Views: 3
في الأدب
الشاعر و الناقد
جناحا القصيدة
——————–
أن تكون شاعرا يعني أنك من مستوى ثقافي رفيع ، اطلعت على الشعر العربي القديم بحب ، كمحبتك لأنثى احلامك ، وشفعت ذلك باطلاع ٱخر واسع على نتاج أهم الشعراء المعاصرين في اتجاهاتهم المختلفة بنهم شديد ، ويعني أيضا أن تكون متحررا من مطبات الأخطاء في اللغة العربية وإملائها ، وأن تمتلك ثقافة تاريخية كبيرة ، لكي تغذي بها شرايين قصيدتك ، حتى تصبح جارية على الألسن ، كما يعني أنه لابأس من أن تهضم عددا كبيرا من الأساطير العربية والأجنبية ، وكذلك يتوجب على الشاعر قراءة المصادر الأدبية الشهيرة في تراثنا ، فلا يغتفر مثلا لشاعر عدم قراءته قصة ألف ليلة وليلة أو رسالة الغفران للمعري أو غيرهما من كتب التراث المؤثرة .
وإذا اردت ان تصبح شاعر المنابر ، فلا بد من أن يكون الإلقاء هاجسك ، وفي هذا لاغرابة ان يختصر بعضهم الشعر بانه (الإلقاء )، وهو الذي يغنى بتنوع نبرة الصوت ، وثبات النظرات ، وثقة الشاعر الكبيرة بقصيدته التي تلقى أمام جمهور لايرحم ، ولكنه في الوقت نفسه صديق ودود ، وعاشق محب للقصيدة التي تتبختر أمامه كحسناء لا تخطئها العيون والٱذان . وقصيدتك التي هي عصارة فكرك وقلمك غالية عليك وتحس بأنها بعض منك ، فلا تنشرها أو تلقها قبل أن تراجعها مرات ومرات ، لتخرج بعدها رافعة الرأس أمام جمهورها . ولا تنس ابدا ان تكون لك صداقات حميمة مع ناقد أو أكثر ، يستطيع أن يجلو عن قصائدك بعض ماغمض ، ويجعلها مستساغة ، بل ممتعة من قبل قرائها ، ولا سيما حين يحدد مواطن الجمال في القصيدة ، وهي أمور قد لايتقنها القارئ ، فيصبح دور الناقد أن يكون صلة وصل بين القارئ والشاعر .
وبناء عليه ، فإن القصيد يرتكز على ثلاثة أطراف رئيسة هي : الشاعر ، والناقد ، والقارئ . وفي معظم الأحيان تكون القراءة النقدية من ناقد حصيف عملية إبداع جديدة ، ويتعاون فيها الشاعر والناقد على تقديم القصيدة إلى المتلقين بأبهى حللها .
وتزداد أهمية النقد خاصة في قصيدة النثر التي يحيط بها الغموض ، وحداثة التركيب ، وشيفرة الرموز ، وكثافة الصورة ، واللغة الجديدة على الأسماع ، والموسيقا الداخلية ، والبديع بكل صوره وأشكاله . فيقوم النقد المصاحب ل (النثيرة) بإلقاء أضواء كاشفة على ذلك كله ، ولاسيما مواطن الإبداع الأخرى .
ولا ريب ان القصيدة تعد جوهرة الادب ، فحتى يأخذ الشاعر مكانه اللائق بين الشعراء المرموقين ، لابد أن تتميز قصيدته بالجرأة في طرح الموضوعات التي تحملها ،و أن تستشرف المستقبل، بفنية عالية وإيحاء شفاف، لان الطرح المباشر لأية قضية من شأنه أن يفقدها حيويتها وتأثيرها ، فالعملية الشعرية هي خلق وإبداع ومساهمة في الذوق والثقافة ، وليس يشفع لاي شاعر أن يتهرب من مقاربته القضايا الاجتماعية والوطنية والقومية ، تحت مظلة ( الفن للفن ) المقولة البورجوازية الهاربة من مواجهة الفقر والظلم ، والوقوف على الحياد أمام انتهاك الكرامة الوطنية التي تتعرض له شعوبنا .
وإذا اختار الشعر الفرار من ذلك الدور إلى الإغراق في شجونه الذاتية ورومانسية تطلعاته ، فإنه سيلقي بنفسه عامدا في مربع الإهمال، ولن يتاح لقصيدته ناقد يدرسها ، ذلك أن القصيدة التي يهوى النقاد تسليط الضوء عليها هي القصيدة المتميزة التي تفجر الانفعالات لدى القارى والناقد ، وتتوهج فيها العناصر الشعرية المختلفة ، وتقدم عددا من التساؤلات ، وتحرض على اتخاذ المواقف المؤيدة أو المعارضة
بقي شيء مهم جدا يتصل بهذا الحراك الذي ولد من رحم القصيدة ، وهو أن دراسة القصيدة لاتعني التركيز فقط على الجوانب الإيجابية فيها ، بل لابد لكل نص شعري أن يضم عددا من المٱخذ ، وحينذاك على الشاعر أن يتقبل الإشارة إليها برحابة صدر وسعة أفق ، وفي ذلك فائدة كبيرة له ولقصاىده القادمة .