Views: 2
( ذبول )
مؤلم حد الصمت، أن تأكلنا الأيام بهدوء، لا على هيئة ضربة، بل كنَفَسٍ بارد يسحب منا دفء الأشياء دون أن نشعر. لا يأخذنا الوقت دفعة واحدة، بل ينهشنا على مهل، كمن يسرق من الذاكرة ندفاً صغيرة، واحدة تلو الأخرى، حتى لا يتبقى منها سوى غبار لا يُرى… نمد أيدينا فلا نجد شيئاً، وننظر في المرايا فنكتشف وجهاً لا يشبهنا، كأننا غادرنا أنفسنا دون وداع.
نستيقظ أحياناً لا لشيء… فقط بشعور ثقيل، كأن النور الذي كان فينا خفت، وكأن الخطى التي كانت تملأ الأرض حضوراً صارت تتسلل، كمن يمشي على أطرافه لئلا يوقظ شيئاً دفنّاه في أعماقنا. صرنا نتحاشى الصخب، لا لأننا نكرهه، بل لأننا بتنا نعرف كم يربك الهدوء حين يُكسر.
الألم في تلك المساحة الفارغة التي تركتها الأحلام، حين اكتشفنا أننا كنا نحب الحياة أكثر مما احتملتنا، وأننا علّقنا على حبال الزمن أحلاماً أطول من أعمارنا، ثم جاء الوقت الذي حملنا فيه أعماراً لا تليق بها الأحلام.
ومع ذلك… هناك شيء يشبه النجاة، كأنه هدوء تعلّم ألا يخاف من الغياب، كأنه نضج لا يولد إلا حين ننكسر بما يكفي، ونصير أكثر فهماً للحياة: أن البقاء ليس للذين يشعّون، بل للذين تعايشوا مع العتمة دون أن ينطفئوا من الداخل.
النجاة ليست في أن نظل كما كنا، بل في أن نعرف كيف نُكمل، حتى لو تغير كل شيء.ففي داخل كل قلب أنهكه الزمن، بذرة نور لا تموت… تنتظر فقط لمسة دفء، لتعود وتزهر كما لو أنها لم تُكسر يوماً.
✍️ بقلمي: عمر أحمد العلوش