل تعتقد أن المرأة قدَّمتْ رؤية مغايرة أو إضافة مميَّزة للشعر العربي؟
أنا شخصيًا لا أجد فروقات بين ما يكتبه الرجل وتكتبه المرأة طالما أن الشعريَّة مُحققة فهناكَ نتاجٌ إبداعي يُكتَبُ شِعْرًا
فالشعر لا يرتكز على جنس الشخص بل على مدى حساسيته ونظرته للحياة ومستوى إبداعه وما يقدمه نصه الشعري من جوهر الشعر.
وفي الغزل نجد تأثير المرأة برهانٌ واضح على قرائح الشعراء قديمًا وحديثًا ولعلنا لا نجد للمرأة في سائر الألسن وصفًا يبلغ من الرِّقةِ وبلاغة المعنى وحُسْنِ التشبيه ما بلغهُ وصف الشعراء للمرأة كقول المتنبي :
ويَبْسُمْنَ عن دُرٍّ تقلَّدْنَ مِثْلَهُ كأنَّ التراقي رُصِّعَتْ بالمياسِمِ
وقول أمرئ القيس : أغرَّكِ مني أن حُبَّكِ قاتلي وأنكِ مهما تأمري القلبَ يَفْعَلِ
وهذه شاعرة مرَّت بأعرابيٍ فسمعته يقول شطر بيتٍ دون أن يهتدي إلى إتمامه:
نسج الريح على الماء زَرَدْ
فردَّتهُ على الفور قائلةً : يا لهُ دِرْعًا منيعًا لو جَمَدْ
وختامًا أقول إنَّ عينية ابن زريق ونونية ابن زيدون ودالية النابغة تشهدُ على دور المرأة وتأثيرها في الشعر العربي وأنها وحدها التي تقدرُ أن تخلع جمالها عليه.
س8- في رأيك من هو أفضل شاعر؟ وما الذي يجعلكَ تعتبره الأفضل؟ هل هو الأسلوب، المواضيع أم التأثير الثقافي؟
أن يُحَدِّدَ المرء أفضلَ شاعرٍ فهذا يرتبط بذائقة الشخص الذاتيّة , وفي رأي أن أفضل شاعر هو من يبعثُ فِيَّ الدهشة والإبْهار ويُحققُ لي الإمتاع ويُحدثُ في داخلي هزَّةً وجدانيَّةً أعيش بها ومعها , وكما قال الشاعر جميل الزَّهاوي :
إذا الشِّعْرُ لمْ يَهْزُزْكَ عِندَ سماعِهِ فليسَ جديرًا أن يُقالَ لهُ شِعْرُ
وما يجعلني أفضِّلُهُ كشاعرٍ هو موهبتهُ الحقيقيَّة وثروتهُ اللغويَّة وثقافتهُ وخياله وجمالية صوَرِهِ وما في شعره من متانة السبك وبلاغةٍ وعروضٍ وبيانٍ وانزياحاتٍ عن اللغة المباشرة.
ويبقى المتنبي حلم كل شاعرٍ فقد كان لحظةً متميِّزة في الشعر العربي.
