Views: 41
من ألق العراق الإبداعي, حنان جميل حنّا
: الإبداع يتكامل في الشعر والفنّ التشكيلي
#حاورها سعدالله بركات*
نخلة عراقية سامقة ، جذورها ضاربة في أرض خصيبة ، وظلال أغصانها وارفة في صحراء أريزونا ، “حنان جميل حنّا” شربت ماء فراتا ، فتفتّحت أزاهير يراع ، شعرا ونثرا وفنّنا ، بألق حنين وإبداع ، في رصيدها مجموعتان ، وواعدة بمزيد ، وعبق بوح جديد ،
# أهلا بك سيدة حنان، مبدعة وزميلة مهنة، في هذا الحوار الأول الذي أجريه مع أديبة عراقية ومغتربة، مدشّناً مهمتي مديرا لمكتب ملتقى عشتار في ميرلاند ..
مني السؤال ومنك الجواب، فلنشرع الحوار :
*اهلا بك زميل غربة وقلم ، ومرحبا بالقرّاء الأعزاء ….
١-حنان حنّا، كاتبة نثر، مبدعة في الفن التشكيلي والقصيد، بل وإعلامية ،كيف نقدمك للقراء ؟
* أنا ابنة بلاد ما بين النهرين، جذوري عميقة لبلدي كعمق الأرض. ارتويت من عذوبة نهر الفرات المترقرق الجميل، تأثرت بشواهد النخيل المظللة على جانبيه و النسائم العليلة تراقص قاماتها الميّاسة، ومنظر النواعير العملاقة التي تسترسل في تناغم جميل مع خرير الماء المنسكب منها كأنها تعزف سمفونية تبهج الروح والنفس. عشقت تلك الأرض ونسجت جذورا عميقة لا تزال تربطني بها رغم مغادرتي لها قسرا بسبب ظروف مؤلمة ..
أحب كتابة النثر وأقرأ بنهم كبير، نصوصي لها إيقاع حسي متدفقٌ ومشاعر شوق و حنين عذبة لبلدي وأهلي، أتمنى أن تحقق للمتلقي المتعة والأستحسان الطيب.
أقرأ أي شيء يرتقي بالروح ويبشر بالأمل والسلام ، أحب الكتب الروحية كثيراً لأنها كنز عميق للتأمل، وأعشق قصص التأريخ لأنها أكثر وفرة بالأحداث.
عشقت الرسم والفنون الأخرى منذ الصغر، عشقي للزهور جعلني أرسمها بجمالية عذبة وكأنني أراقصها وأعطائها طبيعتها الفريدة التي ميزها الله بجمال مبدع ومبهر للناظر.
كتبت عن الوطن و رسمته في لوحاتي تجسده أنثى، فالأنثى برأيي تمثل الأرض والوطن الكبير والينبوع الدائم للعطاء والحضن الواسع لأبناءها.
٢ -كيف وجدت نفسك في لجة الإبداع الأدبي ” قراءة وكتابة” والفني؟
*هناك دوما عنصر صغير يطلق شرارة ولكنه يحتاج لعمل كبير و واسع، تبدأ بلوحة خيالية تنبض بعمق وجمال، ولكنها تلامس الواقع وتحطم كل الحواجز وكأن الخيال أجُبر أن يكون حقيقه، حيث تتلاقى الكلمات والالوان لتخلق عالما من الشعور والجمال في زاوية قلبي. فأرى نفسي وأنا ألملم أشلاء أوراقي، وفي لحظة من الزمان، أتعثر بخطى على درب الذكريات، فأصبح كالفنان الذي ينسج خيوط الألم والأمل معا.
تتداخل كلماتي لتخلق لوحة فنية تتراقص على أوتار الوجدان هذه القطعة الفنية تجسد عمق المشاعر وتفرد الروح، مستخدمة النحو والصرف و محاكية بذلك الروح الثائرة بداخلي، فأنتهي بنص أو لوحة تأسر القلوب بجمالها، و مغناةً بطرب لغوي يجذب ويسحر المتلقي.
في الحقيقة هو عملٌ مضنٍ يأخذ مني جهداً ليخرج في النهاية بالحلة والعمق الذي يرضيني.
٣-متى ولجت ميدان الإبداع شعرا وفنا تشكيليا؟
* أدين بالفضل الأول لوالدي – رحمه الله – ثم لمعلمة اللغة العربية في الثانوية حين قرأت دفتر خواطري الصغير، شجعتني وقالت لي كوني مبدعة وابحثي باستمرار وشغف في دواوين الشعراء، فلا إبداع إلا نتيجة مخاض عسير.
٤-ما أول ماكتبتِه و نشرتِه ؟
* أول قصيدة كتبتها ونشرت كانت عن حب الوطن والانتماء إليه في بداية الثمانينات الماضية، وتم نشرها كما هي في جريدة الجمهورية المحلية انذاك في بغداد/ العراق.
