Views: 3
المعرفة أساس التفوّق
الدكتور صلاح جرّار
لا يستطيع الإنسان أن يضمن أيّ هدفٍ يريد تحقيقه ما لم يبدأ بتحقيق شرط المعرفة للهدف نفسه أوّلاً، ولوسائل تحقيقه، وللمخاطر والتحدّيات التي قد تواجهه قبل تحقيقه أو بعد تحقيقه، وللإمكانيات المتاحة للسير في السعي إليه، وأخيراً للنتائج المتوخّاة من تحقيقه.
وما عدا ذلك فإنّ السعي إلى تحقيق هدف دون امتلاك الشرط المعرفيّ يعدّ مخاطرةً لا يمكن ضمان نتائجها، والمخاطرة غالباً ما تؤدي إلى سبيل الهلاك أو الخسارة البالغة.
وتختلف الشروط المعرفية باختلاف الأهداف المنشودة، فإذا كان الهدف على سبيل المثال السفر إلى بلدٍ ما فلا بدّ قبل ذلك من معرفة وسيلة الوصول إليها وتكاليف السفر ولغة أهل البلد والعملة التي يستخدمونها وأسعار السلع فيها وطبائع أهلها وثقافتهم وقوانين البلد وأحوال الطقس وغير ذلك كثير، وإنّ أيّ إخلال بمعرفة هذه الأمور قد يؤدي إلى خسارة عظيمة ونتائج غير محمودة.
وإذا كان الهدف على سبيل المثال أيضاً الاستثمار في مشروع زراعيّ في نوع من الزراعات، فلا بدّ من معرفة مناسبة التربة والمناخ أوّلاً لهذا النوع من الزراعة ومعرفة مواعيد الزراعة ونوع السماد الملائم وكميّات المياه اللازمة للريّ وأسعار المحصول وتكلفة الزراعة وأجرة العمّال وفرص التسويق ووسائل مكافحة الآفات الزراعيّة وغير ذلك كثير.
ومن أهمّ قواعد اكتساب المعرفة أو العمل على تحصيلها ضرورة البحث عن المعرفة التي يحتاج إليها الإنسان أو المجتمع ويستطيع بها مواجهة التحديات والمخاطر، فإذا كان المجتمع يعاني من الفقر على سبيل المثال فإنّه يكون لزاماً عليه أن يبحث عن المعرفة التي يمكن من خلالها مواجهة الفقر والتقليل منه، وإذا كان المجتمع يعاني من انتشار أوبئة أو أمراض فلا بدّ له من التركيز على المعرفة التي تضمن له سلامته الصحيّة، وإذا كان المجتمع يعاني من فقدان الأمن الداخلي أو الخارجي فلا بدّ من السعي إلى تحصيل المعرفة التي يمكن من خلالها تحقيق الأمن والاستقرار وحماية الوطن.
وتختلف قنوات الحصول على المعرفة وتوظيفها في خدمة مصالح الأمّة أو المجتمع أو الأفراد باختلاف الأهداف أو اختلاف المعرفة التي تحتاج إليها الأمّة أو المجتمع أو الفرد، فإذا كان المجتمع بحاجة إلى المعرفة الاقتصادية لمواجهة الفقر، فإنّ الوصول إلى هذه المعرفة يكون من خلال الدراسات والأبحاث والخبراء والاطّلاع على تجارب الدول التي عانت الفقر ثم تعافت منه.
وإذا كانت المعرفة المطلوبة معرفة صحيّة، فإنّ أفضل السبل للوصول إلى هذا النوع من المعرفة هو الدراسة والبحث وخبرات الاختصاصيين وإجراء التجارب.
أمّا المعرفة التي يمكن للمجتمع أو الأمّة من خلالها تحقيق الأمن الداخلي والخارجي وحماية الحدود ومواجهة الأعداء فإنّ لها قنواتها الخاصّة التي تساعد على اكتسابها، وأساسها أن تعرف عدوّك ونقاط ضعفه ونقاط قوّته وأسلحته وحجم قوّاته وأماكن تمركزها وانتشارها والأساليب التي يستخدمها في القتال ومصادر قوّته وخصائصه النفسية وغير ذلك، وهذه الأمور تحتاج إلى معرفة مركّزة ومتواصلة ومتجدّدة في هذا العدوّ، وأهمّ قنوات الحصول على هذه المعرفة هي القراءة المتواصلة عنه من مختلف مصادر المعرفة المرئية والمسموعة والمقروءة ومواقع التواصل الاجتماعي، يلي ذلك الترجمة من لغة ذلك العدو إلى لغتك القوميّة، وهذا وحده لا يكفي بسبب خصوصية المعرفة المطلوبة وتأثيرها وحساسيّتها، ولذلك لا بدّ من اللجوء إلى قنوات خاصّة كالمراقبة والاستطلاع واستخدام صور الأقمار الصناعة والطيران المسيّر وتجنيد العملاء وغير ذلك.
ولمــّا كان الاحتلال الصهيوني والداعمون الغربيّون له يتفوقون على الدول العربيّة في وسائل الحصول على هذا النوع من المعرفة بسبب تفوّقهم التكنولوجي والإعلامي فإنّهم بذلك يتفوّقون عسكريّاً ويتمكّنون من تحقيق أهدافهم في الاغتيالات والقصف والتآمر وسواها. ولذلك لا بدّ للدول العربيّة من بذل أقصى الجهد في تطوير وسائل تحقيق المعرفة بالعدوّ، ولعلّ إنشاء مراكز متخصّصة في الدول العربية للدراسات الصهونية يكون مفيداً في زيادة المعرفة بهذا العدوّ والمساعدة في تطوير وسائل مواجهته والتصدّي له.
ومما ينبغي الانتباه إليه أنّ المعرفة وحدها لا يمكن أن تكون ذات جدوى إذا بقيت معزولة عن الاستفادة منها في رسم استراتيجيات المواجهة، ولكنها هي الشرط الأوّل والأساسي لتحقيق تطلّعات الأمّة ومشاريعها النهضوية وخططها لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية وسواها، فمثلما أنّه لا بدّ من زيادة المعرفة بالعدوّ إلى أقصى درجة ممكنة فإنّه لا بدّ من توظيف هذه المعرفة توظيفاً تامّاً والاستفادة منها استفادة بالغة في تحقيق الأهداف حسب ما تمليه الظروف والوقائع.
إنّ سبب تفوّق العدوّ الصهيوني في حروبه على العرب هو امتلاكه المعرفة والمعلومة الدقيقة التي يحصل عليها بوسائل وطرق مختلفة مشروعة وغير مشروعة، ومنها تجنيد العملاء، ولذلك لا بدّ من مواجهة تفوّقه في المعرفة بالسعي إلى مضاعفة معرفتنا به ومواجهته بالسلاح نفسه.