س 9- ما رأيك في الألقاب التي تُمنَحْ للشعراء؟ وهل تعتقد أن هذه الألقاب تضيفُ للشاعر أم تحدُّ من إبداعهِ؟ وهل هذه الألقاب تعكس حقاً مكانة الشاعر أم أنها مجرد تسميات بلا مضمون حقيقي؟
الألقاب التي تمنح للشعراء تستحق النظر إليها لو كانت تُمنَح من قبل نخبةٍ من الشعراء والنقَّاد وعلماء اللغة العربيَّة الأعلام، فأمير الشعراء أحمد شوقي أعطيَ هذا اللقب من قبل كبار أعلام اللغة والشعر والأدب في زمانه لأصالته الحقيقيَّة وموهبته الفذَّة وثروته اللغويَّة وثقافته العالية التي جعلت شِعْرَهُ يَطرق القلوب , غير أن كثيرًا من الألقاب اليوم تُمنح بدافع الدعاية والإعلام والتسويق والمحسوبيات والشُّهرَة, وإن كانت فهي تُحَمِّلُ الشاعر مسؤوليَّةً أمام قُرَّائه والوسط الأدبِّي, كي يُثبت جدارته بالَّلقب الذي أُطلق عليه من خلال نصوصه الإبداعيَّة وشِعْرِهِ وأحقيَّتِهِ بهذا اللَّقَب , وفي كلِّ الأحوال الزَّبدُ يذهبُ جُفاءً , وما ينفعُ الناسَ يَمكُثُ في الأرضِ ويبقى النصُّ الشعريُّ الإبداعيُّ هو الحَكَمْ.
س10- ما هي المعايير التي تجعلُ القصيدة مكتملةً في نظرك ؟
للقصيدة الشعرية عدة معايير وهي:
– الفكرة : الرُّكنٌ الركينٌ من أركان الشعر , والشعر الذي لا يقدِّم فكرًا لا قيمة له ويخرج من مسمى الشعر إلى النظم.
– اللغة بفصاحتها وبلاغتها وجزالة ألفاظها بمبناها ومعناها.
– البحر والقافية بموسيقاها وإيقاعها.
– الأسلوب وهو البصمة التي يتركها الشاعر في نصِّهِ الشعريِّ والتي تعبِّرُ عنه.
– الخيال حيثُ يُبدِعُ الشاعر في التعبير عن مشاعره وأفكاره بالخيال والصورة الشعريَّة.
– صدق العاطفة أكانت في الحب أو الحرب أو الحزن والغضب وغيرها.
– الدهشة التي تستحوذ على الملتقي وتحقق له الإمتاع وتُحْدِثُ في داخله هزَّةً تبعثُ على الانبهار .
– وكما يقول شوقي في تعريف الشعر :
والشعر إنْ لمْ يَكُن ذكرى وعاطفةً أو حكمةً فهو تقطيعٌ وأوزانُ
س11- كيف تتعامل مع القراءات النقديَّة لقصائدِكَ؟
أنا أتعامل مع النقد بشكل عام باهتمامٍ وحرصٍ على تَتَبُّعِ الناقد في سبره أغوار القصيدة والتقاط مكنوناتها وبيان درِّها والتقاط المحار من أصدافها وتسليط الضوء على هنَّاتها وعيوبها وملاحظاته عليها وهذا لا يعنيني إلا مع ناقدٍ مُقتدرٍ تحكمه القصيدة والنصُّ الشعري فقط لغةً وموهبةً وبلاغةً وفكرًا وتصويرًا، وهذا ما أتعامل به مع القراءات النقديَّة لقصائدي وأكون سعيدًا بهذا النقد وأستفيدُ منه دائمًا.
