Views: 3
الحكاية الخامسة والعشرون 25 رمضان 1446 هجري..
(صيام سنة كاملة):
صيف عام 2006 اندلعتْ حرب في جنوب لبنان بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله، واستمرت قرابةَ 40 يوماً، انتهتْ بقرارِ مجلس الأمن رقم 1701، ومثل باقي الحروبِ هناك ضحايا ونازحون ودمارٌ هائل في مدنِ وقرى الجنوبِ اللبناني، وامتدّ التدمير للضاحيةِالجنوبية من بيروت (معقل الحزب)، وعاشَ السوريّون الحربَ (داعمين ) للحزب و (المقاومة)، وكان وجدانُهم الشعبيُّ منخرطاً فيها حتى كأنّهم أصحابُها، فالمظاهراتُ المتعاطفةُ يوميّةٌ في كلّ المدنِ السوريّة، وبتوجيهاتٍ رئاسيّة وأوامرَ مخابراتيّة، تستغلّ الوجدانَ الشعبيّ وبوصلةَ الجماهيرِ التي تؤيّد كل من يضربُ حجراً أو طلقةً صوبَ الاحتلال الغاشم، وخلالَها سألني ابني (محمد الفاتح) ذو الأربعةَ عشرَ عاماً:
– بابا أليسَ الجولانُ أرضاً سوريّة محتلّة؟؟
– أكيد..
– طيّب! (ليش سورية ما تعمل مقاومة وتحرّره بدل ما تدعم حزب الله؟؟)
– (لسّاتك فرخ ومنقارك أصفر يا بنيّ) كلّها تِجارة وبازارات (لما تكبر رح تعرف).
كان موقفي من الحربِ وقتَها مخالِفاً لكلّ أهل قريتِنا، وأنا في إجازةِ الصيف، ومجلسي عامرٌ بالصحبةِ والأهلِ والزّملاء والمحبّين، وكنتُ أشرحُ الموقفَ للناسِ بأن هذا الحزبَ إن واتَتْه الظروفُ سيأتي إلى قريتِنا الوادعةِ النائيةِ ليذبحَنا، فيتّهمُني القومُ بالجنون، والتّخاذل، وبعضُهم يلصِق بي تهمةَ الخيانة، وعبثاً كنت أحاولُ إقناعَهم بأنَّ الأمرَ سياسةُ توسّعٍ إيرانيّة في بلادِ العرب، تحتَ ستار دعمِ المقاومة، لبسط النفوذِ الطائفيّ والهيمنة على سورية، وضربتُ لهم أمثلةَ الحالةِ الطائفيّة الدّاميةِ في العراقِ المجاورِ، ولكنّهم (عليهم الحَلال دائماً وعليهم الحَرام أحياناً) أنا لا أفقهُ بالسياسة، وكأنّي ناطقٌ بلسانِ الخارجيّةِ الإسرائيليُة، حتى جارتنا الفتاةُ المجتهدةُ الخَلوقة (مريم الدرباس) نذرتْ (للرحمنِ صَوماً) مدّتهُ سنةٌ كاملة (طنعشَر شهر) إنْ فشلتْ إسرائيلُ في قتلِ زعيمِ هذا الحزب، ووفَّتْ بنذرِها، وحين قابلتُها بعدَ وفائِها بالنّذر قلتُ لها: ألستِ نادمة؟ قالتْ: لا، ولو أنّ غيرَكَ (يا أستاذ أبو محمد) تكلّم عن الحربِ والحزبِ مثلَكَ لكانَ لنا معه حسابٌ عَسير، أمّا أنتَ فمكانتُك مَحفوظة.