٥- قارئ نصوصك يلمس علاقة وطيدة بينك وبين الأمكنة ما وراء هذا الترابط ؟
* الأماكن مرتبطة بوجدان الإنسان وهي حالة نفسية تجعله متأثرا بعواطفه أكثر من تأثره بفكره، والنص الأدبي والنثري ما هو إلا صورة شعرية بما يحدث داخل ضمير الكاتب من انفعالات واتجاهات وميول نحو أماكن عاش فيها تأثر بها قد تكون لذة فرحة أو ألم فقد. لذا ترى معظم ما أكتبه هو حديث الوجدان للوجدان و هو لا يستهدف العقل بل العاطفة، فأنا أنسج من خيوط اللغة لوحة يعجز عن فهمها العقل دون مساعدة القلب.
استشهد بنص لي كتبته عن مدينتي الحبيبة ” بغداد “.
بغــدادُ
أفتّشُ عن طريقكِ متأوّهةً ..
و حنيني يلجّ بي دوما إليك
بغدادُ .. يا قرّةَ العينِ
كيف أطفىء حنيناً ..
استعرَ استِعار النارِ ..
يا روحاً ..
ترفرفُ على جباه ذاكريها
و يا عشقاً وأزَلاً ..
لا يعرف درباً غير درب الخلود
لا أدري كيف أركبُ مهجةَ كلماتي إليك ؟
من غير حاجةٍ إلى شفرةِ عبور ٍ؟
هذا الشعور يجري بداخلي
كأنه للأبد..
أجرُّ أيامي جَرّاً ..
لعمرٍ يلتهبُ شغفاً بها ..
و يحترقُ قلبي صَبابةً
أراك يا بغدادُ ..
كسراب غيرِ محدود ..
و بعيون أمل تستدعيني آمرةً
كأَنها تهاليلُ الفرح المخنوقِ
و صوت مثقَلٌ بالعتابِ ..
هامساً بالرجوعِ ..
آهِ .. بغدادُ
وددتُ تقبيل ذاك الطيفَ
بشفاه روحي .. وهي ترتجف ..
بوهجِ الشوقِ .. و الحنينِ .
٦- ثمّة من يقول : الشعر فن الرسم بالكلمات، هل الفن التشكيلي فن رسم الأفكار ، وهل ثمة ترابط؟
* الاثنان يكملان بعضهما، بيكاسو كان رساما وشاعرا، وهو الذي قال:
“يمكن أن نكتب لوحة بالكلمات كما يمكن أن نرسم المشاعر في قصيدة.”
كثير من اللوحات مستقاة من أعمال أدبية مشهورة، اللوحة الفنية يمكنها أن تقدم نموذجا وفكرة لكتابة قصيدة الكتابة.
شخصيا، الطبيعة من حولي أثرت بي.
كنت وما أزال أخترق أعماق الطبيعة لأفهم سر الحياة، فأحببت أن أنقل هذا الجمال على الورق كتابة و رسما. فعندما نتأمل في العالم من حولنا نجد أن كل شيء ينبع من الرسم.
٧-في حوار لك مع موقع،،كولان،، قلت : ليس الشعر موهبة أو اكتساب ، بل هو يتعاطى مع اللغة ، وينطلق عشق الإنسان لكتابة الشعر ، كيف ذلك ؟
* الشاعر يتعاطى مع اللغة لأنها سبب قوته، وبالتالي هي مادة الشاعر الأساسية التي يعمل فيها.
فالكلمة في الشعر وجدانية تتحدث مباشرة للروح.
قالوا قديمًا: إنّ القصيدة تبدأ عمليةُ خلقها داخل العقل والروح لذا يولد الشعر من عشق الإنسان للغته المحببة.
٨-عراقية في ملتقى ثقافي سوري افتراضي، للأمر دلالته !!؟.
* سورية بلدي الثاني سكنت فيها مع عائلتي أكثر من ثمان سنوات، قبل مغادرتنا لبلاد المهجر، اختبرت طيبة وكرم وأصل أهل هذه الأرض الجميلة والمباركة، فلا غرابة في أن أكون عضوة في ملتقى سوري/ عراقي، يحتضن نخبة رفيعة المستوى، و من خيرة الأدباء والشعراء، يُنشدون العلم شعاراً والثقافة منارة، وقد حملوا على عاتقهم مهمة الإبداع الفكري والثقافي.
برأيي الشخصي هم كوكبة من أعظم المحاربين عن أصالة اللغة العربية وآدابها .
٩-في ختام أحد نصوصك ، من مجموعة “أنا وعيناك والأفق ” تتساءلين ، هل من مكان وراء الغربة؟ هل سنعود؟ فهلّا وجدتِ الجواب؟
* المغترب كان ولايزال يحمل دائما صورة وطنه وأرضه وأهله في ذاكرته. الحنين الدائم الى الوطن يحفر عميقا في القلب والوجدان.
وهذا ما عبر عنه جبران خليل جبران بقوله:
” سوف يجيء يوم أهرب فيه إلى الشرق، إنّ شوقي الى وطني يكاد يذيبني”.
