Views: 4
حين يثقل المرض والخذلان: حكاية أم في مواجهة التصلب والخذلان الزوجي
بقلم: راضية حسن أبو إسماعيل
في زاوية منسية من الحياة، تقف امرأة في ريعان عمرها، أم لأبناء يواجهون امتحان الحياة ، بينما هي تُصارع مرضًا مزمنًا قاسيًا: التصلب اللويحي. بدأت القصة حين تخلّى جسدها عنها، وبدأت قدراتها تتضاءل، فاضطرت لترك عملها، ووجدت نفسها معلّقة بين المرض، والخذلان، والأمومة.
لكن المرض لم يكن أقسى ما أصابها. بل القسوة الحقيقية جاءت من زوجها، من رجلٍ ظنت أنه سيكون سندًا، فإذا به يتحول إلى مصدر أذى نفسي دائم. لم يحتمل ضعفها، لم يصبر على تغيّر حالها، ولم يدرك أن المرض قد يسكن الجسد، لكنه لا يمسّ روح الإنسان وكرامته.
تُقاوم بصمت، تخبئ دموعها عن أبنائها، تحاول أن تظل أمًا متماسكة، رغم أن الداخل يتهشم ببطء. هي امرأة تمضي يومها في صراعٍ غير عادل: بين أمومتها، ووجعها، وخيبة شريك حياتها.
—
الدين في صف الضعيف والمريض
في الإسلام، المريض له منزلة خاصة، ومن يعتني به يؤجر أجرًا عظيمًا. يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“من عاد مريضًا، أو زار أخًا له في الله، ناداه منادٍ: أن طِبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلًا” (رواه الترمذي).
فكيف إذا كان المريض زوجتك، وشريكة دربك، وأمّ أبنائك؟
ويأمر الله تعالى الأزواج في كتابه الكريم:
“وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ” (النساء: 19)، أي بالرحمة، واللين، والصبر، خاصة وقت الضيق والمرض.
أما في المسيحية، فتقوم المحبة الحقيقية على حمل أعباء الآخر. يقول بولس الرسول:
“احملوا بعضكم أثقال بعض، وهكذا تمموا ناموس المسيح” (غلاطية 6: 2).
وفي إنجيل متى، يسأل المسيح:
“كنت مريضًا فزرتموني؟” (متى 25: 36)، في إشارة إلى أن الرحمة بالمريض من أعظم أعمال المحبة والإيمان.
—
الرحمة الإنسانية أولًا
المرض لا يختبر فقط الجسد، بل يكشف معادن القلوب. من السهل أن نحب القوي والناجح والمبتهج، لكن الإنسانية الحقيقية تظهر حين نحتضن الضعيف، ونساند المنهار، ونُعين من سقط لا بإلقاء اللوم، بل برفع اليد.
كما قال الأديب الروسي فيودور دوستويفسكي:
“الرحمة أهم صفات الإنسان، وإن انعدمت، سقطت إنسانيته.”
ويقول الكاتب اللبناني جبران خليل جبران:
“ليس الضعيف من فقد قوته، بل من فقد الرحمة في قلبه.”
—
دور الأسرة: طوق النجاة
في ظل هذه العتمة، يبرز دور الوالدين والأسرة. ليست ابنتهم فقط بحاجة إلى علاج، بل إلى حضن دافئ، لكلمات حانية تذكّرها بأنها لم تفشل، وأنها لم تفقد قيمتها.
الأهل يستطيعون أن يكونوا صوت العقل والرحمة، أن يعيدوا إليها الثقة بنفسها، أن يُخففوا عنها أعباء البيت ورعاية الأبناء، وأن يُطالبوا الزوج بحقه الشرعي والإنساني في الوقوف إلى جانب زوجته.
—
خاتمة: حين لا نستطيع الشفاء، نستطيع الحب
لا أحد يستطيع أن يُوقف مسار المرض. لكن كل إنسان يستطيع أن يمنع تفاقم الألم النفسي. الدعم، الرحمة، الكلمة الطيبة، اللمسة الدافئة… كل ذلك يصنع فرقًا في حياة من تُكافح بصمت.
هذه القصة ليست خيالًا، بل واقع كثير من النساء اللواتي يُعانين المرض والخذلان معًا. فلنكن نحن من يضيء لهن شمعة، لا من يزيد العتمة.