س12- من هم الشعراء والأدباء الذين أثَّروا في مسيرتكَ الشعريَّة؟ وكيف ساهمت قراءتك لهم في تشكيل مسيرتكَ الشعريَّة؟
إنَّ كلَّ شعرٍ جميل يجذبني ويهزني ويستثيرني بإبداعه وبلاغته وصوره الشعريَّة يؤثِّرُ فيَّ وينصهر في بوتقتي الشعريَّة أيًا كان قائله , غير أن المتنبي وكما سبق أن قلتُ يبقى هو حلم كل شاعر, ومنذ بداياتي اقتنيتُ ديوانه أنهل من معينه الثرِّ البلاغة والحكمة , وأقول كذلك على سبيل المثال لا الحَصْر من الشعراء حافظ إبراهيم وأحمد شوقي والجواهري الذي يُسحرني بجزالة ألفاظه ورصانة سبكه ولديَّ ديوانه بأجزائه الثلاثة أقرأ فيها من حينٍ لحين , وإيليا أبو ماضي برقَّةِ أسلوبه ورهافةِ حِسِّهِ ومشاعره , ولكنَّ التأثير الأكبر كان للشاعر الكبير عمر أبو ريشة والذي كنتُ محظوظًا أن التقيتهُ شخصيًا عام 1975 م في حضرة والدي وألقيت أمامه قصيدةً ترحيبيَّة وأنا في سن السابعة عشرة من العمر قلتُ فيها :
يا ربَّة الشِّعْرِ ماذا قد يقولُ فمي يا سيِّدَ الطِّرْسِ أم يا سيِّدَ القَلَمِ
هاجَتْ حُروفِيَ ترحيبًا فهَلْ عَرَفَتْ غِنى القوافي لقاءَ الشَّاعرِ العَلَمِ
يا شاعرَ الشَّامِ والأبياتُ موحِيَةٌ هلاَّ عَذَرْتَ فمي إنْ خانَهُ قلَمي
يا رَبَّةَ الشِّعْرِ حَسْبي اليومَ مَعْذِرَةً أنْ يَرْقُصَ الشِّعْرُ في لُقياكَ فوقَ فمي
وكان لإعجابه بي وثنائه عليَّ الأثر الكبير مما جعلني أزهو بشهادته وتقديره وشكَّلَ تشجيعًا ودافعًا كبيرًا لي لأمضي على مدارج نظم الشعر، وقد حفظتُ العديد من قصائدهِ حتى أنني تأثرتُ جدًا بطريقة إلقائه وبيتِ القصيد الذي تميَّزتْ به قصائده وأشعارُهُ.
س13- كيف ترى دور الشعر في المجتمعات الحاليَّة؟ وهل تعتقد أنه مازال له نفس التأثير الذي كان له في العصور الماضية؟
إذا خلت الحياة من الشعر تصبح أقل جدارةً أن تُعاش فهو يشكل وعْيَ المجتمع ويُساهم في بناء المعرفة وتعزيز الثقافة فيه, والشاعر ضمير الأمة ولسانها ويقيني أن الشعر خُلق ليبقى فالشعر هو ابن الشعور والوجدان وهما باقيان ما بقي الإنسان , والقصيدة وعاءٌ يحتوي على كل مفردات الحياة الشخصية والوطنية والإنسانية وترتقي بالإنسان فكرًا وشعورًا بحيث تجعلهُ قادرًا على أن يُستبصِرَ بمشاعرهِ ملامح الحياة ظاهرها وباطنها ويُدرِكَ عالميهِ الداخلي والخارجي , وتأثيره يبقى حاضرًا في كلِّ العصور ما دام يُخاطب النفس والإنسانيَّة والروح والوجدان.
س 14- كيف ترى العلاقة بين القصيدة العموديَّة والنثر؟ وهل تعتقد أن النثر قد ارتقى إلى مستوى يمكن أن يسمى فيه قصيدة ؟ وهل يتطلب النثر المسمى ( قصيدة ) نفس القدرة من المهارة والإبداع الذي تتطلبهُ القصيدة العموديَّة ؟ ولماذا ؟
سؤالٌ مهم ويستحق التأمُّل فيه مليًا , إن أساس الشعر كما عرفناه وتذوَّقناه هو القصيدة العموديَّة التي كتبها العرب منذ الجاهلية وحتى اليوم , والشعر هو أهم جنسٍ أدبيٍّ عند العرب , أما النثر فهو فنٌ نثريٌّ جميل ويمتاز الشعر عن النثر بزخرفةٍ موسيقيَّة وهو ما يُميِّزُه عن النثر الذي تحرر من الوزن والقافية وقد أطلق عليه الفارابي القول الشعري تمييزًا له عن الشعر الموزون , فقصيدة النثر شعرٌ ناقص تنقصه الدلالة الصوتيَّة ومصطلح قصيدة النثر هو اعتداء على الشعر وكما يقول الدكتور نعيم اليافي ( هو فعل عصيان على ألف عامٍ وهي محاولةٌ لهدم الخطاب الشعري والتراثي والهويَّة القومية والحضاريَّة وهنا تبدو قصيدة النثر ليست قضية فنيَّةً بقدر ما هي قضية فكريَّة ) .
