Views: 7
لغتنا الجميلة
في الشعر والنثر
الاطالة و الاختصار
القسم الثاني
كنا تحدثنا في القسم الاول عن الاطالة و الاختصار في الشعر العربي … و كيف تعامل الشعراء العرب معهما كل في موضعه المناسب
ونتابع في هذا القسم فنتحدث عن البلاغة لتعلقها بالاختصار
فالبلاغة هي ان تأتي بالمعنى بأقل ما يمكن من الالفاظ
ومن ذلك
ان يستغني الشاعر عن بعض الكلمات او الحروف و يبقى المعنى المراد سليما و في محله
كقولك .. مثلا
لو شئت جئت
و كانك تقول
انك لم تجئ .. و لو اردت المجيء لجئت
او كقولي
لم ارد المجيء .. و لو اردت ذلك لجئتكم
نرى هنا كيف تم الاختصار .. فجاءت العبارة بمنتهى البلاغة و الجمال .
او كقولنا
من زرع حصد
بهذه العبارة القصيرة .. تكون قد اختصرت صفحات
او كقولنا
زر غبا .. تزدد حبا
ونرى في كتاب الله عز وجل الكثير منه .. كقوله جل و علا
فان يشأ لهداكم أجمعين
و كقوله
فان يشأ الله يختم على قلبك
و ليس يخلو الشعر العربي من كل ذلك ففيه الكثير الكثير منه
يقول طرفة
فان شئت لم ترقل وان شئت أرقلت … مخافة ملوي من القد محصد
نرى كيف اختصر حيث اراد ..
لو شئت ان لا ترقل فهي لن ترقل
وكقولي
دعي كل ما يضني .. فذي كبدي … تسابق الشوق في افياء غيماتي
فالقول .. دعي كل ما يضني .. يضني ماذا ؟
ربما الفؤاد او الروح او المهجة … الخ و بالتالي فامر تفسيره متروك للمتلقي
اما فيما يتعلق بالقطع الصغيرة و ما يسمى .. المقاطع كالبيت او البيتين .. فغالبا ما تكون في موضوع الحكم .. كقولي
وهل تجازى يد الا بما اقترفت … قد قيل يوما مثال يحتذى عبرا
من راح يزرع شوكا في حدائقه … لابد يحصد من اشواكها الابرا
و ربما كان البيت اكثر بلاغة لو استغنى الشاعر عن حرف .. و لو عن حرف واحد .. ما لم يؤثر على المعنى العام فهو اكثر بلاغة ايضا .. كاستغنائنا عن احد الضمائر .. كالهاء او الكاف او نون نحن .. الخ ..
وفي القرآن الكريم ما يكثر من الامثلة .. كقوله تعالى
و الضحى و الليل اذا سجى .. ما ودعك ربك و ما قلى
فقد تخلت الآية عن كاف .. قلاك
و كقوله جل شأنه
هذا الذي بعث الله رسولا
اي .. بعثه الله …
او كقوله
اني وهن العظم مني و اشتعل الراس شيبا
ولم يقل .. و اشتعل الراس مني …
وفي الشعر العربي الكثير منه
يقول الطفيل الغنوي
جزى الله جعفرا حين ازلقت …بنا نعلنا في الواطئين فزلت
أبوا أن يملونا ولو أن امنا … تلاقي الذي لاقوه منا لملت
همو خلطونا بالنفوس و ألجأوا …الى حجر قد أدفات وأظلت
فالشاعر يريد ان يقول
ادفأتنا و الجأتنا و ملتنا و اظلتنا .. الخ .. فاختصر و استغنى عن نون الضمير
فلو ان الشاعر لم يقم باختصار هذه الاحرف لما كان للبيت هذه البلاغة او هذا الجمال
وكقول اوس بن حجر
ايتها النفس اجملي جزعا … ان الذي تحذرين قد وقعا
يا لجمال البيت و لهذه الروعة في البلاغة .. حيث قال .. تحذرين .. ولم يقل .. تحذرينه
و اقول من قصيدة
فيا له ليل أمطر الروض ديمة … أحالت حواشي الروض بالماء تنضح
تراءى به الليل البهيم عروسة … من الزنج تجلو شعرها و تسرح
فلم اقل .. تنضحه او تسرحه
ومن الامثلة الرائعة في هذا الموضوع اببات تنسب لكثير
ولما قضينا من منى كل حاجة … و مسح بالأركان من هو ماسح
و شدت على متن المهارى رحالنا … و لم ينظر الغادي الذي هو رائح
أخذنا باطراف الاحاديث بيننا … و سالت باعناق المطي الاباطح
يقول الشيخ عبدالقاهر الجرجاني في شرحه
فاول ما يتلقاك من محاسن هذا الشعر انه قال
و لما قضينا من منى كل حاجة
فعبر عن قضاء جميع المناسك وهذا احد طرق الاختصار.. ثم نبه بقوله .. و مسح بالاركان … على اطراف الوداع الذي هو آخر الامر .. ثم انتقل الى ما لدى المسافر من الشجون و الاحاديث .. الخ…
كل ذلك بأبيات ثلاثة معبرا بطريقة مختصرة
ويقول ابن عبد ربه في العقد الفريد
وفي كلام العرب الاختصار و الاطناب .. و الاختصار عندهم أحمد في الجملة .. وان كان للاطناب موضع لايصلح الا له
يقول دعفر بن بحيى
اذا كان االاكثار ابلغ .. كان الايجاز مقصرا .. و ان كان الايجاز كافيا .. كان الاكثار عيا
…
خالد ع . خالد خبازة