Views: 4
قصة قصيرة
…………..رياح جنوبية
قادم على بساط الألم، في ليلة دهماء، برجلين مشلولتين، و عكاز تٱكلت قاعدته بعد أن نهشها إسفلت الطرقات وكثرة التوكؤ …
تلفّتَ يمنة ويسرة بعينين مشدوهتين، يتلمس طريقه في ظلمة ليل ماطر عاصف، يُسمع فيه أنينُ الأشجار مع تكسر أغصانها كأم ثكلى، والرياح الباردة تلسعه بسياطها ، تتراجع به خطوات كلما تقدم خطوة حتى لم يعد قادرا على مواصلة السير ، وكان لومضات البرق دور القنديل ينير له لقطات من دربه، مما شجعه على تحمل المعاناة
والقلق، ذاك الوحش الكاسر الذي يفترس بأنيابه الحادة النفوس ويحيلها الى إسفنجة تمتص الصدمات الكثيرة الناجمة عن تجارب الحياة حتى تمتلئ وتثقلها المشاعر المتراكمة بفعل حت الزمان …
وبعد إعياء ولهاث، وصل مقصده، بيد مرتجفة نقر بخفة الباب الخشبي لبيت صغير تنبعث روائح الدفئ من نافذته الصغيرة، تنفس بعمق ليلتقط قلبه الواجف شوقا وأملا، تتسارع خفقاته مع اقتراب الخطوات من ورائه …بنغمات عذبة كناي سحري بيد عازف ماهر تعلوها نبرات الخوف جاءه صوت أنثوي يعرفه جيدا مازال صداه يتردد في سمعه وقلبه: من الطارق …من الطارق …!!؟
أخذ نفسا عميقا ، وزفره بقوة أحس معه برعشة أطرافه التي سرى فيها دمٌ حارٌّ خفف من تجمدها ومن اضطرابه ، وبعد تردد وبنبرات منخفضة وصوت مرتجف أجاب : افتحي لاتخافي انا عائد …
طرق الاسم سمع المرأة، وتردد صداه في أذنيها، ليحرك ذاكرتها التي علاها الصدأ منذ زمن بعيد …وصرخت بصوت أحست معه بأن حبالها الصوتية تقطعت وحنجرتها انفصلت …
فتحت الباب بسرعة، لدرجة أنه ارتطم بالحائط، مصدرًا ضجيجًا اختلط بنشيج روحها ودموع عينيها المنهمرة كمطر هطل بعد طول احتباس ….
نعم إنه هو عائد، الذي طالما حلمت بعودته بعد أن غادرهم كما حال معظم الناس في زمن عزت فيه الحياة الكريمة، وتقطعت سبل العيش وانقطعت أخباره ، لقد انتظرته سنين طويلة ، حفرت اسمه على صخور الشاطئ الذي كانت ترتاده يوميا وصوت فيروز يردد: ( بكتب اسمك ياحبيبي عالحور العتيق) ، بنت قصورا من أحلام اليقظة، وشوشت أصداف البحر بشوقها وحنينها ، وحمّلتها على أمواج البحر علّها تصله بحرارة حبها ،
شريط من الذكريات يمر بسرعة أمام ناظريها … وتلاقت عيونهما بشغف ليقطعها ضجيج خطوات تقترب، و صوت رجل قادم من ورائها لف كتفها بيده وهو يتساءل عن الطارق ؟!
لتجيبه بغصة وعيناها تسرحان في عينيه :
إنه غريب تائه .
شفيقة