Views: 2
الحكاية التاسعة عشرة 19رمضان 1446 هجري
(حملة انتخابية):
في ثمانينات القرنِ الماضي وفي إحدى بلدات محافظة إدلب السورية وأنا (إدلبيّ التراب) ودرستُ فيها معهدَ دارِ المعلّمين، كنتُ حاضراً في مهرجان انتخابيّ لاستحقاقِ مجلس الشعب، وتحدّثَ السادةُ المرشّحون ممّن كان نجاحُهم مضموناً لأنّ أحزابَهم اعتمدتْ ترشيحَهم في (قائمة الجبهة الوطنية التقدميّة) فطلبَ أحدُ (المواطنين) من (العضو) المرشّحِ المضمونِ نجاحُه الاهتمامَ بشؤونِ قريتهِ والعمل على تعبيدِ طريقِها مع القرى المجاورة، وبناءِ مركز صحيّ للرعاية الأوّليّة (مستوصف)، فما كان من (الرفيق) إلا أن أجاب:
– نحنُ نعمل من أجلِ توحيدِ الأمّة العربية من محيطِها إلى خليجِها في دولةٍ واحدة، كما نعملُ من أجلِ تحريرِ فلسطين، وأنتم مازلتُم تطلبون الصَّغائرَ وتوافهَ الأمور؟؟؟؟ متى سينمو وعيُكم لتعرفوا معنى (الطّموح والتضحيةِ) والمسؤوليّة الوطنيّةِ والقوميّة؟؟
وتابع سيادته: ما الخطورة في أن توحّل دراجاتكم في الطريق؟؟؟ وما العيب أن تتقطّع الطرقات في المطر؟ وهل عارٌ أن تنقلوا مرضاكم إلى مشافي المدينة وعياداتها؟؟ يجب عليكم أن تتحمّلوا تضحيات الصمود، ومتطلباتِ (المسيرة الظافرة التي يقودها حزبُنا العظيم مع جماهيرِ أمّتِنا بقيادةِ الرفيق الأمين العام السيد الرئيس حافظ الأسد.
دوّت في المكان هتافات مُزلزلة، أقلّها: بالرّوح.. بالدَّم.. نفديك يا… وانفضّ المهرجان الخطابي، وعدنا إلى بيوتنا، وكأننا صباحاً سنشهد توحيد القامشلي مع نواكشوط، وتوأمة حلب مع وهران على رأي الشاعر الذي يكاد يسمعُ ألفَ هاتفةٍ (وهرانُ تلثمُ في العُلا حلَبا)
أمّا في حمص العديّة وأنا (حومصيّ الهوى) لأني درستُ المرحلةَ الجامعيّةَ فيها، فقد حكى لي أحدُ الأصحابِ (الحماصنةِ الظّرفاء)، عن منافسةٍ بين مرشّحَينِ اثنين كانت (المعركةُ الانتخابيّة) بينهما حاميةَ الوطيس: إنّ أحدَهما وعدَ الناخبين إنْ فازَ فسوفَ يطالبُ بنقلِ (مصفاةِ النفط) من غربِ مدينةِ حمص إلى شرقِها، لأنّ (الهوى غربي) ويحملُ معه الغازات الملوّثةَ والروائحَ الضّارةَ إلى المدينةِ الجميلة، فما كان من مُنافِسهِ اللّدودِ إلا القول بأنّه (جكارة) في خصمهِ، سوف يطالبُ بنقلِ حمصَ كلّها من شرقِ مصفاة النفط إلى غربِها ليبقى هواؤُها نقيّاً وبيئتُها نظيفةً صحيّة، وكانت الجماهير الكادحة تصفّق مرّةً لهذا ومرّةً لذاك، وللحقيقة والتاريخ فإنّ بين حمص وإدلب عوامل مشتركة كثيرة توصّلتُ إليها بعد تجارب ومعايشة طويلة منها:
كلا المدينتين فيهما موعد (البازار) يوم الأربعاء من كلّ أسبوع، وكلتا المدينتين مناخُهما بارد ممطِر شتاءً معتدلٌ رطب صيفاً، كما يمر نهر العاصي في أراضيهما شريان حياةٍ وتغريدةَ عشق لا يجفّ منذ آلاف السنين، أما النساء في كلا المدينين (فتبارك الله أحسن الخالقين)، ولا يمنعُ اتّحادَ المحافظتين إلا وجود عذولٍ عازل بينهما (محافظة حماة).
ويفوزُ المرشّحون، وعلى الكراسي الوثيرة يجلسون، وهم لأهليهم وقراهم ومتطلباتِ بلداتهم ناسون، ويصبح شغلهم الشاغل كيف على الكرسيّ يحافظون، وكمية الأموال التي من جيوب الفقراء يجمعون، وإلى منصبٍ أعلى – بالوساطة والنّفاق- يصعدون، وهم عن واقعِ الناسِ منفصِلون.
أجل! تلك الحملاتُ الانتخابيّة مازالت في البال، تُخرِج من سرّي المخبوءِ بيتينِ أهمسُ بهما لكم:
يا طالِبَ الصَّوتِ في وقتِ اِنتِخاباتِ
هَلّا الْتَفَـتَّ إِلى تِلكَ المُعـاناةِ
كذْبٌ وَتَزويرُ أَوراقٍ وَمَسْخَرةٌ
وُعودُ (عرقوبَ) في ماضٍ وَفي آتِ
*****