Views: 2
حِكَمٌ ونصائحُ
—
أيّها النّاسُ كلامي ذا اسمعوا
ردِّدوهُ مثْلَ مزمورٍ وعُوا
كلُّ حرفٍ فيهِ نفعٌ دائمُ
إنْ إليهِ قامَ حقًّا قائمُ
ورمى عنهُ الّذي فيهِ صدأْ
وبإخلاصٍ أتاهُ وقرأْ
ناسيًا وخزَ تواريخِ الدُّجى
طالبًا ما فيهِ نورٌ يُرتجى
كم ستلقاهُ مليئًا بالثّمرْ
خارجًا مِنْ عمقِ أعماقِ الحُفَرْ
نحو ساحاتِ الوغى يرتحلُ
هاتفًا : إنّي جريءٌ بطلُ
عنهُ تُحكى قصصٌ ليستْ تموتْ
ولهُ تُبنى مِنَ التِّبرِ بيوتْ
ليسَ يُكوى بعدُ مِنْ جمرِ الأسى
والّذي عاناهُ يومًا يُنتسى
لا يبالي بوحوشٍ تزأرُ
وسكاكينَ لبطنٍ تبقُرُ
ريحُهُ جيشَ رياحٍ تهزِمُ
بالحصى وجهَ عِداهُ يرجُمُ
واثقًا يطرقُ أبوابَ الحياةْ
راجيًا منها عظيمَ الأمنياتْ
وضلالٌ إنْ سباهُ يختنقْ
وهْو كالنّجمِ بفهمٍ يأتلقْ
لن يعودَ الدّودُ يغزو حقلَهُ
بعدَ أنْ أبعدَ عنهُ جهلَهُ
فتعالَ اليومَ هيّا فاستفِدْ
وعظاتٍ كلُّها نُصحٌ أَعِدْ
عشْ تذكّرْ فضلَ مَنْ حُبًّا رعاكْ
واهبًا أمَّكَ مجدًا وأباكْ
بهما أوصى الإلهُ الواحدُ
مَنْ عصاهُ فهْو غِرٌّ جاحدُ
لن ينالَ الخيرَ في عالَمِهِ
وسيلقى الجَوْرَ مِنْ ظالمِهِ
ويتوهُ الدّربُ عنهُ لن يَرى
بوضوحٍ كلَّ أمرٍ قد جرى
يسألُ الأيّامَ : أين المُشتهى
وأحقًّا كلُّ ما شِدتُ انتهى؟
وتدمّيني خطوبٌ صاعقهْ
للّذي أُعليهِ تبقى ماحقهْ
وبعيدًا فرَّ عنّيْ القمرُ
وشكا لسعةَ ناريْ الشّجرُ
ينفُرُ اللّونُ فيأبى لوحتي
والمواويلُ تعادي نغمتي
وطيوري صمتتْ صمتَ القبورْ
وحياتي لمْ يعُدْ فيها سرورْ
ولكَم شوكٌ أنا لا أُطلَبُ
مِنْ حضوري كلُّ دانٍ يهربُ
لمْ أعُدْ حُرًّا أبيًّا وأنيقْ
وردائي لمْ يزلْ رثًّا عتيقْ
لا فمٌ يتلو نشيدًا ما أقولْ
وتجافي طرحَ أفكاريْ العقولْ
وسلامي غابَ عنّي واختفى
وهدوئي ضاعَ منّي والصّفا
آهِ ممّا صرتُ فيهِ غاطسا
في كهوفِ الوهمِ أبلى فاطسا
فانتفضْ عُدْ طالبًا عفوَ الإلهْ
سوفَ تعطيكَ الّذي تبغي يداهْ
وإلى ما قالَ أنصِتْ واعيا
لمْ يخِبْ مَنْ كانَ فهمًا راعيا
إنّهُ يهواكَ ثِقْ والصَقْ بهِ
غيرَ ميّالٍ وسِرْ في دربِهِ
