Views: 12
دولاب أمي ٦ *** الأرض ***
سعدالله بركات
كان ثمة غرفة واسعة مع مخزن مؤونة ،وثالثة لعمل الوالدين شتاء: فيها نول أبي لحياكة ما يغزله دولاب أمي . كان ثمة دولاب آخر لكن للف غزول أمي على مواسير قصب وتلك ه مهمّة الأبناء ، والمواسير خاصة لمكوك صنع العباءات والبسط، وقد علّمني الوالد إيّاها ومارستها فتى ، فأمي لاتدلل ابنها أبدا.
،وفي غرفة العمل أيضا مشط الصوف ودولاب أمي لغزلها المتقن ، مع خياطتها للملابس ، فيما هي تكدّ مع الوالد حتى في الحقل ، هاجسها تحدي واقع وجدت نفسها فيه، زوجة ثانية لأرمل يكبرها ب 14 عاما ، لقد جاء زواجها متأخّرا حين قاربت الثلاثين ، يوم كان سن الزواج أواسط العقد الثاني من العمر.
كانت وافدة على والدته العجوز وطفلين من زوجته المتوفاة ، وعلى حارة وجيران أقارب وأنساب ،وهو تحدّ متعدد الدوافع ، ومزيج من الواجب الاجتماعي – الإنساني وإثبات الذات وذلك ما رافقها حتى قاربت 100 من العمر بذاكرة وإرادة متقدة، وبصحّة لم يعكّرها بحمد الله شكوى مرضية ، حتى رحلت بهدوء عصر يوم جمعة ، كما تمنّت ، وتمنينا ولكن بلا وداع .. .
و لم تستكن في حبّها العمل والتحفيز عليه وهي تردّد ” الفقر لا يتعدّى على أحد …” ومع إيمانها بالرازق الله ، طالما استذكرت قوله ” قم يا عبدي لأقم معك ” كان ذلك مثار خلاف مع الوالد أو قل جدالا ،مع تمسكها بأي قطعة أرض وعدم بيعها، بل التطلع لشراء غيرها ، لطالما لامته لموافقته عمي في بيع أرض “الكوّار” الشرقية ،ولطالما تحسّرت ، على بيع أراضي أهلها وأرضنا في “السقي الشرقي” على خلفية زواج أخي وقد عملتُ في سمادها وزراعتها ، وأكلتُ من خضارها وعرانيس الذرة اللذيذة شواء ،وكلّما نظرت في جبهة أخي وآثار جرح ، تذكّرت بوجع كيف وقع من على الحمار حين كنت أرافقه إليها ، ولما اشترى عم أرضنا الغربية من أبي خفية عنّا ، أقامت أمي الدنيا ولم تقعدها ، قبل تستدين من صديقي يوسف ما صرفه الوالد من ثمنها ، وتحرّضه على مراسلتي لآتي وأبطل البيعة، وقد فعلتُ بكلمة واحدة ، قلتها للشاري ومشيت ظهيرة يوم أحد .
ولأمي الفضل الأهم بشراء أرض “دارنا الطينية – الجديدة ” من أخيها ، بل وبعمارها ، كما في تحريضي على شراء أرض مجاورة ،ولطالما فرحت بها سعة وشمسا ، وزراعة جنينتها وإن تحت عرائشها التي ربتها( كل شبر بنذر )
أما خلافها مع الوالد حول العمل ، هو متمهّل وقد بلغ الستين ، وهي دؤوبة ، لأوقات الراحة عمل خياطة ، كانت تجيد خياطة قبّعات وثياب الأطفال ، ولأعياد القديسين والآحاد عمل ، كأنّها كانت ترمي لإثبات الوجود ، وتجاوز هذا الواقع المادي الصعب، وأنّها قادرة على مجاراة الآخرين ، ،في وسط غريب عنها ، فلربّما كانت الزوجة الوحيدة من غير بنات العائلة بل الحارة ، وقد لمستُ منها إحساسا بغيرة بعضهنّ ، ولعلّها أرادت تحويل معاناتها ،قوّة مضاعفة في العمل والتباهي بما تحقّق ،فهي ابنة ميسور وان خسر تجارته ، قبل أن يطورها .
*********** .
د
*********** .