Views: 5
لقاءٌ حماسيٌّ
لا ندري كيف تمّ الأمر، كل ما نعلمه أنّنا جميعاً الآن في ساحة البلدة .
كان قد صمّم منبراً خشبياً ، وطاولةً تحمي الخطيب فوق السرة، لا لشيء ، فقط من أجل أن يكون كلُّ شيءٍ شرعياً.
سمعنا أحدهم يقول : جاء الأستاذُ المرشّح، أفسحوا الطريق.
في الحقيقة أصابتني نوبةُ استغراب، وخاصّةً أن الطريق المؤدّي إلى المنبر خالٍ ومحاطٌ بالمتملّقينَ والعاطلينَ عن العمل، والذي أصبح لديهم عملٌ مهمٌ الآن _حتى لو كان لمدةٍ محددةٍ_ لا بأسَ أن تسمع نهيقهم وعواءهم وهم يصرخون بالناس.
لم يكن الأمرُ يعنيني ، لكنّ غريزة القطيع قادتني كما قادت الكثير لرؤية الوجه الجديد، والممثل الجديد تحت قبّة الممثلين الكثر عن الشعب المسكين.
رأيتُه يعتلي المنبر بعد السيطرة على الممرّ الخاصّ،
وقف بثباتٍ و نظر إلى الناس نظرةً جامدةً، ثم بدأ خطابه: أيّها الشعب ،أعادها مراتٍ عدّة ، وكأنّه نسي الوصف الذي يريده، فأتاهُ صوتٌ من بين الجموع:
أيّها الشّعب المحطّم .
نعم هي: أيها الشّعب المحطّم، أنا العبد لله لست كغيري من الممثلين لدي قناع واحد لا يمكن تغيّره.
عاد يخاطب الناس:
أيّها الشّعب، توقّف ونسي أيضاً الوصف اللازم ، أعاد الجملة ولم يذكر الوصف، أتاه صوتٌ جديدْ من بين الناس: أيها الشّعب المقيّد.
– نعم هذه الكلمة: أيّها الشعب المقيّد، افردوا أجنحتكم وحلّقوا عالياً، فأنا معكم في حرية الرأي و التّعبير، والتخلّص من الترهات.
عاد يخاطب الناس: أيُّها الشّعب.
لا أدري لمَ يقف ويصمت، ويبدأ بالإعادة عندما يتلو هذه الجملة، وكأن لسانَ حاله ستبدأ بالشتم والسبّ، لكنّه في أمس الحاجة لهم.
أتاه صوتٌ جديدٌ : أيّها الشعب( النايم على دانوا)
– نعم هي الجملة التي أنوي قولها، ارفعوا رؤوسكم وشنفوا آذانكم، واسمعوا جيداً، واطلبوا ما تشتهون، فقط قولوا أين أنت يا مرشحنا وممثلنا، ستجدونني أقول( شبيك لبيك …عبدكم بين أيدكم).
فتح فمه يريد أن يكمل خطابه، لكنّ رنّة جوالٍ لأحد أفراد الشعب قطعت خطبتَه، كانت الرنةُ لأغنيةٍ حماسيّةٍ شعبيّةٍ ( سمرة وأنا الحاصودي ) زاد الحماسُ بين الناس، وما هي إلا دقائق حتى تشابكت الأيدي وتحوّلت السّاحة إلى مسرح دبكة، دبّ الحماس في نفس المرشح وقال في نجواه ( اجت والله جابها) ، قفز إلى السّاحة وأمسك رأس الدبكة، بدأت الدبكة (بالشبة) ثم (الكرجة) ومن ثم (دبكة عرب)، وهنا أخذ المرشحَ الحماسُ ، قفز عالياُ وناخ على ركبتيه، تمزّق بنطاله من المنتصف وبان سرواله الداخليُّ الأبيض، لكنّ الأمر لم يثنه عن المتابعة، خلع سترته، ربطها على خصره، وتابع دبكته الحماسيّة، أقفل المواطن جواله بعد أن تعب الجميع لتنتشرَ رائحة العرق في الأجواء.
عاد المرشّح إلى منبره، وجميعهم يقولون نحمد الله أننا لم ننخ، فجميعهم عزفوا عن شراء الملابس الداخلية، وربع راتب الموظف يشتري له سروالاً واحداً.
أشاد المرشحُ بالحضور ودعاهم إلى صناديق الاقتراع ، وقال كلمته الشهيرة( انتخبوني يا قرة عيوني) أثناء تلك العبارة كان أحد الحاضرين قريباً جداً من مكبرات الصوت، ويبدو أن مغصاً أصابه، أطلق ريحاً بصوت مدوٍّ ، سمعوه جميعهم، إلا أنّهم لم يستطيعوا تحديدَ صاحبه.
امتقع وجه المرشح وغادر المكان، بدؤوا يتهامسون وهم يغادرون هذا اللقاء ، سيُسمى على اسم الفعل الأخير لقاء …
انتهى كل شيء في اليوم الثاني، جرت الانتخابات بيسرٍ وسلاسة، نجح المرشح، حيّا الناس وشكرهم على جهودهم وثقتهم، ومنذ ذلك اليوم لم يعد له أثر .
يعلمون أّنهم لن يشاهدوه حتى موعد الانتخابات القادمة.
قال أحدهم: فعلاً لا يليق بلقاء البارحة اسماً غير لقاء( الضرطة)،لأنّ الحديث راح في الهواء كصوت ( الضرطة المدوية).
ياسر أبو عجيب