خلَقَ الأكوانَ خَلْقًا عجَبا
لا بها شيءٌ هوى مضطّربا
باعثًا رُسْلًا ووحيًا أنزلا
كي يصيرَ العيشُ حلوًا أسهلا
وحباكَ الخيرَ منهُ تغرِفُ
في هناءٍ وابتهاجٍ تُسرِفُ
فلماذا عنهُ تنأى هاربا
لسواهُ لِمَ تدعو طالِبا؟
فتعاني مِنْ حياةٍ مقفِرهْ
بالّذي ترجوهُ ليست مثمرهْ
أيّها المسكينُ يكفي وابتدئْ
وعلى ما كنتَ تخشاهُ اجترئ
ليتكَ الآنَ إليهِ ترجِعُ
واسمَهُ في كلِّ حينٍ ترفعُ
عشْ مع الدّهرِ وبيّنْ عملَكْ
رافعًا فوقَ جبالٍ جبلَكْ
وأَرِ الخَلْقَ فِعالًا لا كلامْ
كلُّ ما فيها ذَهابٌ للأمامْ
كن محبًّا لأخٍ عشتَ معَهْ
ووفيًّا رافضًا أنْ تخدعَهْ
معْكَ أغفى وصحا مبتهجا
برضاهُ أنتَ تجني فرَجا
ولكَ الأختُ فصُنْها ملكهْ
ولْتكن معْكَ تُرى في شرِكهْ
يجمُلُ العمرُ بعيشٍ هانئِ
ما أُحيلاهُ لقلبٍ ظامئِ
لا تعكّرْهُ بما فيهِ تعَبْ
فازَ مَنْ مِنْ لطمِ إعياءٍ هربْ
إنّما الدّنيا نعيمٌ زاهرُ
إنْ رعاها مخلِصٌ لا غادرُ
وإذا كنتَ لها في طلبِ
صائغًا بنيانَها مِنْ ذهبِ
وإذا خِلًّا بها لمْ تخُنِ
طاردًا عنها غبارَ الفِتَنِ
تجعلُ الألوانَ فيها زاهيهْ
والحساسينَ تغنّي لاهيهْ
ومُعيدًا لرُباها وردَها
طالبًا إنْ لمْ تمجَّدْ مجدَها
لا تعُدْ للأمسِ مزِّقْ دفترَهْ
وبها الحاضرُ هذِّبْ أسطرَهْ
عشْ عزيزَ النّفْسِ لا ترضَ الهوانْ
عزُّ مَنْ يأبى الإهاناتِ يصانْ
ثائرًا حُرًّا عظيمًا فلْتكُنْ
عهدَ مكّارٍ خبيثٍ لا تصُنْ
هاجمِ القُبْحَ وحطِّمْ يدَهُ
إنّهُ يُمدَحُ مَنْ بدَّدَهُ
عالَمٌ مِنْ غيرِ حُسْنٍ لا يطاقْ
جوفُهُ قبرٌ لمن للزّهوِ تاقْ
لا تكسِّرْ كمرايا العالَما
دعْهُ يحيا مستريحًا سالما
لا تعذِّبْ فيهِ حيْوانًا ضعيفْ
ولحقلٍ لا تجئْ مثْلَ خريفْ
ولكَ اجعلْ لمسيرٍ أصدقاءْ
تنسَ معْهم طعنَ أسيافِ العناءْ
واطلبِ العِلمَ وجدِّدْ ذهنَكا
كي يرى الرّائي بهيًّا حُسْنَكا
إنّهُ الدّربُ لنصرٍ ترتجيهْ
وابتعادٍ عن سراديبَ وتيهْ
فيهِ لاقت ما اشتهتْهُ أممُ
وغدت تنمو لديها نِعمُ
قوّةٌ مالٌ بناءٌ وصعودْ
وعلى الدّنيا بما يحلو تجودْ