١٠- في قراءتها الرؤية الشعرية في مجموعتك ،، عبثا يموت الحلم ،، توقّفت الشاعرة والناقدة د، آسية يوسف عند التضاد في لغتك الشعرية ، من آه بغداد .. وزفرات الحنين ، إلى تفاؤل محمول على طيف حلم والأماني، هل الأمل دواء لوجع التوق ؟
* في عمق ألم الشوق والحنين، هناك دوماً بصيص من الأمل يتسلل إلى أرواحنا. كما لو أن الطبيعة نفسها تهمس في أذننا بأن بعد كل عاصفة، هناك صفاء ، وبعد كل ليل مظلم هناك فجر ينتظر أن يولد. وفي كل قطرة ألم التوق، هناك بحر من الحكمة ينتظر أن نكتشفه، وفي كل لحظة يأس، هناك فرصة للنمو والتجدد.
فلنتعلم من الألم ولنجعله جسراً نعبر عليه نحو يوم جديد. و لابد لن نتقبل هذا الألم كجزء من رحلتنا، لنتعلم منه وننمو، فالألم مثل الحب يعلمنا معنى الحياة.
هذه سطور من نص صهيل الحنين، كتبت فيه أقول :
طال سُهدُها…
ففي عيونِها أملٌ لا يتألقُ
وابتسامةٌ لا تُحلّقُ..
و ذلك القلبُ
يَغفو بينَ أضلعِ السَّرابِ ..
عَبثًا تُحرقهُ مَلاحِمُ سَوطِ الماضي.
أصغتْ لصهيلِ الحنينِ
و أجزاءُ روحِها .. فرّقَها عبابُ البحارِ..
فلم يَطبْ لُهاثُ فؤادِها البقاءَ ..
فركِبتْ مركبَ الأهوالِ
لتنالَ الرغائبَ ..
في أعالي نجمِ سَعدِها .
١١- ما هي رسالتك لجيل الاغتراب الجديد ؟
*هناك رسالة حضارية يحملها كل مغترب حيثما اتّجه هي رسالته الإنسانية، رسالة حضارية يحملها من موطن الحضارات إلى العالم الجديد، و رسالتي هي:
لا تنسَ بلدك أبداً!
و أتمنى من كل مغترب جديد أن يحاول كل جهده في تحديد هدفه من الحياة ودوره في ضوء رؤية موضوعية عميقة، وما يوحي به العقل والوجدان بعيداً عن كل التأثيرات الخارجية.
١٢- ماذا يعني لك كل مما يلي :
الفرات: أجمل ما أتذكره في صباي، نبع خير لأرض مباركة، غبطة للناظر لروعة مياهه الزرقاء العميقة التي تتصل بأزلية الروح وخلود الأثر.
النخيل: الشجرة الأكثر قدسية لأجدادي السومريين، كانت وستبقى رمز العنفوان والعزة والكبرياء.
الكتابة: رسالة وفن رائع يشبع الكاتب والقارىء على السواء، فالأول يعبر عن انفعالاته والثاني يطالع الإمتاع والدهشة.
الغربة: أيّامٌ لا تُحسبُ من عُمرنا ضائعةٌ بحورها بعيدةٌ..
مراكبها متهالكةٌ ملامحُها كعاصفةٍ هوجاء تعبثُ بضفاف الحياةِ، هي لحظةُ واحدة تخطف العمر كلهُ من أيدي الزمنِ.
الفيسبوك : قديمًا كانت المعرفة تنقل عن طريق تداول القصص والأخبار، اليوم الفيسبوك يسهّل الاطّلاع على معظم طقوس الثقافة كالشعر والرواية والمقالات التي هي غنية بنقل وإيصال المعرفة للجميع، والقاريء ملتزم بالحكمة والدراية بكيفية استخدام هذه المنصة الإلكترونية بالمعرفة سواء كانت ثقافية، علمية أو فنية.
الموسيقى : لغة عالمية تنقل الناس إلى عالم آخر، و يمكن للموسيقى أن تكون وسيلة للتواصل مع المشاعر، حتى عندما لا تكون الكلمات كافية.
ومن هذا الموقع، أحب أن أوجه رسالة للمعنين بالمواهب اليانعة والجيل الجديد..
مسؤوليتنا كبيرة وتبدأ من الطفل ، نحتاج لإعادة نظر وتشجيع الطفل للقراءة اليومية ليغرف من ينابيع العلم والمعرفة دائما. علينا لن نعرف أين نزرع بذورنا، نحتاج لمبادرات واسعة لترسيخ مدى أهمية القراءة ، فالذي يسير في طريق القراءة والبحث الدائم سينال خطوات النجاح. وبدوره سيساهم في رفع مستوى الفكر لأجيالنا ولأجيالٍ ستأتي.
في الختام، أتقدم بالشكر الجزيل لإتاحة هذه الفرصة الرائعة لي، ولهذا الحوار الممتع، وأتمنى لمجلتي ،،زهرة الليلك ،، و ،،أزهار الحرف ،، كل الموفقية والرقي الدائم.
وكل التقدير والاحترام لك زميل غربة وقلم وكاتبا إعلاميا مخضرما.
*كاتب وإعلامي