Views: 2
المهمّ تكون أنثى د. عبد الرزاق الدرباس
حين كان في الجامعة كانت الطالباتُ يخطبنَ ودّه، والكثيرُ منهنّ تتمنّاه فارسَ أحلامها، لأنه المجتهدُ الأنيقُ الوسيم، ولكنّه لم يلتفتْ لهنّ، ثمّ تخرّجَ،
وسرعان ما أصبح مدرّساً للرياضيات في ثانويةٍ للبناتِ قريبةٍ من بيته.
صارَ وكأنّه في (حدائق الحور الغيد) فالمدرّساتُ والطالباتُ قد شُغِفنَ بهِ
حبّاً، (مثل امرأة العزيز وسيدنا يوسف عليه السلام).
أمّا هو فكانَ يتعالى على نظراتهنّ وخفقِ قلوبهنّ الخافي والظاهرِ أحياناً، لكنه سرعان ما التحقَ بالجيشِ لأداءِ الخدمة الإلزاميّة، وتسرّحَ منها معَ ربعِ قرنٍ ونيّف من الزمن، فبدأَ أهلُه يوجّهونه:
بنت عمّك (فاطمة متل الوردة) وبنت خالتك (مديحة متل نجمة الصبح) وبنت الجيران (سعاد متل الفستق) وبنت خالك (علياء سترك وغطاك)، وهو يضعُ الأعذارَ والمساطرَ التي لاتجدُ على قياسِها أحداً، لأنّ (فاطمة سمراء) وهو يحبّ البشرةَ الناصعة، و(مديحة قصيرة) وهو يعشقُ الطولَ الفارع، و(سعاد نحيفة) وهو راغبٌ بالعبلاء المربربة، و(علياء) غير متعلمة وهو يريدُ زوجةً جامعيّة، و…
كانت سنواتُه (تتزحلق سريعاً كالقدم فوق الصابونِ على سيراميك الحمّام) بينَ انتقاءِ العروس، و(نكش العيوب والنواقص)، والتفكير في بناء (عشّ الزوجيّة)، والحلم مع (سندريلا) تأتيهِ من أحد القصورِ بفردةِ حذاء واحدة، أو (حوريّة) تخرج له من أحد البحورِ وتؤنسُ وحشته، وأحيانا يتطوّر حلمُه إلى (مصباح علاء الدين) ليخرجَ منه الماردُ ويقولَ له (شبّيك لبّيك، أنا أفصّل لك عروساً على ما يشتهي قلبُك ويريّح عينيك).
تجاوزَ الثلاثين من العمر، وفي جلساتِه كانَ يعيبُ الشبابَ المتزوجين بسرعةِ اختيارهم، وكلّما اختلفَ أحدُ أصحابه مع زوجته، كان يتدخّل بنظرياتِ المعاملةِ الحسنةِ التي قرأها في الكتب، وضرورةِ الصبر واحتمال صغائرِ المشكلاتِ الزوجيّة من أجل (مشي القطار وتجنّب الطلاق).
صار عمرهُ خمساً وثلاثين سنة، فصارتِ الفتياتُ يرفضنه، بحجّة عمقِ أفكاره، وصعوبةِ مزاجه، وأنه (مقطّع موصّل) وربما لديه (علاقات سريّة حمراء) لقضاءِ وطره الجنسي، فمن شبهِ المستحيل أن يبلغَ الرجلُ الأربعين، ومازال في طقوسِ الجنس (كالمراهقين من طلاب الصفّ الحادي عشر).
بعد الأربعين غزا الشيبُ رأسَه، وتجعّدَ وجهُه المَليح، وخفتَ بريقُ عينيه الجميلتين، ونبتتْ في وجدانِه بذرةُ (الأبوّة والرغبة في الذريّة)، وصارَ يتلهّفُ لملاعبةِ طفلٍ صغير، أو شراءِ ربّاطةِ شَعر بيضاء لطفلةٍ جميلة، فكانَ (فراغ القلب) سيّد الموقف، و(لهاث الأماني) عنوانَ أيامه، وكانتْ (رجفة أصابعه) بطلةَ الحكاية.
صار عمرهُ خمسين سنةً، وابتعدَ رفاق الأمس، أمّا زوّارهُ الذين تزاحموا لمّا كانَ (الكرم عنب ودبس)، فقد انفضّوا لأنّ (الكرم يبس)، فقرّرَ التمرّدَ على كلِّ شيء، والتحلّي بالواقعية، فطلبَ ممّن بقيَ من أهلِه أن يخطبوا له (إحدى البنات) ليتزّوجَ و(يعوّض ما فات)، ففرحوا كثيراً، وسألوه:
– طيّب! ما مواصفاتُ (سعيدةِ الحظّ) التي سنخطبُها لك؟؟
ردّ بضحكةٍ ممزوجةٍ بالبكاء، وتنهيدةٍ مختلطةٍ بانطِواء:
– المُهمّ تكون أُنثى.
(*) بقيَتْ ملاحظة أخيرة: بطلُ حكايتِنا شخصٌ حقيقيّ أعرفه، ولن أبوحَ باسمه، لكنّه سمحَ لي
بنشرِ قصّتهِ على طريقتي السّاخرة المُفيدة.
*** تمّت ***