Views: 6
ما كان ذلك ليحدث لو كنتُ رئيساً!
الدكتور صلاح جرّار
منذ أن تولّى ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأميركية للمرّة الثانية وهو لا ينفكّ يردّد في كلّ يوم وفي كلّ مناسبة وفي كلّ مؤتمر صحفيّ يعقده عبارته المشهورة: ما كان ذلك ليحدث لو كنت رئيساً، وهو يشير بذلك إلى أنّ كلّ الخراب الذي يشهده العالم اليوم هو من مخلّفات حقبة الرئيس السابق جو بايدن. ومن أكثر القضايا الراهنة التي تدفعه إلى إطلاق هذه العبارة الحرب الروسيّة الأوكرانية وما يسمّيه أحداث السابع من أكتوبر في إشارة إلى عملية طوفان الأقصى، بالإضافة إلى قضايا الرسوم الجمركية والهجرة والحدود بينه وبين الدول المجاورة للولايات المتّحدة.
إلاّ أنّ أكبر قضية يزعم فيها أنّه لو كان رئيساً للولايات المتحدة في حينها لما وقعت هي قضية السابع من أكتوبر والحرب العدوانية التي يشنّها جيش الاحتلال الصهيوني- وبدعم أمريكي وأوروبي مطلق- على غزّة.
إنّ ادّعاءه هذا يكشف مدى اعتماده في إدارة الولايات المتحدة على الكذب والبهتان والأوهام الخادعة، وهو بذلك يخالف الحقائق الساطعة مخالفة صريحة ومكشوفة، ذلك أنّ سياسته التي اتبعها في ولايته الأولى (2017- 2021) كانت عاملاً رئيسياً من عوامل تمادي الاحتلال الصهيوني في ممارسته العدوانية في الضفّة الغربية وقطاع غزّة، ممّا فاقم الأوضاع فيهما وأدّى إلى عملية طوفان الأقصى. وهل كان دونالد ترامب يتوقع وهو يقدّم للكيان الصهيوني خدمات غير مسبوقة وفيها عدوان صارخ على حقوق الشعب الفلسطيني أن يسلّم الفلسطينيّون له وللكيان الصهيوني بكلّ ما أراده دون أي ردّة فعل؟ وهل كان يتوقّع دونالد ترامب وهو يعترف بالقدس الشريف عاصمة أبدية للكيان الصهيوني، ويقرّر نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ويعترف بالسيادة الصهيونية على الضفّة الغربيّة والجولان المحتلّ، ويعمل على تجفيف ميزانية وكالة الغوث ودفاعه عن الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة أن يتقبلّه الفلسطينيون برضا وسعادة؟ وهل كان يتوقّع أن لا يدفع ذلك الصهاينة إلى مزيد من التنمرّ والممارسات العدوانية ضدّ الفلسطينيين ممّا كان دافعاً لردٍّ فلسطيني يتناسب مع هذا التنمّر وهذه العدوانيّة، فكان السابع من (أكتوبر) هو الردّ، وعليه فإنّ سياسة دونالد ترامب وإجراءاته كانت واحدة من الأسباب الرئيسية لعملية طوفان الأقصى، وهذا يناقض تماماً ما يدّعيه أنّ هذه العملية ما كان لها أن تحدث لو كان رئيساً في ذلك الوقت.
وثمّة دليلٌ آخر على عدم صدق دونالد ترامب في زعمه أنّه لو كان رئيساً في ذلك الوقت لما وقعت عملية طوفان الأقصى، وهو أنّه لم يستطع أن يلزم الكيان الصهيوني بالانتقال إلى المرحلتين الثانية والثالثة من مراحل صفقة تبادل الأسرى في غزّة التي وقّعت عليها الإدارة الأمريكية وسيطاً وشاهداً، بل إنّ ترامب في مقابل ذلك قرّر تزويد الكيان الصهيوني بمزيد من أسلحة القتل والتدمير، كما أنّه يحاول إغلاق الباب في وجه أيّ ضغوط عربيّة أو دولية لوقف العدوان الصهيوني الإجرامي المتواصل على غزّة، ولا أدلّ على ذلك من معاداته السافرة لدولة جنوب إفريقيا لأنّها رفعت شكوى ضدّ الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية، ومعاداته لرئيس المحكمة الجنائية الدولية لإصدراه قراراً باعتبار نتنياهو وغالانت مجرمي حرب، وأخيراً توجيه بوارجه وطائراته لقصف المدن اليمنية لأنّ اليمن تحاول منع السفن الصهيونية من التوجّه إلى موانئ فلسطين. وهذه كلّها مواقف تدلّ على أنّ الولايات المتّحدة في عهد ترامب نصّبت نفسها ليس فقط مدافعاً عن الكيان الصهيوني بل هي من تقف وراء جرائمه، ووراء حرب الإبادة التي يشنّها على قطاع غزّة، ووراء كلّ ما يمارسه الصهاينة في حقّ الشعب الفلسطيني في كلّ مكان.
إنّ زعم ترامب بأنّه لو كان رئيساً للولايات المتحدة الأميركية في ذلك الزمن لما وقعت عملية السابع من أكتوبر يقف وراءه سببان: الأوّل خداع العالم العربي ودول العالم الأخرى والتغطية على ممارساته ضدّ الفلسطينيين ودعمه للكيان الغاصب، والثاني: التنصّل من مسؤولية أي فشل في تحقيق أهدافه الخبيثة وتحميل مسؤولية الفشل للإدارة السابقة (إدارة جو بايدن)، ممّا يدلّ على أن ترامب يتوقّع الفشل والإخفاق في مساعيه الإجرامية لأنّه يرى صمود الشعب الفلسطيني وقدراته على الصبر والاحتمال وإصراره على تحرير أرضه مهما طال الزمن.
إنّ استمرار دعم ترامب للكيان الصهيوني بالسلاح والعتاد ومضاعفة هذا الدعم، وتأييده مواقف الكيان وإجراءاته غير الإنسانية ضدّ الفلسطينيين، وملاحقته كلّ من يبدي تأييداً للفلسطينيين أو تعاطفاً معهم، واعتماده اسم يهودا والسامرة بدلاً من الضفّة الغربية، وقيام مدمّراته بمهاجمة من يطالب بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزّة، كلُّ ذلك يقدّم دليلاً لا يقبل النقاش على أنّ ترامب يسعى إلى استمرار العدوان الصهيوني على غزّة واستمرار حصار غزّة ومنع الطعام والماء والدواء والوقود والسكن عن أهلها. وهذا أعظم شاهدٍ على أنّه هو من يشجّع إثارة الحروب واستمرارها مما ينفي مزاعمه بأنّه لو كان رئيساً للولايات المتحدة في السابع من أكتوبر لما وقع ما وقع في ذلك اليوم.