Views: 43
مريم كدر**: تعزف،، ليل القناديل،، على،، كفّ السنونو،،
بقلم الكاتب الإعلامي سعدالله بركات
# طالما ردّد أغلب النقاد والمبدعين ، أن جمال الطبيعة ، مصدر إلهام وحافز بوح اليراع ، وقلّما نوّهوا إلى عامل التحدّي ، الذي يومض الشرارة وسط النفق ، حتى يقهر ظلاما، أو ظلامة ، أو يأسا يفتك بالنفس أو يكاد ..
التحدّي نعم ، بما يعنيه أو ينطوي عليه ،من طموح وإصرار ، من رؤى لتجاوز واقع وصولا إلى الهدف ، إلى الأفضل ، .
وهل غير الأدب يحفّز على هكذا تحدّ ،بل ويترجمه ، وما نكهة الأدب ، بلا طعم الإنجاز بإلإعجاز!
في بلدة صحراوية أنهكها قحط المناخ ، قبل أن تطالها نيران حرب الإرهاب ، ترعرعت وتعلّمت مريم كدر ، في،، صدد،، التى حالت دون تصحّر العقول ، لم يحل زواجها دون مواصلة تحصيلها الثانوي ثم الجامعي في الأدب العربي ، بنت عائلة رائعة ، وراحت تبني الأجيال مدرّسة نشطة للأدب ،وهي تمازج موهبتها التي تفتحت عن أكمامها باكرا ، في نوع من ذاك التحدي إياه ، نعم الإصرار والطموح وراء إبداع مريم الشعري الغني بالرؤى والقيم والدلالات ، على نحو ماتقول :..
((أنا التي ما قتلني قتل…ولا اغتالني اغتيال…ولاكسرني انكسار..قبل أن يسكنني الغياب)).
# ذلك أن شاعرتنا حمّلت طموحها ، على جناح الحلم ، وهل لليراع أجنحة بلا حلم ، بل هو عندها،،جنون حلم ،، عنوان مجموعتها الاولى 2019 ، وعنوان قصيدة تصدرتها :
((نستقل الحلم …….في شمس الصباح…
# حين طالها وجع غربة الأبناء ، داوته بصبر وبوح :
(( هطل صوتك………………. من سمّاعة الهاتف
كأمطار تشرين الرقيقة …))
# حتى إذا اقتلعتها رياح الغربة من بيتها ، ومن بين تلامذتها ، ومن منابر الأماسي والمهرجانات ، أخذ البوح مداه وسع الحنين ، لكنّها لم تسمح للدنيا أن تسوّدّ في عينيها ،فراح قصيدها يضيء ليل غربتها بقناديل الأمل ، بلمّ الشمل ، فرتّلت ،، ليل القناديل ،، كأولى قصائد مريم في المغترب ، أرادت عبر عنوانها المعكوس ، التوكيد على طرد عتمة ليل تكن خيارها ،لولا أنها واحد من أمرّين ،فراحت ترسل معانيها على جناح توق وبوح ، في سلاسة تعبيرية جاذبة :
((كدمع الزيت في ليل القناديل
وصوت الآه في نايٍ تحطّم
من حميم الشوق
من وجع المراسيل
………..
