Views: 4
(( السجادة الحمراء بين التعرّي و القيمة الاعتبارية ))
من المثير و الجميل أن تتابع سير النجوم الأرضية وهي تسير بغنج على السجادة الحمراء , إذ يطل نجوم الفن و السينما الحائزين على جوائز الأوسكار أو المهرجانات الفنية و السينمائية فوق السجادة الحمراء ,كما نجد للرؤساء و المسؤولين المهمين الدوليين حظوظ في السير على السجادة الحمراء في الاستقبالات الرسمية للضيوف القادة , احتراماً و اجلالاً وتكريماً لهم , من عتبة الطيارة حتى منصة السلام الجمهوري أو الملكي الخاص بالضيوف , وهنا حدث أثار شيئاً من الغرابة حين تم استقبال الرئيس السوري أحمد الشرع في مطار شارل ديغول في فرنسا بسجادة قصيرة لا تتعدى المتر الواحد , في اشارة واضحة دبلوماسية لوضع الضيف , و التي أثارت جدلاً اعلامياً واسعاً.
السجادة الحمراء لها أصول تاريخية قديمة عبر أزمنة بعيدة , فقد تمت الاشارة لها في الأدب الأغريقي في القرن الخامس قبل الميلاد , في مسرحية الكاتب الأغريقي ( اسخيلوس ) المعنونة ( أغا ممنون ) المكتوبة عام 458 قبل الميلاد , فيها تكريم البطل الاغريقي الملك المنتصر في حرب طروادة ( أغا ممنون ) من قبل زوجته الملكة ( كليتمنسترا ) والتي طلبت منه السير فوق ممشى قرمزي أحمر معد سلفاً لاستقباله و تكريمه .
وعند البحث عن أصول للسجادة الحمراء في الحضارة البابلية و الاشورية , لم يثبت استخدامها هناك , مع وجود آثار شامخة لاستخدام ملوك بابل وآشور واكد لأفخر أنواع الأفرشة والسجاد في قصور الملوك وتجار وأثرياء بابل واشور ,لأن ذلك يشير الى الرمز الاجتماعي و الاقتصادي و الرسمي لمن يملكون تلك الانواع الثمينة من الفرش , واعتباره جزءً من ثقافة السلطات الحاكمة وأصحاب الثروات .
وفي مصر القديمة كذلك لم يعثر على أثر لاستخدام السجادة الحمراء في بلاط الفراعنة وحكام مصر القديمة , بل كانت معابد الكهنة وقصور الفراعنة تزهو بأفخر ما يكون من السجاد وأثمنها .
أما عند الفرس وملوك الامبراطورية الفارسية فقد اهتمت بلاد فارس منذ القدم بصناعة السجاد بأرقى خيوط النسيج وأكثرها متانة وجمال , وما زالت ايران تفخر بصناعة السجاد الكاشاني والشيرازي والاصفهاني الفاخر التي سار عليها ملوك فارس ما قبل الميلاد وحتى الوقت الحاضر , لكنهم لم يسجلوا السبق في فكرة السير على السجادة الحمراء.
في العصر الحديث وفي بداية القرن العشرين وتحديداً عام 1902 م , استخدمت شركة سكك حديد نيويورك المركزية السجادات الحمراء القرمزية أثناء صعود الركاب الى قطار القرن العشرين .
السنوات الاخيرة شهدت اقامة مهرجانات فنية في بغداد و أربيل لتكريم نجوم الفن ومبدعي السينما والتلفزيون مع تكريم مجاميع الفاشينستات ( البلوكرات ) , والغريب في تلك المهرجانات صولة التعرّي الفاضح والتباري الشديد في كشف الاجسام من الصدور للسيقان فوق السجادة الحمراء لتلك المهرجانات , بعيداً عن قيمة الشخص المكرّم الاعتبارية وما تحمله من منجز ابداعي فني أو ثقافي أو أدبي أو علمي .علماً أن آخر نسخة لمهرجان ( كان ) السينمائي الدولي و المعترف به عالمياً كأضخم مهرجانات العالم لتكريم مبدعي الفن و السينما , قد حدد شروطاً اعتبارية للمشاركات في المهرجان ولمن يحق لها السير فوق السجادة الحمراء والتقاط الصور أمام الاعلام , إذ تم منع التعرّي أو المبالغة في فساتين المشاركات الفضفاضة التي تمنعهن من حرية السير فوق السجادة الحمراء وتعيق حركتهن , في حين لن نجد أيٍّ من تلك الشروط للمشاركة في مهرجانات التكريم الفنية للدول العربية و الاسلامية كمصر و السعودية و العراق .
لا أعلم الرابط المهم بين التعرّي وكشف الصدور و السيقان وابراز الخلفيات بشكلها المثير بالثقافة والفن و الأدب , وهل تقاس المدنية والتطور في أيّ بلد في العالم بتلك المظاهر ,كما أن الغريب في الأمر أن يستبعد العالم و الأديب و الشاعر والطبيب و المهندس و المخترع و الممرضة و المعلمة من السير على السجادة الحمراء ,حتى أولئك الذين منحوا جائزة نوبل لم تفرش لهم السجادة الحمراء , وأصبحت رمزاً لصنّاع الفن و السينما وعارضي الأزياء و الفاشينستات .