إن قصيدة النثر مصطلحٌ قلق يجمع بين نقيضين (الشعر والنثر) وليس هذا في ثقافتنا العربية فحسب بل عند كثيرٍ من النقَّاد الغربيين وأستشهد بقول الشاعر الأمريكي (روبرت فروست) وهو يعلن ساخرًا من الشعر الحر المتحرر من الوزن بقوله (سأرضى أن أكتب الشعر الحر حين يخطر لي أنني أستطيع ممارسة التنس بلا شبكة).
إن ما يُدعى قصيدة النثر هو مفهومٌ مُستورد للشعر من بيئةٍ أخرى وحضارةٍ أخرى لتلغي المفهوم العربي للشعر , ولا يُفهم من قولي أنني أعترض على النثر فهو فنٌ راقٍ وقد يكون الكثير من النصوص النثريَّة أجمل من الشعر وأعلى فنيَّةً , فكلُّ جنسٍ أدبيٍ يكتسبُ مشروعيته من نوعه وجودته وهو يحملُ تسميتهُ من ذاته بحسب مواصفاته الفنيَّة المتعارف عليها فإمَّا أن يكون شِعْرًا أو قصَّةً ولا يُنقِصُ من قدره في شيء جنسهُ أو نوعهُ فكلها أجناسٌ أدبيَّةٌ إبداعيَّة موقَّرةٌ ومشروعة ومنها النثريَّة ما دامت جيدة , أما تسمية النثر شعرًا فأرى أن هذه التسمية تقللُ من شأن وأهمية النثر ومكانته وكأنه لا جمالية فيه إلا إذا سُمِيَ شِعْرًا .
س 15- في ختام الحوار ماهي الهمسة التي تود أن توجهها في أذن الشعراء الشباب والجيل القادم من المبدعين ؟
أقول لشعرائنا الشباب والجيل القادم من المبدعين لا بد من وجود الموهبة لكتابة القصيدة والتي أساسها الإحساس والشعور وأغنوا ذائقتكم الشعريَّة بقراءة الشعر العربيِّ الذي يُثري مخزونكم اللغويِّ والفكريِّ والشعريِّ بمعنى أن على كلِّ من يتذوق الشعر ويريد أن يكتبه عليه أن يبدأ من قاعدة الهرم لا أن يقفز مباشرةً إلى القمَّة دون أن يكون له أساسٌ متين من لغةٍ وعروض , ولا تتكلفوا في كتابة الشعر فالشعرُ إما أن يكون شعرًا أو يكون نظمًا، الشعر هو ما اتسم بالوزن والقافية والصورة الشعرية وأثار الدهشة لدى القارئ أو المتلقي بصدق العاطفة، أما النظم فهو ما اقتصر على الوزن والقافية والفكرة وكما أشرت في قول الشاعر الزهّاوي:
إذا الشعر لم يهززكَ عند سماعه فليس جديرًا أن يُقال لهُ شِعْرُ
ولا تحدد فكرتك بالوزن واستمر بكتابة قصيدتك وابدأ بالبيت الأول وستجد الأبيات تنساب انسيابًا ما دمتَ تعيش الفكرة وتعيها حِسًّا ومعنىً ومن ثم أعد تهذيب ما كتبت بالتصحيح والتنقيح حتى تستقيم أبياتُها وزنًا وقافيةً ومعنىً.
ختامًا أشكر الشاعرة القديرة ليلاس زرزور لاستضافتي بحوار شعراء وأدباء وإتاحتها لي الفرصة كي أجيب على أسئلتها القيِّمة وأرجو أن أكون قد وفقتُ في ذلك.