Views: 17
بقلم سعدالله بركات
دولاب أمي –
4 مكرر-العمل ….
دولاب أمي لا يهدأ ، وقد طالني دورانه بعمل أمي ، مثل من يكبرني من أخوتي، ُزججت طفلا في العمل ، لنساعد الوالد الذي تحمل العبء مبكرا، بعد وفاة والده ، فحمل مع أمّه همّ أسرته وأسرة أخيه المهاجر حينها.
ابن الزوجة الثانية لايد لّل دائما ،حرصا على مشاعر أخوّة فقدوا أمّهم ، فباكرا ساهمت في حرث الأرض وبذرها والعناية بالحقول المرويّة شتاء ، قبل حياكة البسط المنقوشة ، أو بمساعدة الوالد صيف ولم أكن أبلغ ال15 عاما، في حراسة بساتين القناة – شمال شرقي البلدة بنحو 4كم – بل بالنيابة عنه أحيانا .
كانت صيفية ماتعة في بساتين وفيرة الثمار، لك أن تأكل كناطور ولا تحمل معك، ولاتنسى ماء القناة البارد الرقراق ،وللأمانة لم أعان إلا نادرا من طامعين في رزق الغير، والصبية ملعبهم بساتين الضيعة القريبة ، صيفيّة كانت ترفيهية مقارنة بالحصاد ، ينذكر وماينعاد.
ولوأنّ استحالة الزرع والحصاد ، قادتني للعمل ليل- نهار في استراحة أبي الشامات – شرقي الضمير- على طريق دمشق –دير الزور- الحسكة وبغداد ، كانت الشاحنات وحافلات الركّاب العراقية المقطورة والمكيفة تتوقف للاستراحة و إنجاز تأشيرة الجوازات والجمارك ،وعملي الخدمي للزبائن حتى ليلا كان مقابل المبيت والأكل ونحو ليرتين أو ثلاث يوميا .
صحيح هنا الاستيقاظ باكرا وقد نُوقظ لخدمة مسافري الليل ، أيّما وقت ،لكن أسهل من الإستيقاظ ثم المشي حتى نبلغ الحصيد قبل الضوء ، ولعلّ أمرمر استيقاظ فجر كل يوم اثنين ، بعد مبيت الأحد الأسبوعي في البيت، ولطالما تذكّرت هكذا استيقاظ ،عندما أنهض بعد نوم قلق للعمل فجرا في على مدى عقدين ، الفرق هنا تذهب بالسيارة إلى مكتب و(فيّ وميّة ) .
أما عودتي للعمل بزحلة في لبنان في ورشة بناء ، فلم تكن أسهل ولكن ليس من الفجر ، فالسكن مشترك في غرف صغيرة متلاصقة ، كأنما الدار وجوارها علب كبريت بنيت خصيصا للعمال السوريين.. ، ، والأجر 3 ليرات. لبنانية مايعادل 5 ل .س .. ويوم كانت الليرة ،، تحكي ،، حسب الدارج من المثل الشعبي .
كان العمل متعبا ، وقد أراحني منه خبر من الوالد أن أعود لمعسكر الفتوة الإلزامي، وسط حديث الحرب و”الاستعداد لإزالة آثار العدوان ” والنكسة ولايجوز التخلف البتة ، وفيه رحنا نكمل حفر الخنادق التي باشرها الأهالي في إطار “المقاومة الشعبيّة” ، وكأنّ قوات اسرائيل باتت على مشارف البلدة !، ربّما ُأُريد لهكذا إحساس أن يسود ،لاحتواء ثقل الصدمة بإشغال الناس ، ..كان علينا انتظار 6 سنوات حتى نشهد حرب تشرين، وتحرير القنيطرة باتفاقية فصل القوات 1974 .ما ذكّرني بهبّات سلطات محافظة حمص بين حين وآخر ، مطالع الستينات ، وإلهاء الناس بالدعوة لرصف الطريق حتى حدود البلدة شمالا بالحجارة ، ننقلها بأيدينا أوبالرفوش ، تمهيدا لتعبيده ، كما كل القرى المجاورة، وضاعت الجهود لعشر سنوات وأكثر حتى تكحّلت العيون بطريق معبّد ؟!
صيفيّة المعسكر ، توّجت بالعمل مع أقرباء في بناء دارهم ، كان نصيبي جبل الطين والتعبئة ، معلّم بناء الحجر من القلمون ماهر ونشط ، كنت خير من يلبيه بهذا العمل الذي يقصف (الظهر) والأجر 3ل.س يوميا لكن مع طعام … .
قلت عودتي للعمل في لبنان ، حيث شهد العام 1966 رحلة عملي الأولى ، قبل أن يلحقني أخي الأكبر ، ما أن أنهيت امتحانات الصف العاشر ،حتى استقليت باصا من حمص ، أوصلنا عصر ذات يوم حزيرانيّ إلى زحلة ، لأسأل عن زقاق البلاط وبقالية (أبي جهاد ) نسيب العائلة ، استضافوني يومين حتى أمّنوا لي عملا في في تعلبايا القريبة ، أنام في بقالية وآكل من بيت صاحبها الملاصق ، الأجر لا يتجاوز معدله 4 ل.س يوميا عن عمل غير محدد الساعات ، بعد نحو أسبوع استغنى عن خدماتي لعدم بدء موسم الاصطياف ،،فتدبّر لي أقربائي عملا في محل تنظيف وكوي الملابس ، طبعا كان عملي في خدمة الزبائن والغسل والنشر والتعامل مع غسالات ، لم أكن أعرفها ولم تدخل بيتنا إلا بعد 10 سنوات ، وأمّا الأجر فيعادل 5 ل.س لنحو 12 ساعة عمل دون إطعام ، مع بدء موسم السياحة انتقلنا للعمل في مصيف بحمدون ، كان صاحب العمل يملك محلين ، أبيت في الأول وهو للاستلام والتسليم لزبائن المنطقة ، ومما أذكره وأنا أنزل باكرا للعمل ،كنت أتصفّح على عجل عناوين الصحف اللبنانية والسورية …. مترقّبا نتائج البكالوريا لأخي ! همّي توفير ما أمكن من الأجر. وشراء تنورة (مخمل أسود) لأمي وبطانية للبيت فنتاج دولاب أمي كما نول أبي لغير ذلك ، وحين عدت في نهاية آب لمتابعة الدراسة ، أحمد الله أني حققت لها الحلم، وكثيرا ما كانت تقرنها بقصة فستان (المخمل الأزرق) في الاسكتش الغنائي اللبناني المعروف بأن( حبيب سعدة وزوجها ، لم يوفّ بوعده بشراء هذا الفستان إلا وقد أصبحا على العكاكيز !!!) .