كغصّة عاشقٍ. ولهانَ
تقصيه ارتعاشته
وتحميه استكانته
فيرسم من حَكايا الشوق
لوحاتٍ على الجدران
تهتف( يا خليّ البال
خانتني مواويلي)
………
# تراها بساطة التعبير ، محمولة على صور بيانية ،غير متكلفة ، وعلى تتالي تفعيلتها بجرس موسيقي ماتع ، بتناوب القافية والروي ، أو تكرارها :
((تحطّم خافقي الدامي
دروبٌ بات يمشيها
وأوجاعُ يقاسيها
وألحان على أوتار
خيباتٍ يغنّيها
فتشعل جذوة الأحزان
في صمت التماثيل))
# الشاعر أديب نعمة وصفها ب ” قصيدة من شعر التفعيلة الناضجة، بنتها الشاعرة ، وبكل ثقة ، على نظام التفعيلة ، دون التطاول على الوزن والقافية التي تكرّرت بين سطر وآخر ،لمواكبة الدفقة الشعورية بصور بيانية تشخيصية لرسم لوحة المعاناة [ دمع الزيت /صوت الآه /حميم الشوق / وجع المراسيل ، وبلغة لا يطالها الوهن إنها لغة الأدباء الكبار نقاء وبلاغا وبياناً ”
((سلاماً يانقي القلب
ياغيمي ويامطري
ويا شمسي ويا قمري
ومحراب ابتهالاتي
تعطّر بالشذى عمري
تخضّل بالندى فجري
تعشش في ثنايا الروح
في عطر المناديل))
وهل ثمة أروع ! من هاتيك الصور التي أشار إليها ،وقد نقشت في مكانها حفرا وتنزيلا ، فلنتخيّل إشعال جذوة الأحزان في صمت التماثيل ! وهل ثمّة أسلس من تلازم حرفي الراء والياء ، وتتالي جرسهما الهسيس ،كما تلازم الألف والنون المطلقة ، وكأنّها تحمّلها آهات توق ، فتطلقها تخفيفا للوعة فراق ، بل تشجينا بصدق عاطفة ، كانت محور النص ، ومبتدأه ومنتهاه :
((نذرت العمر قرباناً
فدى ساعات لقيانا
وأقسم سوف أسقيها
فؤاداً ذاب تحنانا
وأنسج من شغاف القلب
أثواباً لبهجتنا
وأعصر خمرة الأفراح
من عنقود كرمتنا
لأشرب نخب أحبابي
وأفتح للهوى بابي
لكي تحيا أغانينا
عل شط التراتيل))
# وأحسب أنّ القارئ يطرب لتتالي معزوفات ، على وقع رفيف يرافق القصيدة كنشيد بوح وما تكرار روي ” اللام مكسورة ” ختاما لكل معزوفة ، سوى شهقة حنين ( التراتيل ،المناديلي ، مواويلي ) تخالها سماعا أو كأنّها تريدها ،،ياويلي ،، لتزفر معها آها من مكابدة ، ما يجعلها متنفّس حسراتها ، وما يجعل النصّ كتلة من وفاء ،بقدر مافيه من صفاء ونقاء قلب و سريرة ،
فقصيدة مريم،، هذه باكورة نتاجها الواعد بالجديد ، وهي أول قصيدة لها تنشرها مجلة،، أزهار الحرف ،، في القاهرة ، فنالت نسبة متقدمة من القراءة وقد اعتبر الشاعر نعمة القصيدة من عيون الشعر الوجداني “..
# لعلنا هنا أمام مغنّاة شعرية ، بل ترتيلة شداها يراع شاعرة متمكّنة لغة وأفكارا، ومتشبّعة رؤى ، مرفوقة بموهبة إبداعية ،صقلتها معايشات ، و راكمتها سنون ، ومشاركات منبرية لشدو القصيد ، أونثر أريجه أمام قراء عديد المنصّات والفضاءات ، قبل وبعد مجموعتيها ،، جنون حلم ،، و،،على رصيف الحلم ،، ولعلّ ما بعدهما يشي بتحقيق ،، حلم ،، لا يفارق مبدعا ، ولاطامحا في تجاوز تحديّات تراها تتوالد، أو تراكم جديدها على القديم ،على أمل منجز بنكهة الاغتراب ، لعله مخطوط روايتها ،، نوافذ القدر ، فتمكّن الشاعرة مريم كدر، يظهر في مقاربتها كل [ الاجناس الأدبية ] ،، وكتبت حديثا في ،،ليلك برس ،، ثاني قصة لها لكنها الأولى بعد اغترابها ،عنوان قصتها ،،كفّ السنونو ،، :
//عندما ألقيت مرساتي على شواطئ الغربة ، لم أكن أحمل من زادي سوى دعوات أمي ، وذخيرة كافية من الحبّ الصادق الذي كانت تغدقه عليّ، و قبلاتها التي تطبعها على جبيني فيخترق دفئها اللذيذ شغاف قلبي ، ولم أكن أعلم أني سأحمله معي في قادمات الأيام ليحمي روحي من صقيع غربةٍ هي قدري الذي لا مفرّ منه//
* كاتب وناقد سوري – أمريكي
** نخلة صدد – شاعرة وقاصة سورية مقيمة في بلجيكا