Views: 9
دولاب أمّي
حديث أبو الجمايل
– ٣-
بوح
في الذاكرة ، خلال إجازاتي كانت أمي تنهي شرطها الصوفي ، قبل استيقاظي ، وطالما أفقت على صوتها، ينوح أو يبوح بشجن ، يعلو وينوس على جرس دورانه ، أو طنين غزل الخيوط ، سواء من ضنك عيش البديات ، أو فخر بتجاوز تحديات تارة ، أو من وجع خذلان وخيبات تارة أخرى ، خاصة حين لم يعد لها أنيس ، غير دولابها ، وقد لازمته عقودا وسنوات ،وعاد عليها بكثير دريهمات ، وبعض ماجمعته حينا ،أرسلته خفية لمن يصرفها في مغترب دراسته دولارات ، بينما هي تحفظ رواتب ابتعاثه من ليرات ،وهو يزيد من غنجه استغلالا لعطف أمّ فلا يقول هات هات..
مازرت أمّي مرّة ،إلا وفاجأتني بجديد ، استكمال إكساء ، أو حاجة للبيت وإن ليس ضروريا لشراء ، كانت دوما تفضّل ما استطاعت بهاء البيت عن الغذاء ،حتى سور الدار أكملته ونحن لا نعلم وبلا منة ولا عناء .
ويا طالما فرحت بما تراه في بيوتنا من تجديدات ، ديدبها العمل على وقع الأمل ، إيمانها وأملها بالله ثابت ولا تنكر عطاياه – وترانا نحن منها – لكنهاتكره الكسل بل والكسالى والتواكل ، ياما سمعتها تردّد ( الله يقول قم يا عبدي لأقم معك ) ، ولعلّ من دلائل إيمانها ، صلواتها وإن في البيت ، كما تواصل دعاءاتها ، لنا ولذوي القربى أو لأصدقاء وجيران وأحبّة ، … عهدت أمي صغيرا وكبيرا ، لا تنقطع عن رمي البخور في أعياد القديسين من أيام كان للفرنك وهجته ، حتى غابت ال 5 ليرات من التداول ، وربما نقدت.من توصيه 10 ليرات أو 25 بل و50 ليرة فأمي تعرف بالممارسة وحديث الناس تغيّر قيمة العملة، لكنها تعتمد تصاعد الرقم ، وإن ليس للقيمة الواقعية ، كانت حافظة لمواعيد أعياد القديسين ، كما كانت كثيرة النذور وخاصة لجارنا وشفيع الحارة ، وان كان الدفع لتوفية النذر من حساب المنذور احيانا، ولم توفر قريبا لها دون تزويده بحصاة من عتبته بركة وتيمنا بنجاح وسلامة سفر ، وحصاتها مازالت ترافقنا حلأ وترحالا .
وأمّا هوايتها فباتت أثيرة في عقدها الثامن ، تزجية لوقت في وحدتها ، واستثمارا لفضلات غزول ، فتتبادلها هدايا رمزية مع أقارب وجيران .