Views: 8
ابن هديلة …
*قصة بقلم سعد الله بركات
بعدما عرف أبو الجمايل بأنه كاتب قصصي، راح يروي حكاياته وقد أرادها بداية عن ابن عديلة فقال:
كانت أصغرنا ، وبسنوات ليست قليلة( عقد أو عقدين ) ، على أمل أن تكون أسعدنا ، ترتيبها حمل الرقم (6) للوالد الذي قارب ال60 من عمره يوم ولدتها أمي الأربعينية ، ذات صيف قاحل ، لتكون الرابعة ممن عاش ، وآخر عنقودها ، كنت أكبرها بعقد ونصف ، تولّيت والوالدة أمورها وأخويها بعد ما تولى أخونا الأكبر أمر أسرته الناشئة ، كانت متفوّقة على أترابها دراسيّا ، حتى الثانوية، حين عا كستها ظروف صحيّة ، لتتراكم مع الماديّة ، فقد عانت وصبرت ، بدلا من الجامعة ، قادها تحدّيها إلى معهد تعليمي ، وبمزيد من الرضى ، وبشهادة (الأهل وتربويين ) ،تعبت وأعطت تلامذتها عصارة جهد ومحبة في قرية ،ليس سهلا الوصول إليها قبل 40 عاما ونيّف.
لم تطل فرحتها في الزواج ، ممن يكبرها بعقد ونيّف ، ولا بطفلها الأول ، حتى فاجأتها تداعيات إصابة نادرة بالجهاز المناعي ،، اللمفاوي ،، وراحت تتنقل بين عيادة ومخبر ، ومن طبيب مداو إلى مبضع جرّاح ، حينا تشحّ الرؤية ، وتارة يخفّ السمع قبل أن تضعف حركتها وتشلّ بعض مفاصلها …
تشاركنا (كأهل مع الزوج) الحسرة والجهود والمصاريف ، حتى إذا أشّارت تقارير الأطباء ، إلى احتمال الشلل، راح زوجها يمكر ويناور ، تارة يريد وصيتها لتعويض الوفاة باسمه ، وتارة يطلب توكيلا براتبها ، وبين حين وآخر يعنّفها ، قبل أن يتركها عند أمّها الثمانينيّة ، حتى أعادها فاعلو خير لبيتها الذي حرمت نفسها الكثير لتنعم فيه ، ولكن إلى حين…
يقال الجنون فنون ، ولكن المكر ملعون ،آخر ماتفتّق من مكر الزوج، حين تركها لنا عقب عمل جراحي في العمود الفقري في مشفى العاصمة ، بحجة عمله ، فإذا به يستبدل الأقفال ويشمّع الخيط ،فلمّا أخذها أخوانا إلى بيتها ،فوجئا بعدم إمكانية فتح الباب ، إخوته رفضوا استقبالها ، فما كان أمامها غير والدتها العجوز ، تعهدتها عشر سنوات ، تحمّلت الكثير ، وعانت ما عانت معها ، من حسرة وحرقة وهما يقتّران على نفسيهما لتوفّرا ما يعوّض على وليد حرم حضن أمه باكرا ..
لقط ابن عديلة الإشارة ، فراح يكثر الزيارة ، يتأمّر على أمّه المقعدة، قبل ستّه الختيارة ، لا هو يتأبّط هديّة ، ولا يؤدي خدمة ، فجيئاته تعب بتعب و خسارة بخسارة….و بعد وفاة أمّه ضاعف الشطارة يستدرّ عطف جدّته ، ويربكها بخدمته ، وقد أمدّها الله بعافية وقوة ،بحسنات خدمتها لابنتها ، وحين أسلمت الروح لباريها عن نحو 100 عام، جاء لجنازتها وقد بلغ الرشد ، فلا ذرف دمعة ،ولا حمل باقة ورد ، تماما كما حضر جنازة أمّه ، ولم يزر قبريهما ، لا في صبحية عيد ، ولا في سبت الأموات ، ولا في خميسهم ، مكتفيا بما ورثه من معاشها التقاعدي ..لعلّه يترحّم عليهما في سرّه ،ابن عديلة فتيلته طويلة وما باليد حيلة…إلا استحضار خلاصة قاض من عمله 25 سنة في القضاء ،أنه لم يلحظ خلالها قضية عقوق من بنت ،والناس تراهم يسألون الله صباح مساء ليرزقهم الصبيان !!!؟؟؟ وثمّة من يحزن إذا رزق ببنت ….….
*كاتب وإعلامي
#وافر شكر لمجلة الاتحاد الدولي للكتاب العرب التي وثقت القصة في عددها الاخير