وانتهِرْ فكْرًا إلى حقدٍ دعا
وخطيبًا لجموعٍ خدعا
ودعِ الدِّينَ لربٍّ يعلمُ
مَنْ لهُ حقًّا وصدقًا يخدُمُ
إنّ أهلَ الأرضِ للحنّانِ ذا
ليس يهوى مَنْ سواهُ نبذا
فتوقّفْ عن إداناتِ سواكْ
لستَ قدّيسًا ولا شِبْهَ ملاكْ
أنتَ مثْلَ الغيرِ تأتي بذنوبْ
وكما الغيرِ تُنادى لتتوبْ
لا تقُلْ : دِيني ففيهِ قد وُلِدتْ
لمْ تُخيَّرْ في الّذي فيهِ سعِدتْ
وقُلِ : اليومَ سأحيا معْ أخي
سَيرُ خطوي نحوه لا يرتخي
دِينُهُ لستُ أبالي ما هوا
إنّما مِنْ جهتي ما قد نوى
مَنْ برى الأقوامَ فيها نوَّعا
وعلى الكلِّ ودادًا وزَّعا
إنَّ في التّنويعِ حُسْنًا وغنى
هكذا فلْنحيَ غيري وأنا
لا تعالٍ كلُّنا صنعُ القديرْ
ولنا وقتَ الرّدى نفْسُ المصيرْ
فإذا شرًّا أتينا فجحيمْ
وإذا خيرًا فعلنا فنعيمْ
الخرافاتُ تجنّبْ شرَّها
لن يُعافى مَنْ يُروّى مُرَّها
كم أماتت أممًا كانت تعيشْ
وغدا أبناؤها أسرى حشيشْ
لا تقاومْ شرَّ إنسانٍ بشرّْ
بل بفعلِ الخيرِ فيهِ تستمرّْ
وإذا شئتَ فلاحًا فاجتهِدْ
وعلى غيرِ النُّهى لا تعتمدْ
بالقراءاتِ لأرقى كتبِ
تغتني ملتصقًا بالأدبِ
ثابتًا تبني متينًا منزلَكْ
أحدٌ ممّن ترى لن يهملَكْ
مَنْ أتى نحوكَ يبغي منفعهْ
مرحبًا قُلْ ولهُ ارفعْ موقعَهْ
قاسيًا فظًّا عنيفًا لا تصِرْ
بكلامٍ فيهِ لطفٌ تنتصرْ
كن حكيمًا ورزينًا هادئا
بالّذي يبنيكَ أسرِعْ بادئا
لا بمالٍ أو طعامٍ أو شرابْ
فرِحًا تغدو ولكنْ بالصّوابْ
سرَّكَ المخفيَّ حاذرْ لا تُذِعْ
وعنِ الأهواءِ والفوضى امتنِعْ
وأمام الشّيخِ قفْ محترما
وبوجهِ الطّفلِ كن مبتسما
وإلى النّسوةِ قدِّمْ وردَكا
وأرِ الأيتامَ عطفًا ودَّكا
وعن المُسكِرِ أبعِدْ واعتزِلْ
صحبةً فيها وباءٌ ينتقلْ
ودعِ الموتى وقُمْ منطلِقا
لزمانِ العجزِ مزِّقْ ورقا
لا تخفْ مِنْ أحدٍ أو من ظروفْ
كن شديدًا واسعَ سعيًا للوقوفْ
ابكِ لكنْ لا تُطِلْ وقتَ البكاءْ
فحياةُ المرءِ حزنٌ وعزاءْ
عشْ كما تهوى ودلِّلْ نفْسَكا
رافضًا في كهفِ عتْمٍ حبْسكا
لا تصدّقْ كلَّ قولٍ تسمعُ
فغبيٌّ مَنْ بهذا يُخدَعُ
وتبصّرْ لا تكن إلّا فما
