Views: 4
ليست نهاية المطاف
كثيراً ماسمعنا أو قرأنا أن حامل شهادة الدكتوراه ينبغي أن يكون له مؤلفات كثيرة تزيِّن رفوف المكتبات، وهذا كلام جميل يمثل طموحاً عظيماً لأن نكون من الأمم المتقدمة التي نهضت بعلمها وعلمائها وباحثيها.
ولكن لابد أن أقول بأن شهادة الدكتوراه في أي اختصاص هي لقب علمي ينبغي تقديره, وهي الشهادة العالمية الكبرى التي حصل عليها صاحبها بعد رسالة علمية قدمها لجامعة ما, ونال بها ذلك المؤهل الذي كلفه من حياته خمس سنوات أو عشراً, فمنحته الجامعة إجازة لكي يكون أستاذاً جامعياً قادراً على نقل العلم لطلابه, متمكناً من اختصاصه, ناجحاً في أداء رسالته.
ومما لاشك فيه أن هناك فروقاً فردية بين الناس, فليس حاملو (الدكتوراه) كلهم باحثين، أو أدباء، أو علماء، أو مؤلفين .. فمنهم من لايجيد إلا اختصاصه, ولم يقرأ شيئاً, أو يقدم بحثاً علمياً, أو يؤلف كتاباً بعد كتابه الذي نال به هذا المؤهل العلمي.. وظن نفسه قد أحاط بالعلم من أطرافه كلها, وترى فيه تعالياً وغروراً وعنجهية.. وهذا مالا نراه في العالم والأديب والباحث الذي حصل على الدكتوراه, وبقي حياته مثابراً على البحث العلمي حتى أغرق المكتبة العربية بالمؤلفات الكثيرة التي تسهم في نهضة الوطن والأمة.. والنوع الأول ظن هذا المؤهل العلمي الكبير هو نهاية المطاف فاكتفى بلقب دكتور, وأغمض عينيه عليه واستراح.
وأما الثاني فنجده متواضعاً غاية التواضع، لايبخل بعلمه على أحد, ويقدّر الصغير والكبير, مؤدياً رسالته العلمية خير أداء, مدركاً صحة هذا القول: (إنما العلم بالتعلّم, ومن ظن نفسه عَلِمَ, فقد جَهِل)، واضعاً نصب عينيه دائماُ قول الشاعر:
إذا مَرَّ بي يومٌ ولم أتَّخِذْ يداً
ولم أستَفِدْ علماً, فما ذاك من عمري
(معنى لم أتخذ يداً: لم أقدم مايفيد الناس), وقد علم هذا الدكتور الباحث والعالم والأديب ومؤلف الكتب، أن شهادة الدكتوراه هي بداية البحث العلمي, لانهايته.
ومما قرأته في حياة الدكتور (رينيه ديكارت) باني النهضة الأوربية الحديثة التي قامت على فلسفته العلمية, أنه قال بعد أن ناقشوه بأطروحة الدكتوراه ومنحوه إياها: الآن عليَّ أن أبدأ, وببطء شديد.
الكاتب:
د . موفق السراج