Views: 11
& دولاب أمي -7. الحصاد &
* سعدالله بركات
ينتظر دولاب موسم الحصاد ليرتاح في عطالة صيفية ، على عكس ما نحن. من تذمر حين يطل صيف والزرع ينادي حصاده ، وماأدراك ما الحصاد اليدوي في عزّ الصيف ، والمبيت في البرية من مساء الأحد لمساء السبت ، وإن كان التعب يضفي لذة النوم على ضوء القمر، ومما أذكر وأنا في نحو الثامنة كنت والوالد وحيدين نحصد في أرض شمالي البلدة – شافعة – وصلناها فجرا راجلين .
، وأما يوم الحصاد، فطويل طويل قد يستمر حتى مغيب شمس تموز وآب ، باستثناء غفوتين ماتعتين عقب الفطور والغداء، على كومة قش، أو حجر ،ولاتسلني عن الطعام حيث الخيار وحباته من العيار الثقيل فاكهة الموسم ، مع وجبة برغل نطبخه على عجل ، وحيث يجود علينا الرعاة ، بطاسة من الحليب أو العيران ، فتروي الغليل وتجدّد فينا طاقة على العمل ، أومايهدوننا من لحم في عيد الأضحى حين يحل في الصيف.
قلت ثانية مشينا ، لأن الدّابة الوحيدة لحمل ماء وطعام الأسبوع ، قد يتناوب على امتطائها المسنّون والنسوة من العائلة ، أو لنقل الزرع إلى البيدر ، ثمّ المحصول إلى البيت.
في البيادر كانت ملاعبنا ، وجديد متاعبنا ، كنّا نكمل الصيفيّة في فرط سنابل المحصول وفرز حباّتها عن القش، حتى وإن فتحت المدارس أبوابها ، فلا بأس أن نساعد في أعمال حراثة الأرض وزرعها، فليحمد جيل اليوم ربّه مرات ، على نعم وهات يا دلال هات ..
كنت اغتاظ ممن لديهم عربات تجرّها خيول ، وتقلّهم على كثرتهم ، والكثرة في الحصاد تخفّف عبئه على وقع أهازيجه الشعبية ، كنت أرغب في الحصاد جماعة ومساعدة أ قرباء أو أصدقاء ، كان الزرع والحصاد سبيل لقمة عيش ، تؤمّن من القمح مؤونة البرغل والطحين، مثلما يؤمّن من العنب الزبيب والدبس والخمر، ومن ثمار البساتين ، تصنع المربيّات ، و يُباع الفائض لمصاريف العائلة ، ولطالما ناورنا أو أرغمنا على ، الذهاب للكروم لقطف ثمار يانعة ، هانحن نتشهّاها .
هكذا كانت عطلتنا الصيفية ، وكم كنت أعاكس الوالد المرحوم في دعوته الله عزّوجلّ ، أن يكرمنا بالمطر ،ولكن عن جهل أوكسل ، لأنّ دورة جديدة من الشقاء تنتظرنا .
المفارقة أنّي- بعدما وعيت أن المطر والماء سبيل حياة ، رحت أستذكر جولاتنا ، في أزقّة البلدة ، ونحن صبية بأهزوجة دعوة استسقاء ” أمّ الغيث غيثينا ليشرب راعينا ” ، كما صرت أكثر دعاء الوالد وأكرّره ، مالاحت غيمة في سماء بلادي، أولأنّنا ودعّنا أيام الحصاد – الشقاء لمزيج من جفاف ، وهروب لعمل المدينة .
ولهذا تراني أتألّم ، لمشهد هدر الماء في منزل أو شارع أو مرفق عام ،وخاصة إذا لم أستطع المساهمة بوقف هذا الهدر.
وغالبا ما يبدأ العام الدراسي ولم نغادرالبيدر، حيث متعة المبيت والسهر فيها على ضوء القمر وشراء السكاكر والراحة خلسة عن الأهل من دكانة / الطلي/ القريبة مقابل القمح والشعير ، ولصغري كان لي حلوان خاص أو(رشوة) من أخوي ورفاقهما تدليلا ، أوكي لا أبوح للأهل بسرّ الشراء بالقمح ،كون الشعير مسموح به لكن مقابله أقل.
المفاجأة حين تركنا أخي الأصغر خلال إغفاءة الفطور، وكنّا في منطقة وادي الخيل شرقا ، عاجلا عدنا لنجده في البيت ، قبل أن يسمح الوالد للرعاة برعي الزرع ، مقابل عشرات من الليرات فالموسم لم يكن وفيرا، و كم فرحت عندما أخبرنا الوالد أنه فعل نفس الشيء في العام الذي يليه ، وكنت أقدّم امتحان الإعدادية
الحصاد الأخير لا أنساه ،لقد كان بالأجرة… ولمرّة وحيدة ، ففي عام 1967 بعد نكسة حزيران (2) تخوّف والدي كثيرا من تداعيات الوضع وقال : ((يجوز تكسد صناعة البسط ، وكنت أساعده ، وقد يوقفوا راتبك و أخيك)) ، بعيد منتصف ليل اثنين من أوخر حزيران ، ذهبنا راجلين إلى أرض شافعة شمال البلدة ، وجدنا الزرع قاسي العود ، فتوجّهنا مشيا أيضا ، إلى أرض بفيض وادي الحصى جنوبي بساتين القناة الشرقية ، في أرض الجسر(3) وقد وصلناها مع بزوغ الفجر ، يوم عامل الحصاد وخاصة المأجور قد يتجاوز 14 ساعة ، يتخللها قيلولة إغفاءة ماتعة تذيب التعب .
ثلاثة أيام وبأجر لايتجاوز العشرين ليرة لي ولأخي الأكبر ، وصلت للوالد مع حساب صناعة البسط ، وربما لم ينقذنا من أيام حصاد أخرى ، سوى الإعلان عن استئناف فحوص البكالوريا ، وعودتي للعمل بزحلة في لبنان في ورشة بناء ، كما أسلفت في حديث عن العمل.