ناعمًا لو أحدًا ما كلَّما
وإذا شئتَ حديثًا أوجزِ
وعلى رسمِ وفاقٍ حفِّزِ
في اشتعالِ الحربِ بلوى تفتِكُ
كلُّ مَنْ يدخلُها يرتبِكُ
انظرِ البلدانَ أمستْ طللا
مِنْ سمومِ الحقدِ فاضت عِللا
كم جميلٌ لو رجعنا للصّفاءْ
كي لنا تبسمَ أرضٌ وسماءْ
فكْرُنا ثرٌّ بما فيهِ نقومْ
والّذي يسقطُنا ليس يدومْ
هكذا تزهو حياةٌ وتطيبْ
نبتغي منها شرابًا وزبيبْ
لا انكسارٌ لا رجوعٌ للورا
للّذي ظلَّ لآتٍ مبصِرا
والبلايا تنتهي إنْ حوربتْ
والأغاني تنتشي إنْ مورست
أنتَ مِنْ طينٍ على ماذا الغرورْ
وقريبًا ستواريكَ القبورْ
فاهجرِ الكِبْرَ تواضعْ واستقمْ
كي لكَ الدّنيا طويلًا تبتسمْ
وتأمِّلْ فيكَ أجِّجْ أخيلَهْ
وأجِبْ واطرحْ جميعَ الأسئلهْ
واشربِ الماءَ فقط مِنْ جُبِّكا
واشفِ سُقْمًا نلتَهُ مِنْ طِبِّكا
لا تثرثرْ كن قليلًا في الكلامْ
كثرةُ القولِ تؤدّي للحرامْ
للفقيرِ الخبزَ هَبْهُ ساخنا
ولمن ذاقَ الضّنى كن حاضنا
ومع الفرحانِ فافرحْ فرَحا
مَنْ بغى سعْدَ سواهُ فلحا
بيتُكَ الجنّةُ فاحفظْ جنّتَكْ
مطلِقًا فيهِ بحُبٍّ ضحكتَكْ
لا تكن غيرَكَ بل أنتَ فكُنْ
ضلَّ مَنْ خيرًا بهذا قد يظُنْ
واربحِ الأعداءَ لا تصنعْ خصيمْ
إنَّ عيشًا في عداواتٍ جحيمْ
لستَ تدري ما سيأتيكَ الغدُ
فعشِ اليومَ ففيهِ الرّغَدُ
عن مديحِ الذّاتِ أبعِدْ وامتنِعْ
لغريبٍ دعْهُ حتّى ترتفعْ
لا تكن منفعلًا تبدي الغضبْ
مَنْ تردّى فيهِ ما نالَ الأرَبْ
وإلى النّمّامِ لا تُصغِ وعشْ
في سكونٍ وسلامٍ تنتعشْ
حسدًا لا تحسدِ النّاسَ وقُمْ
قدِّمِ الحُبَّ بإخلاصٍ لهمْ
لا تخُنْ واعشقْ كثيرًا وطنَكْ
بيدٍ تبدعُ جمِّلْ زمنَكْ
صيتُكَ الباقي فصُنْهُ رائعا
ما عداهُ ستراهُ ضائعا
صانعًا ما فيهِ ربحٌ للخلودْ
إنَّ في هذا ستزهو وتسودْ
وإذا غبتَ وأُلبِستَ الكفنْ
تلبسُ الإكليلَ في أزهى وطنْ
تلكمُ كانت عظاتي واضحهْ
لكبيرٍ وصغيرٍ ناصحهْ
علَّها تلقى قَبولًا ورضا
مثْلَ ضوءٍ في ظلامٍ ومَضا
فلْتقولوا إنْ أفدتمْ : نشكرُكْ
ربُّنا في كلِّ أمرٍ يثمرُكْ
—
القس جوزيف إيليا
١٩ / ٧ / ٢٠٢٥