في حملةِ التبرّعات الماليّة الداعمةِ للحزب يومَها، خلعتِ النساءُ أساورهنّ وخواتمهنّ وأقراطهنّ الذهبيةِ كمسرحية الرحابنة ( بيّاع الخواتم) لكن ليس للحب والخطوبة، بل لدعمِ (المعركة)، وارتجفتْ أيدي الفقراءِ وهي تجود بقوت يومهم أو ثمنِ مؤونةِ شتائهم، وجُمِع من المال الكثيرُ فسرقتِ الجهات الرسميّة معظمَه وأرسلوا (من الجملِ أذنَه) للحزبِ بمرافقةِ (زيطة وزمبليطة) من الهالةِ الإعلاميّة، واستقبلت سوريّة مليوناً ونصف من (الأشقّاء النازحين) اللبنانيين ولم تنصبْ لهم خيمةً واحدة، بل كانوا في بيوتِنا ومدارسِنا، ومعسكراتِ الأنشطة والترفيه للأطفالِ والشباب، مع رعايةٍ تامّةٍ من كلّ النواحي.
انتهتِ الحربُ وانقشعَ غبارُها، وعادَ اللبنانيون لبلادِهم، ودارَ الزمنُ دورتَه وتوحشّتْ آلةُ القتلِ بالسوريين مع مطلعِ عام 2012 خلال الثورةِ السورية، فكانتِ المفاجأةُ المذهلةُ في ردّ الجميل ومقابلةِ الإحسان:
– تدخّلَ الحزبُ عسكريا في سوريا دون موافقة الدولة اللبنانيّةِ، بل بأوامر إيرانيّة وترحيب (أسديّ) وبدأَ بذبحِ السورييّن على الهويّةِ وتشهدُ له مجازرُ (النبك/ الحولة/ بابا عمرو/ الرّستن / حلب…) وصدَق ظنّي، ودخلَ عناصرُه قريتَنا والمناطقَ المجاورةَ وساهموا في تدميرِها ونهبِ أرزاقِها وتعفيشِ بيوتِها وقتلِ أهلها وتهجير باقي سكّانها.
– أحرقَ الحزبُ عشراتِ مخيماتِ الفقرِ والمأساة من مفوّضيّة اللّاجئين للسّوريين على الأراضي اللبنانية، وقبضَ على الناشطينِ وأودعَهم سجونَه، أو سلّمهم لجزّاري سجنِ صيدنايا.
– ساهمَ الحزبُ في صناعةِ الكبتاغون وتجارةِ المخدرات بالتعاون مع أجهزةِ الأمنِ السورية وأعلى هرمٍ في السُّلطةِ السورية.
– رفعَ الحزبُ راياته الطائفية السّوداءَ والصفراء على مساجدِ سوريا، وتحدّى مشاعرَ السكان المغلوبِ على أمرِهم بمواكبِ اللّطمِ والشعاراتِ المذهبية، وتعمّد مع عصاباتٍ من ضبّاط (حماةِ الديار) بقصفِ المآذنِ وإسقاطِها أرضاً دونَ وازعٍ من أخلاقٍ أو ضمير..
– مازالَ هذا الحزب وداعموهُ يختلقونَ الفتنةَ ويؤذونَ السوريّين مادياً ومعنوياً، ويحاولون زعزعةَ الاستقرارِ وسرقةَ فرحةِ النصرِ المُبين من وجوهِ الأطفال، بانتقامٍ طائفيّ ارتدّ خائباً عن الأرضِ السوريّة،
السوريون يحترمونَ كلَّ الطوائفِ والأديانَ والقومياتِ، ويتعايشون بسلامٍ ومحبّةٍ ضمن مكوّنات الشعب السوري، ويدعمونَ أي فعلٍ مقاومٍ صادقٍ للاحتلال الإسرائيلي، لكنّهم لا يرضون العدوانَ والإساءةَ والأذى من أحد، فمَنِ الذي شقَّ الصفَ وفرّق وجدانَ الأمة وخسرَ مكانتَه في النفوسِ؟؟؟؟ ومَن الذي يتحمّل وِزرَ غرسِ البذورِ الطائفية المَقيتةِ في نفوسِ الأجيال؟؟؟؟ وهنا أجدُ لساني يُعبّرُ عمّا يجولُ في نفسي:
زَرَعوا الشّوكَ وأَهدَينا الوُرودْ
يا لسوءِ الفِعلِ مِن خَصمٍ حَقودْ!
قَد حَفِظنا الدّرسَ لن تلقوا لكم
ناصِراً مِنّا مَدى العهدِ الجديد
*****